علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

أخلاقيات الحوار

الحوار هو مناظرة ومناقشة بين شخصين أو أكثر حول مجموعة من وجهات النظر والرؤى والأفكار والمعتقدات والاعتقادات والتصورات في موضوع ما، بهدف تبادل وجهات نظر كل منهم، والتي تكون مدعمة بالحجج والأدلة، رغبة لفهم الآخر.

وللحوار أشكال وأنواع كثيرة سنوضح أبرزها مع توضيح أهم الأخلاقيات التي يجب أن تتوفر في ممارسة الحوار.

أشكال الحوار:

أشكال الحوارهناك الكثير من أشكال الحوار، ومن أهم تلك الأشكال: الحوار الوجودي، والحوار المباشر، والحوار غير المباشر.

الحوار الوجودي

فبالنسبة للحوار الوجودي، فهو الذي يحدث بين الإنسان وذاته، وغالبا ما يكون حوارا صامتا، يناقش فيه الإنسان مشكلات وموضوعات مع ذاته، وهو ما يمكن أن يقصد به التعقل والتفكير في موضوع ما،

وقد يكون مسموعا في حالات استثنائية قد تحدث عند تعرض الإنسان لأزمات ومشكلات مصيرية، فدون وعي يفقد الإنسان القدرة على السيطرة على ذاته وتفكيره ليتحول هذا الحوار الوجودي من حالة التعقل والتفكير الصامت إلى تفكير مسموع.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الحوار المباشر

وهناك أيضا “الحوار المباشر”، والذي يحدث بين شخصين أو أكثر، ويطلق عليه المناظرة، وفيه يكون جميع أطراف الحوار موجودون في مكان معين، وزمان محدد، ويناقشون قضية معينة فيما بينهم، وهذا الحوار قد يكون حوارا رسميا ترعاه إحدى المؤسسات، أو أن يكون حوارا وديا غير رسمي مثل تلك الحوارات التي تحدث بين الأصدقاء أو الزملاء في العمل أو بين مستقلي إحدى وسائل النقل، إلخ.

الحوار غير المباشر

وهناك كذلك “الحوار غير المباشر”، وهو ما يمكن أن يطلق عليه الحوار الفكري والأكاديمي، ويتم هذا الحوار من خلال التأليف -كتب أو أبحاث أو مقالات- في قضية معينة من قبل أحد المفكرين أو الباحثين، وينشر في دور النشر أو في المجلات العلمية أو في الصحف والمواقع والمنصات الثقافية الإلكترونية، ليقوم مفكر أو باحث آخر بالرد الأكاديمي والفكري على تلك القضية، وذلك من خلال إما كتب أو أبحاث أو مقالات.

اقرأ أيضاً:

ثقافة الحوار والحوار الثقافي

اختيار الكلام أهم من نحت السهام

كيف نصل إلى حوار أرقى؟

أخلاقيات الحوار البناء:

أشكال الحوار

والحوار في مفهومه العام يجب أن يقوم على مجموعة من الأخلاقيات حتى يكون حوارا بناء يحقق الهدف المرجو منه، وهو تبادل الحجج والآراء والاعتقادات للوصول إلى اتفاق حول بعض المفاهيم بحكم كون جميع أطراف الحوار ينتمون للإنسانية، رغم اختلافاتهم العقائدية واتجاهاتهم الفكرية وأيديولوجياتهم السياسية والثقافية.

وهناك عديد من الأخلاقيات التي يجب أن تتوفر  أثناء ممارسة الحوار، والتي من أهمها:

التسامح، واحترام الرأي والرأي الآخر، وانتقاء الألفاظ والعبارات المفهومة، وسيادة العقلانية، والتكافؤ الديني والفكري والثقافي، وتجنب السخرية والاستهزاء، والموضوعية في عرض الحجج، والرعاية المؤسسية. وسنوضح كلًا منهم بإيجاز.

