رواية ومسرحية للعارف بالوسط الأدبي
يدخل إليك الأديب الأستاذ أحمد سراج من باب العارف بالوسط الثقافي، وهو فعلًا كذلك، إذ تجد عنده دومًا الجديد، الذي يصل إليَّ في أغلب الأحيان من خلال متابعة كتاباته الصحفية، الموزعة بين أخبار تلاحق الجاري والطارئ والحادث، وتحقيقات حول ظواهر أدبية وثقافية، ثم حوارات مطولة، وكتابات نقدية عن أعمال الآخرين من مختلف الأجيال.
جمع بعضها في كتاب سيصدر من أجزاء متلاحقة بعنوان “أدب المصريين”، ينضم إلى إبداعاته الأخرى، مثل مسرحيات “زمن الحصار” و”القرار” و”فصول السنة المصرية”، علاوة على ديواني شعر، الأول عنوانه “الحكم للميدان”، والثاني هو “غرب الحب الميت”.
أرسل لي سراج الطبعة الثانية من روايته “تلك القرى”، ثم أتبعها بمسرحية “القلعة والعصفور” التي قرأتها أولًا، ثم ذهبت إلى الرواية، فتكونت لدي فكرة شبه كاملة عن طريق الرجل في الكتابة، الصحفية والإبداعية.
رواية تلك القرى لأحمد سراج
الرواية رواية مكان، والمسرحية مسرحية معنى، في الأولى يتعانق الاجتماعي بالأسطوري، والكتابي بالشفاهي، وفي الثانية تلتحف السياسة بالرمز، ويعلو جرس اللغة، بينما تنكمش في تكثيف شديد، ويبدو الإهداء مفتاحًا جيدًا لقراءتها، إذ يقول: “إلى ثورة يناير المجيدة، التي لن تنكسر.. إلى روح شهدائها الأطهار.. إلى عبق كرامتها الذي غمر العالم.. إلى ميدان التحرير والعزة والكرامة.. إلى كل مصري وعربي وإنسان”.
في الرواية نحن بصدد أحداث تقع بين العراق ومصر وقت هجرة العمالة المصرية الذي بدأ مع أوائل الثمانينيات من القرن العشرين، مع اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية، واستمر في التسعينيات، ثم لم يلبث أن انكسر وانحسر إثر ضرب العراق بعد احتلاله الكويت حتى تم احتلاله عام 2003.
بناء هندسي يعيد تكوين العالم وأساطيره
نحن أيضًا بصدد رؤية للعالم تتعدى الحدث الجاري، وتتفاعل مع الأساطير، والحكي الشعبي الجاذب والعميق، وفق مستويات متعددة من الزمان والمكان والرمز والشعر بجماله ومفارقاته وصوره وإحكامه، وسط نزوع جارف نحو طرح أسئلة بصفة مستمرة، تنفتح أمامها أبواب عدة للتأويل، ومع فتح نافذة وسيعة لرفض الخنوع، وضرورة المقاومة، باعتبارها مشروع حياة.
كل هذا يتم في بيئة اجتماعية صالحة لنموذج يمكن تعميمه، وهي مسألة طالما أتى عليها الأدب المصري، حين كان يتخذ من القرية حالة مصغرة للدولة، يتحول فيها العمدة إلى الحاكم، وخفره إلى الشرطة، ونمط الإنتاج الذي يتحكم فيه إلى المال العام، والفلاحين إلى عموم الشعب.
مسرحية القلعة والعصفور
أما المسرحية فقد مثلت المسرح العربي عام 2014 م في مهرجان “صوت العالم” الذي أقيم بمدينة شيكاجو الأمريكية، بعد أن ترجمها إلى اللغة الإنجليزية د. فؤاد تيمور الأستاذ الجامعي والمسرحي.
أبطال المسرحية رجل وفتاة وشيخ تجار وملك شاب وطفل وقائد جند وكبير وزراء وحاجب وحكيم وعراف، وشخصيات ثانوية أخرى من الزراع والصناع والجنود. ولعل استعراض هذه الشخصيات يمنحنا مفتاحًا ميسرًا لمعرفة هذه المسرحية، شكلها ومضمونها ومراميها وتفاعلها مع نصوص أخرى سلكت السبيل ذاته، لكبار المسرحيين العرب.
كُتبت المسرحية قبل ثورة يناير بشهور قليلة، وهي تحمل نبوءة حين تجعل الناس ينتفضون في وجه الملك المستبد الفاسد، تبدو أمرًا قصديًا، بدليل أن الكاتب أورد ما سماها “إضاءة” في بداية نصه قال فيها: “جميع الأسماء والأماكن الواردة ليست من وحي خيال المؤلف، وكذا الأحداث والتفاصيل، اللهم إلا النهاية، وأتمنى أن تتحقق”.
عبر فصل واحد يعمل الكاتب على أن تأتي النهاية على النحو الذي يروق له، عبر كشف الأكاذيب التي يستتر بها أهل الحكم، وفتح الباب للجميع، سواء عموم الشعب أو الفاهمين الراشدين من أهل الحكم، كي يتشاركوا في صناعة المستقبل، فإن حدث هذا ينطلق العصفور حرًا، وتصبح القلعة أكثر قوة لا على الناس إنما لهم وبهم.
مقالات ذات صلة:
كيف نصنع بالتفكير واقعاً مغايراً داخل المجتمع
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا