الثبات في زمن السقوط
اعلم يا صاحبي أن الناس لن يتركوك تعيش كما أنت، وكما تشاء روحك، وكما تسمو نفسك، وكما تروم ذاتك، بطهارة ملاك، وبراءة طفل، وعذرية فتاة.
لن يسمحوا لك أن تغزل من الحب رداءات السلام، أو تنظم من العشق سرابيل الوصال والوئام، لن يعجبهم صوت أناشيدك، ولا مزامير تراتيلك، ولا نايات ترانيمك، ولا زقزقة عصافيرك.
ستستفزهم دائمًا مهابتك القائمة بين الناس، ومكانتك الساحرة بين الخلق، وسيحز في نفوسهم دائمًا وأبدًا صدق حديثك، وروعة بنانك، وفصاحة بيانك، وبلاغة لسانك، وحلاوة منطقك!
بل ولن يرقأ لهم جفن، أو يهنأ لهم عيش، أو يسكن لهم فؤاد، أو يصفو لهم وداد، وهم يرون التفاف الناس حولك، وهتافهم باسمك، وتعظيمهم لشأنك، وترديدهم لمكانتك، ومعرفتهم قيمتك، وإدراكهم قامتك.
كيف الثبات في زمن الفتن؟
واعلم أنهم لن يعجبهم جمال سيرتك، ولا نقاء سريرتك، ولن تستريح أرواحهم، أو تهدأ ذواتهم، وأنت مرفوع الهامة، منتصب القامة، عزيزًا أبيًا، وراضيًا مرضيًا، وحرًا فتيًا.
ستؤرقهم دائمًا بحضورك الطاغي، ووجودك المتماهي، وستشغلهم حتى وأنت في غيابك، بكلام الناس عنك، ومدحهم لك!
ستزعجهم ابتسامتك الآسرة، وضحكتك الساحرة، وسيلهب ظهورهم طمأنينة نفسك، ورهافة روحك، وقدسية طهرك، وجمال عطرك، وجميل أمرك، ونباهة شأنك، وعظيم شأوك، وأناقة ملبسك، وروعة مخبرك!
يا صاحبي بطهارة قلبك، ونقاء بصيرتك ستذكرهم دائمًا بحقارة أصلهم، ووضاعة نسبهم، وسفالة فعلهم، وشؤم سبيلهم، ومتاهة دربهم، وتكدر مياههم، وفساد أخلاقهم، وكثرة سقوطهم، ورداءة لباسهم، وشناعة وكسهم، ورذالة خيبتهم، وسوء طويتهم، ووحشة سيرتهم، ونتن سريرتهم!
أذى الناس بالكلام
اعلم أنهم سيحاولون –ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا– أن يؤذوك بكل ما أوتوا من قوة، وبشتى السبل، وفي كل الدروب.
نعم سيعملون دائمًا وأبدًا أن يخفوا بسمتك، وأن يشوهوا أمام الناس صورتك، ويلطخوا سمعتك، ويغضوا من أثرك، ويقللوا من ثمرك.
سيعقدون المجالس تلو المجالس، وفي كل واد يهيمون من أجل النيل منك، والانتقاص من قدرك، والتهوين من شأنك، والتهويل من خطئك.
سيلوكونك بكل سبيل بكلام قد حاكوه بليل، ونظموه تحت أجنحة الظلام، وأروقة الخصام، ومأوى البوم والجرذان، ومجتمع الشؤم والخذلان، وسيرمونك من ثم بألسنة حداد، ويتعقبونك بأفئدة شداد!
أتباع الباطل
سيفعلون ما في وسعهم يا صديقي، باللين تارة، وبالشدة تارات أن تسير في سابلتهم، وتمشي في طرقهم، وتمر في دروبهم، وإلا فسيتهمونك بما فيهم من الخصال، ويصمونك بما عندهم من الوبال.
سيحاولون معك إن بالحق أو بالباطل حتى تفعل فعلتهم، وتلبس بزتهم، وتكون واحدًا منهم، رافعًا رايتهم، متحدثًا لهجتهم، وإلا فسيكون مصيرك هجمة لا تبقي ولا تذر، وكأن لسان حالهم يقول: “أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون”.
كيف يمكن تجاهل كلام الناس؟
هكذا يا صديقي فإن كل ما يصبون إليه أن تكون مثلهم، مثلهم وفقط، فهذا هو عين مرادهم، ومنهى حلمهم، وغاية شأنهم، أن تكون صورة مشوهة من خلقتهم المهترئة، وأخلاقهم القذرة، وخلالهم العفنة.
أن تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، ناقص الخِلْقَة، خديج الخُلُق، متهاوي السيرة، مشوه السريرة، قد نقصت مروءتك، وانهارت عزيمتك، وضاعت مكانتك، وتلاشت قيمتك، وسقطت قامتك، وذهبت ريحتك، ترسا في عجلتهم، وواحدا من خدمتهم، وصعلوكا لديهم.
عندئذ، وعندئذ فقط يا صديقي، سيقيمون الأفراح، والليالي الملاح، بل تبتسم وجوههم، وتهزج قلوبهم، وتتهلل أفئدتهم، وتتمايل أجسامهم وهذا لعمرهم عين الفساد، ويوم التناد!
قاوم يا صديقي وواجه ما استطعت وبكل السبل، ولا تضعف، ولا تيأس، ولا تبتئس، ولا تستسلم، وتحمل، وتماسك، وتجاسر، وثابر، وصابر، وواجه، وإن لم تستطع ذلك، فارحل، نعم ارحل، فذلك خير مقيلًا، وأندى سبيلًا.
اقرأ أيضاً: ما هو الشر؟ ولماذا خلقه الله وسمح به؟
اقرأ أيضاً: حب الناس شيء والثقة شيء آخر!
اقرأ أيضاً: ما أكثر الناس، وما أندر الإنسان!
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا