الله هو الملاذ والملجأ
اعتادت بعض الشعوب القديمة، ومنها الشعب اليوناني والروماني، تقديس كل ما هو نافع أو ضار لها في حياتها، فالنافع كانوا يتمنون رضاه، والضار كانوا يتمنون كفّ أذاه عنهم، وذلك إيمانًا منهم واعتقادًا بأن هناك أرواحًا خفية داخل هذه الموجودات النافعة والضارة، وأن لها من القوى الخفية التي ليس للبشر قُدرة على مواجهتها، من ثمّ فقد كثرت تلك الآلهة من حولهم، وكان لِزامًا على عابديها تقديم القرابين، والتضرع إليها بالأدعية، حتى يحصلوا على رضائها لتحل بهم بركتها، أو ترفع عنهم أذاها وعِقابها.
آلهة الحضارة اليونانية والرومانية
بنى اليونانيون والرومان معابد لآلهتهم، وجعلوا أيامًا خاصة للاحتفال بهذه الآلهة وزيارة معابدها. وحتى يأمن الناس على أنفسهم وممتلكاتهم في أثناء سفرهم وزيارتهم لمعابد آلهتهم، فقد جعلت الحكومات اليونانية والرومانية من أيام الاحتفالات أيامًا حُرمًا، تتوقف في أثنائها الحروب والنزاعات، وغدى السفر وزيارة تلك المعابد بمثابة حج، ومن ثم فالزوار حُجاج.
وضع الأقدمون مذابح داخل تلك المعابد، حتى يستطيع الحُجّاج تقديم قرابينهم. كما جعلوا لآلهة تلك المعابد كهنة يستقبلون الزوار والحجيج، ويسهرون على خدمتهم، وكانت أهم وظيفة لهؤلاء الكهنة تفسير نبوءات الآلهة لراغبيها. وكان اليونانيون والرومان يؤمنون بأن روح الإله تحل بالكاهن عندما يطلب أحد الزائرين تفسيرًا أو نبوءةً من لدن الآلهة، وفي أثناء هذا التواصل المقدس، بين الإله والكاهن، فإن الأخير يكون فاقدًا لوعيه، وتصدر عنه أصوات وكلمات غير واضحة التفسير والفهم، من ثمّ فعلى طالب النبوءة والتفسير أن يفهم ما يصدر من أصوات في أثناء اتصال الكاهن بالإله أو حلول روح الإله بالكاهن.
اقرأ أيضاً: فضائل اليونان القديمة على الإنسانية المعاصرة
التدخل الإلهي في العمل المسرحي
هكذا كان يؤمن اليوناني والروماني القديم بآلهة ابتكرها هو نفسه، وكان يرى أن آلهته في كل شيء من حوله، ولا يمكنه الإقدام على فعل شيء دون الرجوع وطلب مشورة آلهته، أو تفسيرها لِما صعب عليه فهمه وتفسيره من أحداث أو أحلام، فاللجوء إلى الآلهة واجب، تُمليه ظروف الحياة، وبخاصة وقت الأزمات والشعور بالعجز وعدم القُدرة. ولقد انتقل هذا المفهوم الديني إلى عالم المسرح، وأدخل اليوناني والروماني الآلهة على أحداث مسرحياتهم، وجعلوها، في البعض منها، إحدى شخصيات عملهم الدرامي والمشاركة في أحداثه.
كان الجمهور اليوناني يذهب إلى المسرح وهو يعلم تفاصيل المسرحية مُسبقًا، ولكنه كان يرغب في الوقوف على براعة المؤلف المسرحي من خلال نسجه لحَبكة عمله الدرامي، وقُدرته على رسم الشخصيات والربط فيما بينها وأحداث العمل وردود فعل تلك الشخصيات. وكان جمهور المسرح يرفع من شأن مؤلف على آخر، بناء على البراعة في نسج الأحداث بشكل جديد وغير مسبوق، وإثارة ما بداخلهم من فضول لمتابعة الأحداث حتى نهاية العمل المسرحي. ويكون المؤلف المسرحي مُبدعًا كُلما استطاع أن يُحدث تصاعدًا في الأحداث ويصل بحبكة عمله إلى ذروته، ثم الهبوط بالأحداث وحل خيوط ما تشابك منها، والوصول إلى حالة من الرضى بنهاية العمل المسرحي.
تعرف على: دور حضارات الشرق القديمة في بناء الفكر الأخلاقي عند اليوناني
من دلائل إيمان اليوناني والروماني بقدرات الآلهة
كان يحدث في بعض الأحيان أن يرسم المؤلف شخصيات عمله الدرامي وأن يمنحها أبعادها، ويربط فيما بينها، ويصعد بالأحداث حتى ذروة حبكة عمله، لكنه يعجز عن حل ما تشابك فيها من خيوط. وأمام العجز البشري عن تقديم حلول وفك ما تشابك من خيوط وما صار من أزمات، يكون التدخل الإلهي هو الحل والواجب، فيلجأ المؤلف المسرحي إلى إدخال شخصية إلهية لتقديم ما صعب عليه حله من خلال شخصياته البشرية، وذلك إيمانًا منه بأن اللجوء والملاذ إلى الآلهة وقت الأزمات واجب ديني، تفرضه الظروف والأحداث المحيطة بالبشر، والتي تشعرهم بعجزهم وقلة حيلتهم، فالآلهة قادرة على الدوام.
إن ظهور الإله على خشبة المسرح اليوناني قليلًا ثم الروماني كثيرًا كانت من دلائل إيمان اليوناني والروماني بقُدرات الآلهة اللا محدودة، والتي تعكس في نفس الوقت عجز البشر، في أثناء الأزمات ليس أمام البشر غير طلب عون الله ومساعدته، وهذا ما كان يؤمن به الأقدمون، واستطاعوا تقديمه على خشبة المسرح، فالله هو الملاذ والملجأ، والتضرع إليه وطلب مساعدته واجب، فباب الله مفتوح على الدوام وغير موصد أبدًا.
مقالات ذات صلة:
أثر الغزو الثقافي اليوناني على المجتمع الروماني
يوم أن قامت القيامة على الأزتك
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا