أثر العقل الجمعي على السلوك الفردي
العقل الجمعي (أو ما يعرف بالأثر الاجتماعي المعلوماتي أيضا) يعد ظاهرة نفسية تفترض فيها الجماهير أن تصرفات الجماعة في حالة معينة تعكس سلوكا صحيحا، ويتجلى تأثير العقل الجمعي في الحالات التي تسبب غموضا اجتماعيا، وتفقد الجماهير قدرتها على تحديد السلوك المناسب، وبدافع افتراض أن الآخرين يعرفون أكثر منهم عن تلك الحالة.
سطوة أثر الجماعة على الفرد تظهر في قابلية الأفراد إلى الانصياع إلى قرارات معينة بغض النظر عن صوابها من خطئها في ظاهرة تسمى بسلوك القطيع، على الرغم من أن ظاهرة العقل الجمعي قد تعكس دافعا منطقيا بالنسبة للبعض، إلا أن التحليل يظهر أن سلوك القطيع قد يدفع الجماعة إلى الانحياز سريعا إلى أحد الآراء، ولذلك قد تنحصر آراء الجماعات الكبيرة في دائرة ضيقة من المعلومات.
وظاهرة العقل الجمعي هي أحد أشكال الانصياع والإذعان، فعندما يفقد الفرد قدرته على اتخاذ موقف من أمر معين يلجأ إلى الآخرين بحثا عن مؤشرات وعن القرار الصحيح والموقف المناسب، وعندما “ننصاع بسبب أننا نؤمن أن تفسير الآخرين لهذا الموقف الغامض هو أكثر صوابا مما قد نختاره بأنفسنا، وسوف يساعدنا في تحديد ردة الفعل المناسبة” فهذا بسبب التأثير الاجتماعي المعلوماتي، وهذا عكس التأثير الاجتماعي الطبيعي حيث ينقاد الفرد لكي يكون محبوبا ويتقبله الآخرون.
والرضوخ للعقل الجمعي لا يؤدي إلى البحث عن التقبل من العامة فحسب (موافقة تصرفات الآخرين بدون الاقتناع بصحتها ضرورةً) بل قد يصل إلى التقبل الشخصي (القناعة الشخصية بأن الآخرين على صواب)، ويمتلك العقل الجمعي قيمته عندما يكون ما يهم هو أن تكون على حق في أعين الغير، وتعتقد بأن الآخرين هم أجدر بمعرفة الحق.
العوامل المؤثرة في العقل الجمعي:
1- العادات والتقاليد:
وهي تدل على ما سار عليه الناس واعتادوه في معاملتهم من قول أو فعل، وهذا يعني أن العادات والتقاليد استقرت في النفوس من جهة العقول، وتلقاه الطباع بالقبول، وتكون مقبولة طالما لم تخالف نصا شرعيا.
وتؤثر العادات والتقاليد في العقل الجمعي، حيث تعد من أخطر العوامل المؤثرة سلبا على طريقة التفكير والتحليل وبناء المعارف التي ينشأ عليها الإنسان على تأثير العادات والأعراف في البيئة التي نشأ فيها،
فهو يعتقد صحة المسألة لكثرة تكرارها وتداولها في بيئته التي نشأ فيها، فهي معارف مبنية عن طريق التقليد والمحاكاة وليس عن طريق التفكير والتدبر، ومن أمثلة ذلك (قضية الثأر – منع البنات من الميراث في بعض القرى – التعصب في التشجيع للفرق الرياضية).
2- الهزيمة النفسية:
تعرضت المجتمعات العربية لبعض النكبات أثرت على أفرداه وجماعاته، فأفرزت هذه النكبات هزائم نفسية لدى البعض منهم جعلتهم ينغلقون على أنفسهم ويؤثرون السلامة عن التفكير والإبداع، لأن العقل الجمعي وقتها يقنعهم بأن السلامة في البعد عن المبادرة حتى لا يكون لها أثر على حياتهم.
3- بلادة الحواس:
وذلك لأن بوابات الفكر ومنافذ العقل هي الحواس من سمع وبصر وتذوق وحس وشم، فإذا عود الإنسان حواسه على دقة الملاحظة وسرعة الاستجابة نشطت للعمل وكانت نعم العون للتفكير، وإذا عودها على الخمول والكسل تعطلت عن أداء وظائفها.
والعقل الجمعي ينشط مع بلادة الحواس، لأن الناس يسيرون وراءه معطلة حواسهم مغلقة عقولهم، فيصدقون ما يقال لهم نتيجة الإيحاء الباطني الذي يؤثر على عقولهم.
4- وسائل الإعلام:
تلعب وسائل الإعلام دورا في تشكيل العقل الجمعي سواء إيجابيا أو سلبيا وفق ما تتناقله من أفكار ومعلومات وتطرحه من قضايا، سواء في الجانب الاجتماعي أو الثقافي أو السياسي والفني والرياضي، حيث تعد في العصر الحديث هي المرجعية الأولى التي يلجأ إليها الجميع للتأكد من المعلومات والأفكار ومعرفة كل ما هو جديد.
ويتلخص الأمر في أن نجعل عقولنا محورا لتصرفاتنا، فالعقل نور يهدي صاحبه إلى الطريق الصحيح، ولكن يجب عليه بشكل دائم أن يقوم بصقله وتنميته، وذلك يكون بالتفكر والتأمل والحوار والنقاش، وهو ما يطلق عليه (تنمية العقل النقدي)،
أي أن يتحول العقل إلى (جهاز رقابة وفحص)، فيفحص المعلومات الواردة بدقة كبيرة ضمن معايير ثابتة، فإذا وجد في بعض تلك الأفكار بصمات الخداع أو رائحة الكذب منعها من دخول دائرة التفكير، ورمى بها في سلة المهملات، فالعاقل لا يصدق كل ما يقال، لأنه يمتلك المعيار والميزان.
اقرأ أيضاً:
كيف يُوجه الإعلام العقل الجمعي؟
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.