مقالات

أوقات الأزمات وتجلي التفكير العلمي (1)

ما الأزمة؟

تسود في أوقات الأزمات حالة من القلق والتوتر وعدم التوازن بين غالبية الأفراد المعنيين بمجال الأزمة، ولكي لا نقع فريسة للتسلط والخرافات والتخبط الفكري، لابد أن يتجلى أوقات الأزمات التفكير الإيجابي والأسلوب العلمي في التفكير، وأن نعمل على تنمية مهارات التفكير الإبداعي، ويجب علينا كذلك ألا نذعر أو نهلع أو نخاف، وأن نُنَحّي جانبا أساليب التفكير التقليدية غير المنظمة، لنستطيع تخطي الأزمة التي تعرضنا لها وتفكيك مشكلاتها، والبحث عن حل معقول لكل مشكلة من هذه المشكلات. فما الأزمة إذن؟

الأزمة لغة: من الفعل أَزَمَ على يأزِم، أزْمًا وأُزومًا، فهو آزم، والمفعول مأزوم عليه، وجمعها أَزَمات، وأَزْمات. والأزمة في معجم المعاني الجامع تعني الشدة والضيق.

والأزمة اصطلاحا تختلف تفاصيل مفهومها من علم إلى آخر، فالأزمة الاقتصادية تختلف عن الأزمة السياسية، وتختلف كذلك عن الأزمة القلبية وعن الأزمة العلمية إلخ، لكن هناك مفهوما عاما لمصطلح الأزمة يتوافق مع شتى المجالات وهو أن: الأزمة Crisis هي تهديد مباشر لبقاء النظام، أية نظام كان قائما أثناء حدوث الأزمة، أي أن النظام حينما يتعرض لأزمة ما إن لم يستطع حل جميع مشكلاته فإنه يواجه مصيره بالفناء أو الانهيار. والأزمة طبقا لهذا التعريف هي نتيجة غير مرغوب فيها تؤدي إلى ظهور علامات القلق والتوتر وعدم التوازن، فهي مشكلة كبرى مُركبة عصية على الحل تهدد بقاء النظام برمته.

التفكير العلمي وتفكيك الأزمة:

يتلخص دور التفكير العلمي فور حدوث الأزمات في البحث الجاد والسريع عن حل منظم معقول للمشكلات المسببة لتلك الأزمة لتجاوزها وتفادي أكبر قدر ممكن من أضرارها.

وعلى الفرد أو الجماعة المسئولة عن بحث ودراسة هذه الأزمة التفكير بطريقة منهجية منظمة للإجابة عن السؤال الآتي: كيف أستطيع تحقيق الهدف المطلوب وأجعله واقعيا؟ حيث إن الهدف المنشود هنا -كما ذكرنا سابقا- هو تجاوز هذه الأزمة والقضاء على المشكلات الرئيسية المسببة لحدوث الأزمة وعدم الانخداع في الأعراض الظاهرة والآثار الناتجة عن حدوث هذه الأزمة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إن الظاهرة هي عرض أو انحراف غير عادي عن الوضع المألوف بالزيادة أو النقصان، أما المشكلة الرئيسة فهي السبب الحقيقي وراء حدوث الظاهرة، وتبدو أهمية التفرقة بين الظاهرة والمشكلة من منظور أن الانخداع بالظاهرة واعتبارها مشكلة سوف يؤدي إلى الوصول إلى حلول لا تقضي على السبب الحقيقي للمشكلة، حيث تعمل على اختفاء الظاهرة مؤقتا، ثم بروزها مرة أخرى وذلك لبقاء المشكلة الرئيسة دون حل.

أوقات الأزمات وحكمة الإدارة:

تحتاج أوقات الأزمات إلى إدارة قوية وحكيمة، قادرة على العمل بمنهجية ودقة وسرعة وإتقان تحت ضغوط كبيرة، واعين أفرادها بأهمية استخدام أساليب التفكير العلمي، ملمين بفنياتها، تلك الأساليب المنهجية المنظمة التي تأتي نتيجة للبحث والتفكير، والتي تعتمد على خطوات مرتبة يمكن على هداها الوصول بطريقة منطقية إلى أنسب الحلول للمشكلات المتفاقمة في ضوء الظروف المحيطة بالموقف.

