أسرة وطفل - مقالاتمقالات

ثقافة بناء الأسرة والبعد عن التعصب

تقدم الأسرة عديدًا من النماذج الشخصية لأفراد المجتمع، وتتأثر السمات الشخصية والنفسية للأفراد بالعادات والتقاليد الأسرية، وتعد الأسرة الركيزة الأساسية والأولية في تنشئة الأبناء على القيم والعادات السليمة، وبالعكس يؤثر اختلال ميزان الأسرة سلبًا على مبادئ الأبناء، وهذا ما نلاحظه في الآونة الأخيرة، فزيادة معدلات الطلاق وتفكك الأسرة، وعدم الاكتراث لتربية الأبناء تربية سليمة يأتي بعواقب سلبية على الأبناء ومن ثمَّ المجتمع.

إن تفكك الأسرة وعدم قيامها بالدور المنوط بها في المجتمع يفرز أجيالًا غير قادرة على تحمل المسؤولية، فاقدة للانتماء والهوية، مستهلكة للتكنولوجيا، ضعيفة الشخصية، منفصلة عن المجتمع، ومن ثم تكون تلك الأجيال فريسة سهلة لاستقطاب التنظيمات الإرهابية.

بهذا يمكن اعتبار الأسرة عاملًا مؤثرًا في صناعة الإرهاب، إذ يتم استغلال دورها في بعض الأحيان من التنظيمات الإرهابية لتجنيد الأفراد، وتعزيز التمسك بأفكار التطرف والعنف، ومع ذلك ينبغي أن نلاحظ أن الأسرة ليست السبب الرئيس لصناعة الإرهاب، لكنها تلعب دورًا في تعزيز هذه الظاهرة عند بعض الأفراد.

أخطاء تربوية شائعة

لكن ما الأخطاء التربوية التي قد تقع فيها الأسرة، وقد تكون السبب في أن يقع أحد أفرادها فريسة لاستقطاب التنظيمات الإرهابية؟ يمكن أن نجمل الإجابة عن هذا السؤال في العوامل التالية:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

التعصب والتشدد الديني داخل الأسرة:

إذا كانت الأسرة تمارس التعصب والتشدد الديني بإفراط، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تأييد أفراد الأسرة للتطرف والعنف والإرهاب، وهذا أمر طبيعي عندما تقدم الأسرة للمجتمع أفرادًا يتسمون بالتعصب وتبني الأفكار المتشددة، فإنها بذلك لا تتفق مع آراء وأفكار المجتمع، بل قد تكون سببًا في هدم المجتمع، إذ تزيد احتمالات لجوء الأبناء إلى الإرهاب كونه وسيلة لفرض أفكارهم بالقوة والعنف.

العنف الأسري:

إذ تؤدي ظاهرة العنف الأسري، لا سيما إذا كانت متكررة بين الأبوين، أو كان موجهة إلى الأبناء، إلى تأثير سلبي على الأطفال، ويجعلهم أكثر عرضة للتعاطف مع العنف والإرهاب باعتباره نمط الحياة الذي اعتادوا عليه.

الإهمال وعدم التواصل من الأسرة:

إذا كانت الأسرة لا توفر الرعاية الكافية للأبناء، ولا تهتم بتلبية الاحتياجات النفسية والاجتماعية لأفرادها، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالوحدة والعزلة، ويجعلهم أكثر عرضة للتأثر برسائل التطرف والعنف، إذ الإنسان اجتماعي بطبعه. عندما يفقد الشخص الشعور بالانتماء والحب من الأسرة التي ينتمي إليها، نجده يبحث عن هذا الانتماء خارج الأسرة، وربما يظن أن الاهتمام والانتماء قد يجده في أحضان التنظيمات الإرهابية، التي تعمل بواسطة الآلة الإعلامية لها على تحسين صورتها البشعة، مستخدمه أسلوب الحرب النفسية في التجنيد وتحسين صورتها القبيحة.

تحريض الأطفال على الكراهية:

إذا كانت الأسرة تحرض الأبناء على الكراهية والعداء تجاه بعض الجماعات أو الأفراد، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تأييد الأبناء للعنف والتطرف كونه وسيلة للتعامل مع تلك الجماعات أو الأفراد.

التعرض المفرط للأفكار المتطرفة:

إذا كانت الأسرة تعرِّض الأطفال للأفكار المتطرفة بإفراط، وذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو إطلاعهم على المواد المرئية أو المسموعة، التي تحمل في طياتها رسائل مسمومة تحرِّض على العنف والكراهية، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تبنيهم لتلك الأفكار وتأييدهم للعنف والتطرف.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

من هنا يتضح أن الأسرة، عن طريق أساليب التنشئة الاجتماعية التي تتبعها، يمكن أن تؤثر على رؤية الأفراد للعالم والقضايا السياسية والدينية والاجتماعية، بالإضافة إلى ذلك، يمكن للأسرة أن تؤثر على نمط حياة الأفراد ومستوى التعليم والثقافة، إذ إن الأفراد الذين ينشؤون في بيئة عنيفة ومضطربة قد يكونون أكثر عرضة للاستجابة لرسائل التطرف والعنف والإرهاب.

إرشادات تربوية

depositphotos 229663942 stock illustration family problems father and mother - ثقافة بناء الأسرة والبعد عن التعصب

ختامًا، ونظرًا لأهمية هذه الظاهرة وتأثيرها المباشر على الأمن والاستقرار الاجتماعي، وارتباطها بخلق أجيال من المتطرفين، كان من المهم أن نعرض بعض التوصيات التي على الأسر اتباعها للحيلولة دون صناعة إرهابي ضمن أفرداها، وذلك على النحو التالي:

  • تدريب الأسر على اتباع أساليب التربية الإيجابية، والبعد عن التعنيف والعقاب الموجه إلى الأبناء.
  • ضرورة الإشراف والمتابعة الأسرية لأي محتوى يقدم للأبناء سواء كان مقروءًا أو مسموعًا أو مرئيًّا، وحجب أي محتوى يحث على العنف أو يعززه.
  • أن تتحلى الأسرة بثقافة تعديل السلوكيات السلبية والحد من السلوك العنيف لدى الأبناء، وأن يكون ذلك في مرحلة مبكرة.
  • أهمية اتباع منهج تربوي يقوم على تنمية حس الإبداع، وتعزيز ثقافة التسامح، وتنمية الفضائل الأخلاقية وتعزيزها.
  • غرس ثقافة الانتماء والاعتزاز بالهوية والثقة بالنفس، بما يحول دون التأثر بخطابات الاستقطاب التي تروج لها التنظيمات المتطرفة.
  • الاهتمام بالنشء داخل محيط الأسرة وفي المؤسسات التعليمية، والتزام الآباء والمربين بتنشئة الأطفال تنشئة سليمة وفق القيم الأخلاقية التي ترسخ السلم المجتمعي.

مقالات ذات صلة:

التربية في مواجهة الإلحاد

اضغط على الاعلان لو أعجبك

التربية مهمة تحتاج إلى انتظار

شبابنا والمحنة والبشر

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. حسني متولي محمد

مشرف اللغة الفارسية – مرصد الأزهر الشريف

باحث متخصص في اللغة الفارسية وفي الشأن الإيراني الأفغاني

مقالات ذات صلة