أعلام “الرينبو” بين فلسفة اللذة والمثلية الجنسية
يثور الكثير من الجدل حول المثلية الجنسية عالميا ومحليا، وقد تجدد هذا الجدل منذ فترة في الشارع المصري بسبب رفع علم “قوس قزح” أو “الرينبو” في إحدى حفلات الغناء، وانطلاقًا من ذلك تناول الكثيرون قضية المثلية الجنسية بالطرح والتحليل، هل هي علاقة طبيعية أم لا؟ وهل يجب السماح بها أم منعها؟
وتنحصر حجج أغلب المؤيدين في نقطتين رئيسيتين؛ وهما أن المثلية الجنسية ميل لا إرادي في الإنسان يرجع لجينات أو عوامل بيولوجية، ويعتمد هذا الرأي على نتائج بعض الأبحاث العلمية. والحجة الثانية خاصة بالدعوة للحرية الفردية التي تكفل لكل فرد فعل ما يريد أيًا كان. بينما الرافضون فأشهر حججهم هي الرفض الديني، والرفض الفطري.
وسنحاول هنا أن نلقي نظرة عقلية على الموضوع، قبل أن تكون تجريبية أو دينية، فما رأي العقل في المسألة؟
هل اللذة مطلوبة لذاتها؟
هل يجب أن يكون بحث الإنسان كله عن اللذة العاجلة لا غير؟ وأن تكون اللذة العاجلة هي الهدف من حياته؟
إن هذا في الحقيقة سيؤدي لهلاك البشرية، فلأجل لذة النوم لن نذهب للعمل، ولأجل لذة الراحة لن نطلب العلم، ولأجل لذة الأكل سنأكل أي طعام لذيذ حتى وإن كان به سم قاتل أو يسبب مرضا خطيرا، وسنأكل طعام الآخرين دون إذنهم حتى وإن كانوا بذلوا جهدا ضخما في جمعه وسيهلكون جوعا بدونه، فالمطلوب هو اللذة لا شيء آخر.
وبالطبع بهذه الطريقة سيهلك الفرد، ولن يتطور أو يرتقي، وسيتفكك المجتمع وتنتشر الفوضى وتفنى البشرية، فاللذة إذن ليست مطلوبة لذاتها دون النظر لأي شيء آخر.
إذن ربما يجب ألا نطلب اللذة إلا إن كان سيأتينا من ورائها منفعة مادية، أما إن كانت ستسبب ضررا فيجب ألا نطلبها، أم أن الأمر ليس كذلك؟
هل المنفعة المادية مطلوبة لذاتها؟
اللذة إذن ليست مطلوبة لذاتها، فهل المنفعة المادية مطلوبة لذاتها؟
إن كان المطلوب هو المنفعة المادية العاجلة لا غير فإننا قد نحقق ربحا عاجلا لكنه يؤدي لخسائر ضخمة في المستقبل، مثل من يترك التعليم ليعمل في مهنة صغيرة تدر عليه ربحا عاجلا صغيرا، فيخسر العلم نفسه وتطوير ذاته، ويخسر فرصا أكبر مستقبليا. وقد نقتل الآخرين للحصول على أموالهم فهذه منفعة مادية لنا!
مرة أخرى ستنشأ الفوضى وتهلك الإنسانية. فما الحل؟
المطلوب هو الخير الحقيقي والسعادة التامة
للإنسان جانبان، جانب مادي جسدي، وجانب معنوي عقلي. كل جانب له خير خاص به، فللجانب المادي الطعام والشراب والنكاح والمال والمناصب ومثل ذلك، وللجانب المعنوي المعارف الصحيحة والمفيدة والأعمال الصالحة وامتلاك غاية وقيمة ومعنى للحياة وهكذا. والخير المادي أو الجسدي هو الذي يسمى بـ “المنفعة المادية”. وعندما ينال الإنسان أيًا من هذه الخيرات سواء الجسدية أو المعنوية تنتابه بهجة عذبة هي “اللذة”.
وقد ينخرط الإنسان في طلب منفعة ما فيهمل باقي المنافع، وأيضا قد ينال منفعة عاجلة تؤدي لشر في الآجل، وقد ينال منفعة مادية على حساب خيرات معنوية كثيرة مثل ما يحدث في حالة قتله لإنسان آخر ظلمًا، في هذه الحالة تصبح هذه المنفعة ليست خيرا حقيقيا للإنسان، بل شرًا.
فالخير الحقيقي يكون بمراعاة جوانب الإنسان المختلفة الجسدية والمعنوية، وأبعاده المتنوعة الفردية والاجتماعية، وبالنظر للعاجل والآجل معا، وهذا ببساطة يكون بالتوازن أو الاعتدال أو “العدل”، فهذا وحده هو ما يستحق لقب “الخير الحقيقي” للإنسان. وعندما ينال الإنسان هذا الخير الحقيقي يصل لـ “السعادة الحقيقية”، وهي البهجة القصوى واللذة التامة والاستقرار والاطمئنان النفسي وراحة الضمير والرضا.
ما مكان المثلية الجنسية في الصورة السابقة؟
قلنا إن اللذات إنما تكون لأجل المنافع والخيرات، وليست مطلوبة لنفسها، والمنافع ليست مطلوبة لنفسها أيضًا بل لأجل الخير الحقيقي.
واللذة الجنسية لها أغراض منها بقاء الجنس البشري بأكمله، والحفاظ على ارتباط الزوجين الضروري من أجل نمو الأبناء معنويا وجسديا على أفضل صورة. وهذه المنافع بدورها ليست مطلوبة لنفسها، بل لأجل تحقيق الخير الحقيقي كما سبق.
هذا عن العلاقة الجنسية الطبيعية. أما المثلية الجنسية فهي من الحالات التي تُطلب فيها اللذة لنفسها، لا لمنفعة مادية، ولا لخير حقيقي، فلا يوجد نفع طبيعي وحقيقي للمثلية الجنسية، وبالتالي لا يوجد خير من ورائها أيضا.
المثلية تؤدي لضرر:
بل أكثر من ذلك، فهي تؤدي لضرر، فكما أسلفنا فطلب اللذّة لنفسها ينقلب ضررًا وشرًا على الإنسان. فطلب اللذات الجنسية في أمور غير العلاقة الطبيعية يهدد بشكل مباشر وجود النوع البشري بأكمله، وهذا ما نلاحظه من انخفاض معدلات المواليد في بعض الشعوب وتناقصها العددي الذي يهدد بانقراضها في المستقبل، وذلك بسبب طلب اللذة الجنسية لنفسها بعيدا عن أية اعتبارات أخرى وخارج الإطار الطبيعي، وهو إطار تكوين الأسرة وإنتاج أفراد جدد في الأساس.
أيضا من أضرار المثلية الجنسية أن بعض أنواعها تسبب بنفسها أمراضا متنوعة، ويحتاج الإنسان لترتيبات مختلفة لتجنب هذه الأمراض، وهذا يرجع لكونها علاقة غير طبيعية، بينما العلاقة الطبيعية لا تؤدي بنفسها لأي مرض، بل يدخلها المرض فقط إن طالها شذوذ ما.
كثير من الأمور القبيحة تشبه المثلية:
والأشياء التي تؤدي إلى لذة لا يترتب عليها منفعة أو خير بل يترتب عليها ضرر وشر هي من أكبر الفخوخ التي تواجه الإنسان، والقادرة على تدميره وتخريب حياته، فمنها مثلا المخدرات والخمور، والتي تؤدي للّذة قوية عاجلة لكنها تستتبع ضررا وشرا لا منفعة وخيرًا، وخطرها على الإنسان فردًا ومجتمعًا واضح.
لكن ماذا عن الميل الجيني للشذوذ؟
أما بالنسبة للحجج المؤيدة للمثلية الجنسية والتي تتحدث عن الميل الجيني أو البيولوجي فقد أثبتت بعض الأبحاث أن بعض البشر لديهم ميل مماثل -أي جيني وبيولوجي- لإدمان التدخين، والبعض للإجرام، بل والبعض للانتحار! فهل يعني هذا الميل قبول هذه السلوكيات ودعمها وتشجيعها؟ لا طبعا، بل يعني أن هؤلاء يحتاجون لبذل جهد أكبر للإقلاع عن التدخين الضار لهم كمثال!
ناهيك عن أن هذه الدراسات تتحدث عن وجود تشابه في جزء من جين ما عند بعض المثليين، وهذا في ذاته لا يثبت ما يرمي إليه أنصار المثلية، والذين يحمّلون نتائج الدراسات أكثر مما تحتمل لإيجاد مسوغ لوجهة نظرهم، وهو مسعى نجده عند الكثيرين؛ إذ يختارون اختيارا معينا ثم يذهبون إلى التجربة أو النص الديني أو أية أداة معرفية أخرى ويحاولون تحميلها ما يريدون، لا ما تحتمله في الحقيقة.
ناهيك أيضًا عن أن المنهج العلمي الحديث نتائجه ظنية، وهذا معروف للعلماء وفلاسفة العلم ومشهور بين العامة، فلماذا يتم التعامل مع نتائج بعض الدراسات بهذا التقديس؟ وتحميلها كل هذه الأهمية؟ مع كونها حتى ليست بالقوة الكافية؟ ولماذا يتم استبعاد الجوانب والآثار والأبعاد الاجتماعية والنفسية والمعنوية عند تناول موضوعات بهذه الأهمية؟ ولماذا يتم استبعاد الرؤية العقلية السابقة والشاملة عند النظر للسلوك الإنساني؟
هل الشذوذ حرية فردية؟
وبالنسبة للحجة الثانية الخاصة بالحرية الفردية فإطلاق هذه الحرية تماما أمر مستحيل، بل إن الحكومات والأنظمة التي تدّعي الحرية تضع لها حدودا، فعلى الأقل تتوقف هذه الحرية عندما تتخطى حدود الفرد، والمثلية تتخطى حدود الفرد، لأن ضررها الأساسي يقع على المجتمع والبشرية بأكملها كما سبق، كما أن الفرد يحتاج لغيره كي يكون مثليا! فهي مسألة اجتماعية بامتياز.
بل إن هذه الأنظمة والحكومات تقوم أيضًا بتقنين وتعطيل الحريات الفردية البحتة في مواضع معينة، وهي بعض مواضع الضرر الفردي. فهي لا تعطي لأحد مثلا حق الانتحار! بل ترفضه وتقاومه، وتعمل على منع من يرغب في ذلك، بل تعتبره مريضًا يحتاج للمساعدة كي يتخلص من هذا الميل وهذه الرغبة. وبالمثل تنتشر حملات التوعية ضد التدخين، وتجريم المخدرات، ومساعدة المدمنين وعلاجهم، ومثل ذلك كثير.
تناقض الحجتين:
أخيرًا من المثير للانتباه أن الحجتين اللتين تعتمد عليهما المثلية الجنسية بينهما تناقض ما! فالأولى تقول إن الأمر غير اختياري، والثانية تدعو لإطلاق حرية الاختيار؛ أي أن الأمر اختياري!
النظرة للسلوك يجب ان تتبع الرؤية للكون وللمعرفة:
اقرأ أيضاً:
الحرية الشخصية بين التحرر والاستعباد.. ماذا يعني أن أكون حراً ؟