قريتان تتضادان في أشياء كثيرة، فمن كان الأفضل منهم؟
القرية الجامعة للمال
كانت هناك قريتان، إحدى القريتين كان يعمل أهلها ليلًا ونهارًا ويكدون في عملهم بدون تعب أو ملل، كانت غاية أهل تلك القرية هي جمع المال الكثير لكي يتمتعوا به ويعيشوا في رفاهية دائمًا؛ فيتلذذون بالنعيم الوهمي للمادة بكل أشكالها وصورها، لم تقتصر غايتهم على أن يعيشوا هم فقط في ذلك النعيم الوهمي بل أن تعيش كل الأجيال القادمة في نفس الحالة ويشعروا نفس شعورهم.
كان أفراد تلك القرية يتمتعون بأقصى مدى للحرية فكان كل واحد منهم يفعل ما يشاء من غير ضمير يُأنبه أو عقل يرشده أو حتى قوانين تضبط وتنظم سلوكيات أفراد القرية، فإن أراد أحد منهم في أي وقت أن يؤذي غيره سواءً كان غيره ضعيفًا أو فقيرًا أو ما شابه ذلك؛ فلن يكون هناك أي شيء يردعه ويرده عن ذلك الفعل، وإن عرف كيف يسرق أو يتخذ أي لون من الأساليب لكي يتربح من المال ما ليس له وأراد هذا فإنه يفعل بدون تردد.
فكانت شهواتهم دائمًا تتغلب عليهم، ولم تقتصر حريتهم على الحرية الشخصية لكل واحد منهم على حدة بل تعدت حريتهم لغيرهم بما فيه الأذى لأفراد القرية، فكانت تلك الحرية غير المنضبطة مهلكة للقرية على المدى البعيد حتى وإن ظهر عكس ذلك على المدى القريب.
القرية المتكاسلة
وكانت القرية الأُخرى أفرادها لا يعملون إلا قليلًا، فكان كل واحد منهم يتكاسل في عمله ويعتمد ويتكأ على غيره، فكانوا يحبون أن يحصلوا على المال مقابل عملهم الذي لم يؤدوه في الأساس أو لم يؤدوه على أكمل وجه، لكن أيضًا وفي حقيقة الأمر لم يكن المال الذي يحصلون عليه بالمقابل الكافي بالنسبة لهم، ولم يقدروا على المطالبة بأكثر من ذلك المال الذي يحصلون عليه، لأن حريتهم كانت مقيدة جدًا لأقصى حد ممكن لدرجة أنه إذا تظلَّم أحد وطالب بحقه فسيحصل عليه -إن استطاع- بعد فترة طويلة من الزمن!
فأي حق ذلك والتأخير في إعطاء الحقوق ظلم! ولكنهم كانوا يرضون بالظلم لضيق حريتهم؛ لأن هذا الضيق كان يمنعهم بأن يطالبوا بحقوقهم في كثير من الأحيان، وكان غاية أفراد تلك القرية بأن يصبحوا على ما أصبح عليه أفراد القرية الأولى بأن يجمعوا المال الكثير لكي يعيشوا في رفاهية وبأن يصبحوا أحرارًا يفعلون ما يشاؤون، وكان كثير منهم يُفضل أن يُهاجر إلى القرية الأولى بدلًا من أن يُصلح في قريته، وكأن القرية الأولى وصلت إلى ما وصلت عليه من رفاهية مادية بدون جهد أبنائها!
أيهما الأسوأ ؟
دعونا نجاوب على ذلك السؤال بعد النظر إلى فلسفة المنهج العقلي.
فلسفة المنهج العقلي تقول إن الحرية مطلوبة وبشدة لكي تحقق العدل في نفسك ومن ثم في محيط الأفراد من حولك؛ فالعدل هو الغاية الأسمى والذي يجب أن يسعى لتحقيقه كل إنسان عاقل، لكنك لن تقدر على تحقيق ذلك العدل بدون أن تنعم ببعض من الحرية، فعلى مستوى الفرد يجب أن يكون حرًّا.
ولتعلم أن لدى النفس الإنسانية ثلاث قوى: وهي القوة الشهوية وفضيلتها العفة، والقوة الغضبية وفضيلتها الشجاعة، والقوة العاقلة وفضيلتها الحكمة، ولكي تصل إلى فضائل تلك القوى يجب أن تكون حرًا، وإن قدرت على ذلك فإنك قد امتلكت خلق العدالة وهو الخلق الأعظم. أما على مستوى القرية أو بمعنى أصح المجتمع فيجب أن يتمتع أفراده بالحرية لكي يُطالبوا بتحقيق العدل.
عودة للمعيار
ولكي يحققوه هم بأنفسهم في الأمور المتاحة لذلك فيعطوا كل ذي حق حقه، والمجتمع ما هو إلا أفراد إن حققوا العدل في أنفسهم تحقق العدل بالضرورة في المجتمع، فالحرية التي تُطلب لتحقيق العدل هي حرية منضبطة بالعقل وليس فيها ظلم وتعدي على حقوق الآخر.
إذًا بعد النظر إلى فلسفة المنهج العقلي نستطيع أن نقول أن القرية الثانية سيئة لأنهم كانوا يرضون بالظلم وكانوا لا يسعون إلى اتساع درجة حريتهم لكي يستطيعوا تطبيق العدل، وكانوا حتى في غايتهم لا يطمحون إلى غاية فاضلة بل كانت غاية تتسافل بهم، فحقًا بئس هذه الغاية، لكن القرية الأولى هي الأسوأ، بل في حقيقة الأمر إنها في غاية السوء حتى وإن ظهر لنا أن حالها أفضل.
لأن أفرادها كانوا أكثر حرية وكانوا هم أحق وأولى بالمناداة بالعدل وتحقيقه، ولكنهم لم يفعلوا ذلك بل اتبعوا شهواتهم وكانوا يتنافسون في تسافلهم! وأخذتهم تلك الحرية غير المنضبطة بالعقل إلى طريق الظلم وليس إلى طريق العدل! فظلموا أنفسهم وظلموا غيرهم، فما أسوء من هذا طريق!
اقرأ أيضا:
أزمة العدالة والخير و الشر.. ألن نتمتع بعالم خالٍ من الشرور ؟
حوادث مؤسفة تكشف لنا أحوال المرأة في المجتمع الغربي – الغرب ليس جنة
أخلاقيات العمل .. كيف ننمي الأخلاق داخل بيئة العمل!؟
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.