أسرة وطفل - مقالاتمقالات

ماذا جرى للأسرة؟ .. الجزء الثالث

فقدان التواصل

هل المدان في إدمان الإنترنت هم الأبناء فقط؟ أليس الأب والأم –بصفة عامة– مستغرقين هما أيضًا في عشق الهاتف لدرجة الهوس؟ ألا ترى الزوج والزوجة جالسين بالساعات كل منهما على جهازه منهمكًا ومندمجًا ومندهشًا ومستمتعًا؟ فتراه تارةً مبتسمًا وأخرى ضاحكًا وثالثة متعجبًا، لتفيق الزوجة على رائحة الطعام وقد احترق على الموقد، وينتبه الزوج إلى أنه قد نسي موعدًا مهمًا أو عملًا لا يحتمل التأجيل، أو حتى نسي الصلاة!

إدمان الإنترنت وعلاقته بالتوافق الأسري

بين نفس الخطأ ونفس الإدمان هنا وهناك اختفى الحوار الإيجابي بين الزوج وزوجته وبين الأبناء والآباء، الحوار الذي يثري العلاقة ويغذيها ويفتح المناقشات المرتبطة بالبيت والمستقبل والأولاد، الحوار الذي كان يقرِّب مشاعر كل منهم للآخر ويعمِّق إحساس المشاركة، ويزيد المحبة وينمي التوافق ويحل المشكلات، مشكلات كل فرد وحده ومشكلات الأسرة عمومًا.

عندما يصبح الانشغال بمواقع التواصل قاسمًا مشتركًا بين الآباء والأبناء، تصبح مشكلة الأسرة مركبة ومعقدة، فمن المؤكد أن النصح هو دور الوالدين، بل هو حق لهما وعلى الأبناء الطاعة، فطول التجربة والخبرة تجعل ذلك منطقيًا، كما أنه واجب ديني وأدبي وأخلاقي أن يطيع الابن أباه، لكن عندما يقع الوالدان في نفس الخطأ ويبتليان بنفس الداء، فكيف لهما في هذه الحالة أن ينصحا الأولاد بعكس ما يفعلان هما؟ وكيف يمكن أن تكون لهما أي مصداقية في هذه اللحظة؟ يقول أبو الأسود الدؤلي:

“لا تنهَ عن خلُقٍ وتأتيَ مثلَه        عارٌ عليك إذا فعلت عظيم

يأيها الرجلُ المعلّمُ غيرَه             هلاّ لنفسك كان ذا التعليمُ

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ابدأ بنفسك فانهَها عن غَيِّها        فإذا انتهت عنه فأنت حكيم”

مواقع التواصل الاجتماعي تدس السم في العسل

إدمان الإنترنتإذا وقع الكل في نفس الخطأ سيضطر الكل إلى التغافل عن خطأ الكل، عن الانهماك الضار في إدمان مواقع التواصل لتستمر المشكلة، لكن هل يتوقف خطر هذا الإدمان عند ما ذكرناه من أضرار على نفسية الأسرة وتماسكها الاجتماعي؟

الحقيقة لا، فمواقع التواصل بها أيضًا كثير من السم في العسل، بواسطة المنشورات المدسوسة من أجل تخريب الأسرة والتشكيك في القيم الاجتماعية والدينية.

يمكن أن نضرب لذلك مثلًا منشورًا شهيرًا، يحكي عن زوجة مخلصة لزوجها ومتفانية في خدمة البيت، وعندما مرضت هذه الزوجة وتوفيت سرعان ما شوهد زوجها يلعب التنس في النادى ويضحك، وسرعان ما أقام علاقات، وسرعان ما تزوج بعد ذلك بغيرها وجاء بها لتحل في فراش الزوجة التي توفيت ونسيها الجميع، فهل نفعها الإخلاص لزوجها والتفاني من أجل البيت؟

المرأة غير ملزمة” هوس يهدد كيان الأسرة”

إنه منشور يقول للزوجة لا تخلصي لزوجك، لا تتفاني من أجل بيتك، عيشي لنفسك، خذي حريتك كاملة، خوني الخائن وتخلي عن النذل ودعك من القيم فهي لن تطبق إلا عليك، لأن زوجك سرعان ما سينساك.

هناك منشورات تقول للمرأة أنت غير ملزمة بالرضاعة وغير ملزمة بالطبخ وترتيب البيت وتنظيفه، ولا بد أن تتقاضي الأجر عن كل ذلك أو تتوقفي عن فعله، وأخرى تقول لها زوجك يسهر في الخارج وعليك أن تفعلي مثله، أنت تتركيه يسهر في الخارج لأنك تثقين فيه، فعليه هو أيضًا أن يسمح لك بالعودة إلى البيت قبل الفجر، فالثقة يجب أن تكون متبادلة وأن تكون هي أساس العلاقة بينكما.

كما أن كل جسم ينبت من الطعام الذي يأكله، فكل عقل يتشكل بحسب ما يقرأ ويصدق ويفهم، وهنا يتضح مدى خطورة مثل هذه المنشورات، وأغلب الناس يصدقون، لأن أغلب الناس ليسوا على خلفية ثقافية أو معرفية تحميهم من كل هذا الغش والخداع.

الإنترنت ومواقع التواصل من أسباب زيادة الطلاق

إدمان الإنترنتكم خدعت مثل هذه المنشورات نساء، وكم غررت ببنات وكم هدمت من بيوت، حتى أصبحت الزوجة تقول لزوجها أريد مرتبًا شهريًا مقداره كذا أو أتوقف عن خدمتكم، وتروح تلح وتنغص عليه حياته وهو بالكاد قادر على الإنفاق على متطلبات البيت، من الطعام وخلافه مما تضاعفت أسعاره أضعافًا أضعافًا، حتى يكره حياته وتحدث المشاكل التي قد تصل إلى الطلاق بعد عشرة العمر، كل هذا لأنها صدقت ما ينشر على مواقع التواصل من كلام مدسوس هدفه تخريب الأسرة لهدم المجتمع من أساسه.

أيضًا نرى منشورات الحث على خلع الحجاب والتحرر خطوةً إلى الانحلال، وهذه بالذات تسببت في مشاكل منزلية لا حصر لها، وكراهية داخل الأسرة وعداوات وصلت إلى الطلاق والضياع.

وللحديث بقية.

مقالات ذات صلة:

الجزء الأول من المقال

الجزء الثاني من المقال

منشورات المكايدة والتلقيح

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ . شامخ الشندويلى

الشاعر والكاتب والسيناريست المعروف