التسامح وإحترام الرأي والرأي الآخر

يعد التسامح من أهم الأخلاقيات التي يجب أن يتحلى بها أطراف الحوار، ويجب أن يسود أثناء ممارسة الحوار منذ بدايته حتى نهايته، فكل طرف من أطراف الحوار يؤمن بدين معين كما يؤمن بمجموعة من التفسيرات للنصوص الدينية للدين الذي يؤمن به،

هذا فضلا عن اعتقاداته الفكرية والثقافية، فمن خلال ذلك الحوار يجب احترام كل ما يؤمن به كل طرف على الرغم من إيمان الطرف الآخر للحوار بدين مختلف وبأفكار مغايرة عما يؤمن به الطرف الأول.

انتقاء الألفاظ والعبارات المفهومة

يجب على أطراف الحوار أن يقوموا بانتقاء الألفاظ والعبارات والجمل المفهومة والواضحة، والتي لا تحتمل تأويلات تجعل كلًا منهم يفهم القضايا التي تناقش بمعاني مختلفة بل وأحيانا متناقضة، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى عدم قدرة جميع أطراف الحوار أن يفهم كل منهم الآخر بالشكل الأمثل.

سيادة العقلانية

عند إقامة الحوار يجب أن يتحلى جميع أطراف الحوار بالعقلانية، أي أن الحجج الواردة من كل طرف من أطراف الحوار يجب أن تؤسس على حجج عقلانية منطقية، لكي يكون لديها القدرة على القبول عند الآخر، بالإضافة إلى ضرورة البعد عن العبارات الإنشائية والبلاغية التي تهتم بالتأثير على مشاعر الآخر دون الاهتمام بالتفكير المنطقي العقلاني.

التكافؤ الديني والفكري والثقافي

كما أن أطراف الحوار يجب أن يكونوا على درجة متساوية ومتكافئة في القوة العقلية، وامتلاك أسس العقيدة وتفسيراتها المختلفة، والاتجاهات الفكرية لها، والأحداث التاريخية التي تتعلق بها، هذا فضلا عن معرفة عقائد الآخر وتفسيراتها المختلفة، والاتجاهات الفكرية التي طرحت لها،

بالإضافة إلى توفر قدر كافٍ من التراكم الثقافي للحضارات الإنسانية المختلفة، وكذلك إتقان مختلف اللغات، وخاصة تلك التي تختص بأطراف الحوار، وهو ما يجعل المحاور يمتلك الأدوات الإبستمولوجية (المعرفية) للخوض في حوار مثمر.

تجنب  السخرية والاستهزاء

تعد السخرية والاستهزاء سواء بالعقائد التي يؤمن بها أحد أطراف الحوار أو بتفسيراتها المختلفة من أكثر العوامل التي تعيق الحوار واستمراريته، كما تؤدي إلى إثارة أطراف الحوار نفسيا،

وهو كثيرا ما يؤدي إلى إنهاء الحوار، بل وقد يتطرق الأمر إلى مشادات لفظية تقلب الهدف من الحوار رأسا على عقب، فبدلا من أن يكون حوار بناء إيجابيا، يتحول إلى حوار سلبي هدام.

الموضوعية في عرض الحجج

تعد الموضوعية من أهم السمات التي يجب أن تتوفر في المحاور وموضوع المحاورة على حد سواء، فبالنسبة للموضوعية عند المحاور يجب أن تتوفر في عرضه للحجج والأدلة كما جاءت دون حذف أو إضافة منه، كما أن القضايا ذاتها يجب أن تكون قضايا معروفة للجميع.

الرعاية المؤسسية

كما أن الرعاية المؤسسية للحوار من أهم الأمور الواجب توافرها لتحقيق الأخلاقيات سابقة الذكر على الوجة الأمثل هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى من أجل تحقيق الانضباط والتوازن، وذلك تجنبا لحدوث أية أمور تخرج الحوار من السياق الذي يسير فيه إلى سياقات أخرى أبعد ما تكون عن هدف الحوار وأخلاقياته.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. غلاب عليو حمادة الأبنودي

مدرس اللاهوت والفلسفة في العصور الوسطى ، قسم الفلسفة كلية الآداب جامعة سوهاج