أحلى صوت
أحلى صوت
لا أستطيع أن أمحو من ذاكرتى مشهد الأب الذى يقفز من السعادة ودموع الفرحة فى عينيه بعد أن وافقت لجنة التحكيم على قبول ابنته مباركين بذلك تأهلها للمنافسة؛ فقد تكون تلك اللحظة هى بداية مشوارها الغنائى وأول خطوة فى تحقيق الشهرة والثروة.
دعونا نتوقف هنا لبرهة ونحلل تفكير هذا الأب فى تلك اللحظة؛ إن تخيله لمستقبل ابنته وهو تحقيق الثروة والشهرة كما فعل المشاهير ونجوم المجتمع جعله يرى أن هذا هو النجاح الذى تقترب ابنته منه أكثر فأكثر لكن ما سبب تفكيره هذا؟
إن الخطأ فى المفاهيم أو إن شئت قل “قلب الموازين” قد يكون أكبر مشكلات عصرنا الحالى فالكثيرون يهملون التفكير فى المفاهيم ويؤثرون الحصول على مفاهيم فى هيئة قوالب جاهزة فنجد مثلا أن مفهوم النجاح المنتشر فى المجتمع مقصور على جانب مادى فقط فصارت الشهرة والثروة هما معايير النجاح لتصير الوسيلة غاية وتغيب الوسيلة فصار الناس يطبقون تلك المعايير على كل توجهاتها فى الحياة
صارت المادة هى الهدف وتحقيق الشهوات هى الغاية، لقد نسى الناس الهدف الأساسى من وجود المادة واختلافهم كبشر عن باقى المخلوقات التى تسعى خلف شهواتها فقط!
نجد هنا كيف سخرت كل الوسائل لتحقيق تلك الأهداف المادية، حتى فى التعليم الذى بذل لأجله الحكماء على مر الزمان ما يملكون لتحصيله لينير عقولهم ويهدوا به الناس صرنا أيضا نبذل المال لأجل العلم لكن ليس للمعرفة فى ذاتها بل ليكون طريقاً نلتمس به مالاً أو جاهاً.
فأصبح هناك مثلا ما يسمى بكليات القمة؛ وذلك لأن خريجيها لديهم باب سهل لجنى المال وتقديم فوائد مادية تعود على من يعرفهم، والعديد من الأمثلة الأخرى التى ظهرت فى مجتمعنا بناءً على تلك النظرة المادية، مع الوقت أصبح شبابنا لا يسعون إلا خلف هذا النجاح المادى ويمجدون من حققوا ما يتوافق مع هذا المفهوم القاصر فصار من يترك التعليم ليحقق الثروة وينجح فى ذلك فهو ناجح! فبالنهاية إن كان التعليم وسيلة لتحقيق الثروة أو الشهرة، فما الضير من التخلى عنه عند تحقيقهما دون الحاجة إليه، أوضح بيل جيتس السعى وراء النجاح المادى ممثلاً فى الثروة فى مقولته “ليس خطؤك أن تولد فقيرا، ولكن خطأك أن تموت فقيرا”!
فلا نتفاجأ إذاً من نوعية الأيقونات التى يقتدى بها الشباب اليوم كالممثلين والمغنيين إلخ. فهذه الفئة هى التى استطاعت تحقيق النجاح المادى فى سنوات قليلة وتمكنت بذلك من توفير جميع الملذات التى ترغبها شهوة الإنسان.
وكلما سعينا لإرضاء تلك الشهوات لن ننجح لأننا لن نكتفى أبدا؛ فمن يسعَ وراء شهواته أملا فى أن ينجح فى الحصول على السعادة لن يصل إليها بل قد ينتحر مثل كروبن ويليامز وداليدا اللذين كانوا قد ساروا فى طريق النجاح الوهمى ظنا منهم أنه هو الموصل إلى السعادة! لكن هذا ليس النجاح الصحيح ولا تلك السعادة الحقيقة.
إن السعادة تأتى مع النجاح فى تحقيق الغاية التى نحيا لأجلها لذا يكون مقدار سعادتك مساويا لمقدار النجاح الذى حققته فما بالك إذا بمن اختلط عليه الأمر وانحدر لتصبح الوسيلة هى الغاية عنده.
فإن عدنا إلى بداية حديثنا سنجد أن ذلك الأب إن كان عنده مفهوم صحيح عن النجاح الذى يؤدى إلى السعادة الحقيقية سيكون تفكيره مختلفاً كثيرا عن ذى قبل، فلا يجب أن نستغرب عندما نجد تلك البرامج تحقق أرباحاً كبيرة فهذا توجه المجتمع الحالى الغارق فى المادية وتلبية الشهوات.
إن أردنا إصلاح هذا المجتمع فضرورى أن لا نفصل مفهوم النجاح عن حقيقة الإنسان كمخلوق خلقه الله لأجل هدف وهذا الهدف يمكن تحقيقه بشكل شريف وعادل من خلال العديد من الوسائل كالشهرة والثروة والمكانة الاجتماعية فهى ليست قبيحة فى ذاتها، إنما هى وسيلة لتحقيق غرض؛ فنجد بالنهاية أن النجاح هو توظيف الإمكانات كالعلم والمعرفة والمهارات كالثروة والنفوذ والمهارات المختلفة لتحقيق الغاية التى خلقنا الله لأجلها وساعتها فقط سنتمكن من الوصول للسعادة الحقيقية.
اقرأ أيضًا:
“في سبع سنين”، الإلحاد في ميزان العقل