أبحث عن كلمات الله فيك
لم يكن الواقع الإنساني في بداياته مرتعا لكل ألعاب المتاهة التي نعرفها نحن الآن، تلك المتاهة التي منعت عن أغلب البشر هبة الإدراك الإلهية، فكان الإنسان من بداياته أكثر علما وتطورا بعكس ما قد يعتقده الكثيرون من الناس.
السعي لصاحب المعرفة
منذ قديم الأزل أدرك الإنسان عجزه المطلق عن المعرفة، فكان سعيه الدائم لطريق صاحب المعرفة في يقين، لا تظنوا أن تلك الكلمات هي محض خيال أو درب من دروب الاحتمال، كان أورانوس (والكلمة تعني السماء) أول الآلهة الإغريقية رجلا (كما يروى لنا يوهيمروس، كاتب الرحلات اليوناني الذي عاش في القرن الرابع ق.م) دائم التطلع إلى السماء،
لذلك عرف بفعله “النظر إلى السماء” وليس باسمه، ظل يرقب حركة النجوم حتى أتاه العلم واليقين، فاعتبره القدماء إلها، وهنا كلمة “إله” في الفكر الإغريقي القديم لم تكن أكثر من نوع من التكريم والتبجيل، اختلفت مرتبته كبشر عندما أتاه العلم من الله، في قصة تتشابه مع قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام، إلا أن هذه الأسطورة تسبق عصر كليم الله بنحو ألف عام،
ويسبق تلك قصة إدريس عليه السلام الذي قيل عنه أنه الابن السابع لآدم عليه السلام، والذي قال في أحد الرسائل التي نسبت إليه بعنوان “رسالة إلى اسكليبيوس”:- “لأن الحكمة يجب أن تُدرك فقط وتغتنم أجزاؤها من الله، ومن الوحي المقدس”، تلك الرسالة الدليل الذي يحدد لكل باحث عن المعرفة مساره.
الحكمة لها نبع واحد
ربما يظن البعض أن الحكمة فيما كتبه البشر، إن أغلب تلك الكتب ما كتبت إلا لشرح أفكار يغلفها جهل الشارح أو سوء فهمه أو هوى الكاتب نفسه، فكم من كتاب حمل السم لأعين وعقل قارئيه، لذلك قال هيرقليطوس الفيلسوف اليوناني في القرن الخامس ق.م واصفا حكمة البشر تلك بحكمة القرود أو كما قال:- “إن أحكم البشر هو كالقرد بالنسبة إلى الإله”، كما أدرك أفلاطون “الفيلسوف الإلهي” أن الحكمة لها نبع واحد، من الأعلى وحده، فهل حكمة الأعلى للبشر كلهم؟ أم أنها اقتصرت على الأنبياء؟
أرسل الله رسالته الواحدة من خلال رسله، ومحمد صلى الله عليه وسلم آخرهم، فأنت لن تكون نبيا ولا رسولا حقا، ولكن الله سبحانه وتعالى كما علم آدم يعلم أبناءه، هو وحده سبحانه المعلم: “الذي يعلمنا أكثر من وحوش الأرض، ويجعلنا أحكم من طيور السماء.”(أيوب 35:11)، الذي “علم الإنسان ما لم يعلم” (العلق، 5)،
لذلك قال سبحانه في محكم آياته: “قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا”. (الكهف، 109)، وفي موضع آخر قال سبحانه وتعالي: “وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”. (لقمان،27).
هل تظن أن الكتب السماوية تحتاج لحبر كبحور الأرض جميعا لتُكتب؟ أم أن الآيات تشير بوضوح إلى أن كلمات الله لكل البشر كما أعتقد أنا؟ إن شاركتني –قارئي الكريم– ما أعتقد سيظهر لنا سؤال آخر، كيف تطلب كلمات الله؟ أو كيف يطلبك الله لتصغي إلى كلماته؟ ذلك ما سوف نجيب عنه في المقال القادم إن كان لي من العمر بقية.
اقرأ أيضاً:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا