علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

أخلاق الفرسان

حياتنا لا تخلو من المبهجات والمُبشرات كما هي مملوءة بالمُنغصات والمُثبطات، نرى ونقابل أشخاصًا يفتحون الأذرع ويُقبلون على الحياة، وآخرين مُحبطين لا يرون الدنيا إلا سوداء كقطع الليل المُظلم.

والإنسان هو الذي تحكمه الأخلاق والمعاملات، فإما أن تظهر عليه سيماء البهاء والجلال وإعطاء كل ذي حق حقه وقول الحق ولو على نفسه، أو يميل مع الناس ويدور حيث داروا، بل يحيف على بعضهم ويأكل أموالهم بالباطل في أحايين كثيرة، دون وازع أو تأنيب من الضمير.

وأخلاق الفرسان لا تظهر إلا في المواقف العصيبة الشديدة كموقف المسلمين عند فتح مكة، التي أخرجهم أهلها دون مال أو جاه ودون بيت أو ممتلكات، فقد كانوا ينتظرون قطع رقابهم وتعليقها لتكون شاهدة على جحودهم وظلمهم لعباد الله،

وحتى تكون رادعًا ودرسًا واضحًا للقرى المجاورة، ولكن جاءت المفاجأة بخروج الصيحة مدوية “اذهبوا فأنتم الطُلقاء”، وهكذا الفارس النبيل عندما يمتلك قوة الردع فإنه في نفس ذات الوقت يعفو ويغفر ويُطبق أخلاق الفرسان.

أخلاقيات الاختلاف

والحضارات القديمة كالمصرية والصينية مملوءة بالدعوة للأخلاق والعدل والعفو عند المقدرة، وما التعاليم والتوصيات من الحكماء عنا ببعيد، كالفلاح الفصيح، وأمثال بتاح حتب، ففي الأمثال المصرية القديمة قولهم: “السلوك السليم تعرفه من الطريق السليم في التعامل”،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وتعاليم كونفوشيوس ومنشيوس، فيرشد كونفوشيوس: “أن المبارزة والمنافسة ليست نهاية العالَم، وإنما هي مباراة شريفة لإثبات قوة الجَلَد والاستمرار في التمرين وإظهار الأخلاق،

فالمنافس ليس عدوًا وإنما أخوك وصديقك فسلّم عليه وقل له قولًا طيبًا، واجلسا سويًا إلى مائدة الطعام، وعقب ذلك اشربا معًا مشروب الصداقة والمحبة والود والإخاء، فعندئذ نحافظ على المنافس كصديق قبل المباراة وبعدها”.

وأخلاق الفرسان لا تكون بإغارة قبيلة على جارتها أو دولة على أخرى بغير وجه حق، فلهذا قال عنترة قديمًا للمحافظة على جيرانه:

وأغضُ طرفي ما بدت لي جارتي           حتى يواري جارتي مأواها

أدب الاختلاف

أدب الاختلاف

إنها أسمى درجات الشرف والأخلاق، فما بالنا باستغلال الأرض، واحتلال العقول، وتخريب العمران، ونهب وسرقة الخيرات، واستعباد الرجال!

فلكل فرد وأسرة ودولة الحق في العيش وشم نسيم الحياة والاستمتاع بما بثّه الله في الكون الفسيح، كون الله خالقه ومدبره، ومن ثم حرّم القتل وابتلاع الحقوق والبلاد والتحكّم في مقاليد أمورهم.

وإذا فُرضت الحرب وكان لا بد مما ليس منه بُد، فهناك آداب وقواعد مهمة، منها مثلًا: عدم قتل كبار السن ولا المرأة أو الأطفال، أو التمثيل بالموتى، وعدم حرق المحصول، وإتلاف الممتلكات.

إننا –في الأغلب– نفتقد ثقافة الاختلاف مع الآخر، ومن ثم نتعامل معه كعدو لدود بيننا وبينه كما نقول مصانع الحدّاد، نريد زرع القيم والأخلاق وحسن التعامل لدى الأجيال القادمة، حتى لا تضيع بين الإعلام تارة والأصحاب والشّلة وجناح الأحداث وأطفال الشوارع تارة أخرى.

أهمية الأخلاق

وينبغي تعليم الأولاد الأخلاق النبيلة والصفات الجميلة الحميدة، مثال الاستئذان قبل الدخول، وإلقاء التحية، وعدم استعمال ممتلكات الآخرين إلا بإذن منهم، فحقوق الآخرين ليست حقًا مُكتسبًا، كما أنّ ثقافة الاعتذار من أجمل الخصال.

وأخلاق الرجال لا تكون بتحكّم الزوج في بيته؛ الآمِر الناهي، يعد نفسه قائدًا في الميدان يقوم بإلقاء الأوامر اليومية على جنوده صباح مساء، ولا تكون كذلك باستغلال المرأة لزوجها كنقطة ضعف أو تقصير في جانب من جوانب الحياة، فممارسة الأخلاق تقتضي التغافل والتسامح والتعاون.

إننا نحتاج وبصورة عاجلة إلى تعليم الأخلاق وتثبيتها في النفوس وكيفية المعاملة: مع الوالدين داخل البيت، ومع كبار السن والناس جميعًا في خارجه، نحتاج تطبيقًا عمليًا لا كلامًا نظريا سفسطائيًا لا جدوى منه إلا تضييع الوقت وإبهار المُستمع، فكم من أناس تحسبهم عند حديثهم أبا بكر وعمر، وفي الحقيقة وعند المواقف الجادة الحياتية نجدهم أناسًا آخرين.

وأخلاق الفرسان تكون في العمل، بالفهم الصحيح لطبيعة العمل أولًا، ثم بالعدل والمرونة بين الزملاء، ومراعاة ظروفهم، وعدم استغلالهم والضغط عليهم وابتزازهم.

اقرأ أيضاً:

دعوة إلى التسامح

حظ أخلاقي!

قيمة كل امرئ ما يحسنه

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر