مقالات

أنا لست ضحية

في عالم اليوم انتشرت خلال السنوات الأخيرة ما يسمى ثقافة المظلومية، أو ثقافة الضحية، يعني ادعاء أنك مظلوم و ضحية الاضطهاد يجعلك تحصل على مزايا لا تستحقها، مثل استعمال بعض النساء لموضوع أنها امرأة للحصول على وظيفة لا تستحقها، تأخذها من زميلها الرجل ذي المهارات الأعلى لمجرد أنها امرأة! أو من يستعمل أنه أقلية دينية أو عرقية للحصول على مزايا ومعاملة خاصة.

وأصبحت الموضة في التقدم للطلبات والوظائف وحتى الجوائز أن يحتوي الخطاب على قصة كفاح وشعور بالظلم لأنها امرأة أو لأنه أقلية أو لأنه شاذ جنسيا، إلى آخره من قصص المبالغة في الشعور بالمظلومية أو ادعاء المظلومية والمبالغة فيها.

وقد ظهر مؤخرا بحث كتبته سيدة تعمل في البحث العلمي، تشكو فيه من أن المقالات العلمية التي يكتبها النساء يكون الاستعانة بها كمراجع أقل من لو كتبها رجال، رغم أن أي شخص في البحث العلمي يعلم أن الاستعانة ببحث يعتمد على قيمته العلمية وليس مَن كتبه!! لكنها جزء من موضة ادعاء المظلومية بواسطة بعض النساء أو أي شخص يصطنع الاضطهاد للحصول على مميزات لا يستحقها كي يسبق الآخرين بدون وجه حق!!

التهمة الجاهزة

بل إن هناك قصة شهيرة عن اكتشاف الكريسبر CRISPER وهو اكتشاف هام سيتغير به العالم، وسيلة لتغيير الحامض النووي والجينات في البشر، مما سيجعل علاج الكثير من الأمراض الوراثية أمر سهل، أو تغيير الصفات الوراثية، تكنولوجيا خطيرة تطورت خلال الخمس سنوات الأخيرة، وشارك فيها عشرات الباحثين من أوروبا وأمريكا وشرق أوروبا،

لكن حين تم تكريم وتقديم الجوائز تم تقديمها للنساء وتركوا الرجال! مما جعل أحد الباحثين يكتب مقالة هامة عن تاريخ تطور واكتشاف كريسبر، وتم نشرها في مجلة علمية محترمة ليوضح للمجتمع العلمي دور كل الباحثين في هذا الاكتشاف العظيم الذي سيتغير به العالم،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ورغم أن الجميع لم يستطعوا إنكار كل المعلومات الموثقة في هذا المقال، لكن انطلقت كل الجمعيات النسوية والكثير من السياسيين في مهاجمة كاتب المقال، رغم أن أغلبهم لا يعرف أي شيء عن الموضوع، كل هذا لأن المقال يكشف حقيقة أن النساء اللواتي حصلن على التكريم والشهرة والجوائز لسن هن وحدهن اللواتي شاركن في الاكتشاف! و طبعا التهمة الجاهزة.. العداء للنساء المظلومات.

لست ضحية

تماما مثل أي شخص ينتقد اليوم شخصا شاذا أو من أقلية دينية أو عرقية، ينطلق وراءه سيل من الاتهامات والمطاردة بتهمة اضطهاد الأقليات أو الشواذ أو النساء!!

أتمنى أن يتوقف الناس عن ادعاء المظلومية للحصول على مكاسب!!

أتمنى توقف هذا السخف.. وموضة أن يبدأ خطابه بكلمة: “أنا ضحية لأنني رجل شاذ أو امرأة أو أقلية دينية أو عرقية” إلى آخره من ثقافة الضحية.

أنتظر من يقول في افتتاح خطاب السيرة الذاتية:

“أنا لست ضحية ، لقد تعرضت مثل كل البشر لتحديات وآلام ولحظات سعيدة وأخرى حزينة، وهذا ما صنعني وهذه خبرتي في الحياة التي تعلمت منها”.

أتمنى توقف موضة ادعاء المظلومية التي سممت المجتمع العلمي والإعلامي والسياسي والاقتصادي، وأصبح يتم فرض أشخاص علينا بكفاءات ضعيفة في مناصب ومزايا لا يستحقونها، لمجرد اصطناعهم دور الضحية!

كلنا ضحايا بصورة أو بأخرى، وكلنا فاعلين بصورة أو بأخرى.

أنتظر من كل إنسان على وجه الأرض أن يقول لنفسه وللجميع:

“أنا لست ضحية ، لقد تعرضت مثل كل البشر لتحديات وآلام ولحظات سعيدة وأخرى حزينة، وهذا ما صنعني، وأنا أعمل على تغيير مصيري، ولكنني لست ضحية .. ولن أكون، ولن أطلب ما لا أستحق بحجة أنني مظلوم أو ضعيف أو أقلية”.

اقرأ أيضاً:

تضحيات نسائية خالدة

هل تعلمين ماذا يعني تحقيق الذات؟

أنا ومن بعدي الطوفان

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

أ. د. خالد عماره

الاستاذ الدكتور خالد عماره طبيب جراحة العظام واستاذ جراحة العظام بكلية الطب جامعة عين شمس