علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

أسباب الخوف من التدخل

بنت ماشية في الشارع في أمان الله، وماشي وراها اتنين أو تلاتة بيرموا عليها كلام مش لطيف وحركات وإشارات وخلافه وهيا متجنباهم، وفي لحظة بيقرر واحد فيهم إنه يمد إيده ويتحرش، والبنت تلتفت وتقوم خناقة، الناس بتتجمع، بس البنت بتلاحظ إن كله بيتفرج مفيش حد بيتدخل، كله بيتفرج في صمت .

“هو مفيش رجالة هنا؟”

خناقة بين اتنين وصوت عالي يخلي الناس كلها تتجمع زي ما حصل في حادثة الإسماعيلية كدة، الخناقة قلبت لجريمة، الناس اتجمعت لكن محدش بيقرر إنه يتدخل، كل الناس بتبص لبعضها وبعدين بيبدأوا يقلوا تدريجيا ويمشوا، ومحدش بيتدخل.

تسمع عن متلازمة تأثير المتفرج؟

بص يا برو تعالى معايا نرجع شوية بالزمن، تحديدا سنة ١٩٦٤م، في الوقت ده كان فيه بنت في نيويورك اسمها كيتي جينوفيزي، عشرينية جميلة، كانت بتشتغل لمتأخر كل يوم وبتروح البيت وش الفجر، أكل العيش بقى وإنتوا عارفين.

في يوم من أيام شهر مارس طبّقت في الشغل لحد الساعة ٣ الفجر، وقررت إنها ترجع وهي طاقتها منتهية عشان تنام وتصحى على أمل الأيام تتغير أو حاجة جديدة تحصل، لكنها وهي راجعة مكانتش واخدة بالها إن فيه واحد قاطرها من وقت أما خرجت من شغلها.

لما قربت من البيت في منطقة كوين في نيويورك وهي منطقة سكنية زحمة ومبتنامش، أخدت بالها إن فيه واحد ماشي وراها فعلا، وشكله مريب حبتين، فالبنت خافت، وقربت على أقرب تليفون وفي نيتها إنها هتبلغ البوليس إنه فيه واحد فعلا ماشي وراها، إلا إن الراجل ده فاجأها قبل ما توصل للتليفون وحاول يكتفها، لكنها بدأت تصرخ، فراح مطلع سكينة وغاززها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

البنت أخدت الطعنة من هنا وحاولت تهرب، وبقت تصرخ عشان حد يسمعها، ومع الصريخ المتواصل بتاعها السكان في المنطقة بدأوا يطلعوا يشوفوا فيه إيه ويفتحوا الأنوار والشبابيك، بس الغريبة إن الناس كانت بتطلع تتفرج بس، محدش فكر إنه يتدخل أو يدافع عنها، كله كان بيتفرج عليها وهيا بتاخد طعنة ورا التانية،

مفيش غير واحد اللي طلعت منه كلمة بس اللي هوا “سيبها”، لكن الأغلبية اللي وصلوا لعدد أكتر من ٣٧ شاهد متدخلوش حتى إنهم يبلغوا البوليس، لحد ما كيتي فاضت روحها للخالق بس بعد ما كان المجرم خلص جريمته واعتدى عليها وسرقها ونزل فيها ضرب، كل ده والناس بتتفرج بس.

بعد ما البوليس جه وبدأ التحقيق، وقدروا مع الوقت إنهم يوصلوا للجاني اللي هوا “موسلي” اللي ليه سابقة جرايم، انتشرت القصة في أنحاء أمريكا كلها مش بسبب حادثة “طعن وفرار” زي العادي، لا، بسبب إن الناس متدخلتش ووقفت تتفرج بس، الموضوع كان غريب فعلا على الناس، اللي هوا ليه محدش كلف خاطره وتدخل؟

هل الناس كلها بقت تخاف؟ هل فيه حالة نفسية مسيطرة على الجميع ولا سحر ولا فيه إيه؟ هنا خرج المصطلح النفسي اللي باسم الضحية “متلازمة كيتي” أو “متلازمة المتفرج”.

مفيش راجل دافع عني .

بعد الحادثة دي مجموعة من علماء النفس المجتمعي على رأسهم دكتور مشهور اسمه “جون إم دارلي”، شغلتهم الحدوتة دي، وقرروا إنهم يدرسوها كويس عشان يعرفوا الأسباب اللي تخلي عدد كبير من الناس مش قادرة تتدخل عشان تساعد حد تحت تهديد، وعلى إثر القصة دي قرروا إنهم يعملوا تجربة نفسية هتساعد بعد كده إنك تفهم القصة من أولها.

الدكاترة جابوا مجموعة من الطلاب، وخلوا كل طالب يقعد لوحده في أوضة مقفولة وفهموا كل واحد منهم إن الأوضة التانية اللي جمبهم فيها طالب تاني ممكن يتكلم معاه من ورا حيطة، بس في الحقيقة الأوضة التانية مكنش فيها غير جهاز كمبيوتر عليه تسجيلات بصوت أنثوي تتناسب مع الحوار اللي هيدور، وسماعة،

وبتبدأ التجربة إن كل طالب بيتكلم مع الكمبيوتر ده على أساس أنه طالب زيه، بس التسجيلات دي مع الوقت بيتقلب الكلام العادي لأنها تتحول كأن صاحبها عنده زي صرع كده وجاتله نوبة، وبيبدأ يطلب المساعدة من الطالب اللي بتقوم عليه التجربة.

ساعدني أنا مريض ..

الأوضة اللي فيها الطالب دي بيكون فيها كاميرا تراقب رد فعل الطالب ده لما بيقع في الموقف ده تحديدا، وبعد ما التجربة بتخلص بيكرروها، بس المرادي بيخلوا اتنين طلاب مع بعض في أوضة، وبعدين خمس طلاب، وهكذا بيفضلوا يزودوا في عدد الطلبة اللي جوا الأوضة دي، وبيبدأوا يدرسوا ردود الأفعال على الموقف ده مرة في حالة طالب لوحده لحد ما بيبقوا مجموعة سامعين إن اللي في الأوضة التانية محتاج مساعدة.

النتيجة في النهاية كانت صادمة، المرة الأولى لما كان الطالب لوحده، نسبة استجابته للمشكلة والتدخل لحلها كانت ٨٥٪، ولما بقوا اتنين النسبة قلت ل٦١٪، ولما بقوا خمسة قلت ل٣١٪، وكل ما العدد بيزيد استجابة المجموعة للمشكلة بتقل، وهيا دي نظرية تأثير المتفرج، يعني الخلاصة إن كل ما زاد عدد الناس اللي بيواجهوا المشكلة كل ما قلت نسبة تدخلهم في المشكلة، بمعنى تاني إنك لو لوحدك على اختلاف شخصيتك بقى فاحتمالية إنك تتدخل هتكون بنسبة ٧٠٪ مثلا، لو مجموعة هتقل النسبة لحد ٤٠٪ وأقل.

وده ليه عوامل كتير يطول شرحها بس ملخصها إن كل ما المجموعة بتزيد، عوامل الانتباه بتقل، والمسؤولية اللي بتكون على واحد بتتقسم على كل اللي واقفين، فالكل بيستنى رد فعل يحصل من واحد فيهم تجاه المشكلة عشان يمشوا وراه أو يعملوا زيه، وطالما محدش اتحرك من نفسه، فمحدش هيتحرك من الأساس.

وعلى حس النظرية دي خرجت نظرية تانية اسمها “تشتت المسؤولية” ودي نابعة من نظرية تأثير المتفرج، بمعني أنه بتحصل زي حالة شلل كدة، الإنسان وسط مجموعة بيتحول لمراقب بيبص حواليه عالناس اللي واقفة جمبه، بيستنى مبادرة تحصل عشان يمشي عليها، لأن المسؤولية ساعتها مبتكونش عليه هو لوحده إنما على كل اللي واقفين، فده بيخلي نسبة تدخل الفرد اللي واقف يتفرج بتقل مع زيادة عدد الناس حواليه، حتى لو الموضوع كان بيشكل خطر عليه وعلى باقي المتفرجين.

فالإنسان لما بيشوف حادثة بتحصل قدامه، بس فيه ناس كتير بتشوف معاه نفس الحادثة دي، كل واحد بيتردد إنه يتدخل بشكل أو بآخر، ولو طالت مدة التردد دي أكتر من شوية دقايق بسيطة، الإنسان اللي كان ناوي يتدخل ومتردد ده، مش هيتدخل، وهيسيب الموضوع يعدي عادي طالما محدش اتدخل معاه أو سبقه بالتدخل، بكل بساطة.

خلاصة التجربة:

– لو أنت حضرت وشفت حادثة أو جريمة أو تحرش، وبصيت حواليك مستني إن حد يعمل حاجة لأنك سلبي، ومحدش عمل، محدش هيعمل، لأن الكل مستنيك تعمل، فمحدش هيعمل، والجمع هيتفرق على الضحية لوحدها.

– لو شفت نفس الحادثة بس بادرت أنت، ودخلت عملت لأنك إيجابي، ولو بالقول من نفسك كدة، غيرك هيتحمس، هيتأثر، وهيعمل، وباقي اللي حواليك هيمشوا وراك، وهيعملوا، ومش هتكون لوحدك اللي بيعمل، وساعتها اللي عمل حاجة هيخاف، وهيتحاسب لما رجال القانون يستلموا الحادث.

– من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.

شكرا

اقرأ أيضاً:

مارينا والشر الإنساني

طبيعة المجتمع الإنساني

ظاهرة اللا مبالاة 

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

محمد أمير

كاتب ومؤرخ وصانع محتوى