ترتكز الإدارة المثلى للأزمة كذلك على التشخيص الجيد لمشكلاتها، حيث إن التشخيص الجيد يمثل جزءا كبيرا من حل تلك المشكلات، ولا يفوتنا الإشارة إلى أن التشخيص الجيد للمشكلات المسببة للأزمة لا ينتج إلا عن إلمام كافٍ بتفاصيل المشكلة، ويتأسس على أسس منطقية وواقعية، لا يعتمد على الحدس والتخمين أو الخبرات الفردية فقط.

إن اتباع أسلوب علمي منهجي منظم يوفر كثيرا من الوقت والجهد والمال، وذلك على خلاف الأسلوب التقليدي، وذلك الأسلوب الذي على الرغم من الجهود المخلصة التي تبذل خلاله نُجمِع على عدم ملائمة تلك الجهود للحل الأمثل، مع هدرها لكثير من الوقت، مع التأكيد على أن هناك كثيرا من الأزمات قد تحدث نتيجة لعدم اتباع الأسلوب العلمي في تشخيص وحل المشكلات في بدايتها، الأمر الذي يجعل المشكلات البسيطة تكبر وتتفاقم مسببة أزمات حرجة.

خطوات المنهج العلمي في التصدي للأزمة:

وبعد عملية التشخيص الجيد لأسباب الأزمة، والذي يشبه في طبيعته تشخيص الأمراض العضوية عند البشر، والذي أرى أنه بعد الانتهاء من هذا التشخيص الذي يمثل الشوط الأكبر في طريق إدارة الأزمة تمهيدا لتخطيها، تبدأ بعد ذلك عملية تطبيق خطوات المنهج العلمي في حل مشكلات الأزمة واحدة تلو الأخرى، حيث يبدأ الأسلوب العلمي في التفكير بالإدراك الجيد للمشكلة أو المشكلات المسببة للأزمة التي تعرضنا لها،

وملاحظة الظواهر السلبية التي نتجت، وحصرها بدقة، لتقدير حجم الأزمة التي نحن بصددها، ثم تحديد الهدف من دراسة هذه الأزمة، فهل الهدف من دراسة الأزمة هو حل المشكلات المسببة لها بطريقة تعمل على حفظ بقاء النظام الذي كان قائما أثناء حدوث الأزمة؟ أم أن الهدف الرئيس هو حل المشكلات المسببة لتلك الأزمة حتى لو اضطررنا إلى تغيير النظام الذي حدثت في ظل وجوده الأزمة؟

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأزمات لا تحدث إلا بسبب تراكم عديد من المشكلات، وعدم قدرة النظام القائم أو البردايم Paradigm الحالي –إذا استخدمنا مصطلح “توماس كون Thomas S. Kuhn ” فيلسوف العلم المعاصر- على حل مثل هذه المشكلات، فتحديد الهدف من تجاوز الأزمة، ووضع المعايير التي يتم على أساسها إدارتها يعدا من أهم الأمور التي يجب الاتفاق عليها بين فريق بحث ودراسة الأزمة.

الخطوة التالية من خطوات المنهج العلمي في التصدي للأزمة التي يتوجب على فريق بحث ودراسة الأزمة القيام بها هي صياغة المشكلة صياغة دقيقة محددة، يتمكن الفريق من خلالها من وضع المشكلة في قالب محدد تسهل معه عملية التعامل مع المشكلة ودراستها، وذلك لأن هذا التحديد يساعد الفريق على القيام بالخطوات اللازمة لتجاوز الأزمة بسهولة وسرعة ويسر.

تأتي بعد ذلك مرحلة جمع المعلومات والبيانات، وفي هذه المرحلة هناك طريقتان لجمع المعلومات والبيانات عن كل مشكلة من مشكلات الأزمة موضوع البحث: طريقة تقليدية، وطريقة جديدة، نناقشهما إذا قُدِّر لنا في المقال القادم.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اقرأ أيضاً:

التفكير من المفهوم إلى الإجراء

“الانطباع الأول وحدوث الخطأ في التفكير”

التفكير العلمي والتصدي للشائعات

د. وائل صبره

عضو هيئة تدريس بجامعة سوهاج، مدرس الفلسفة ومناهج البحث كلية آداب