مقالاتقضايا شبابية - مقالات

أضرار الهاتف المحمول على الإنسان

لقد غدا الأمر في غاية الخطورة، فما كنت أتخيل نفسي أو غيري أن نصل إلى هذه المرحلة من تحكم آلة صماء في حياتنا، نعم، إنه الهاتف الجوال بإمكاناته المتنوعة، وتقنياته المتباينة، وعلى الأصح وسائل التواصل الاجتماعي، وبالذات (الفيس بوك)، إنه لشيء مرعب أن يأسرنا هذا الفضاء الأزرق بصورة وحشية،

لقد غدا كما لو كان يتحكم في ذواتنا، ويمسك بتلابيب أعناقنا، ويحدد من ثمة تفصيلاتها فرحا وترحا، عسلا وصابا، وتقييدا وانسيابا، لقد كنا إلى عهد قريب إذا قام أحدنا من نومه، وفرك عينيه تحسس مصحفه، وتبين مواضع ورده، فتشهد، وحوقل، واستغفر، واسترجع، فقرأ بعض الآيات، وتنفل بوتر من الركعات، بعد أن يقوم متوضئا، ولربه منيبا متوكئا.

أضرار إدمان الهاتف المحمول

بيد أننا للأسف الشديد الآن -شئنا أم أبينا- قد استحلنا إلى عبيد للهاتف، وأسرى لوسائل التواصل ودخلنا في حالة ادمان الهاتف المحمول، لقد أصبح الواحد منا ينتفض واقفا، ويهرع قافزا، وهو لا يهنأ بنوم، ولا يرقا له جفن، فهو يتململ تململ السليم، ويتقلب على جنبيه تقلب السقيم، يتحسس هاتفه، منيبا إلى (تطبيقاته)، متسارعا إلى (إشعاراته) فاتحا صفحاته، يستنشق عبير (منشوراته)، واقفا أمامها، معجبا بها، ينظر عن يمين وشمال، يبرق بعينيه،

وقد دار رأسه بين يديه، يطمئن على عدد (متابعيه)، وهل هم في ازدياد، أم طالهم الرقاد، وبعدها ينتفض مذعورا إلى ما حصد من (تفاعلات)، ويتفحص من ثم عدد (اللايكات)، ويبحث عن (اللافات)، ويفتش عن (التعليقات)، ويسعد بما حاز من (المشاركات)، ثم إذا به يزبد ويرعد إذا ما وجد ما يغضبه من تعليق ناقد، أو رأي حائد، فتذهب نفسه حسرات، ويتوعد من يفعل ذلك بقبيح الويلات، إن لم يرجع صوابه، ويعود إلى مآبه.

لقد بدا وكأنه مسحور ممسوس، أو موسوس مهووس، قد غاب عقله، وطاش فكره، فلا مأكل ولا مشرب، إلا بمراقبة ما ينشر، وربما محاسبة من مر ولم يعلق أو يستفسر، وها هو ينتظر على أحر من الجمر نغمة الجوال معلنة عن إشعار جديد، ومتابع فريد، وينتفض كمن لدغه عقرب، منتبها يضطرب، فيطير فرحا، ويقيم مرحا إن رأى تعليقا على منشوره، أو تفاعلا مع ما جاء في منثوره، فحينئذ تنفرج من الأسارير، وتضاء منه القناديل.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وهكذا تجد بعضهم وهو يقضي الوقت بالساعات، ويطوي في سبيل ذلك أجمل اللحظات مع أصدقائه والمتابعين، ومجموعاته من (الأدمن) والمقربين، فينسى على حين غرة أنه يعيش في عالم افتراضي، وكينونة موازية، وفضاء مصطنع، ولربما نسي في خضم ذلك كله عالمه الحقيقي، وواقعه الكائن، وحاضره المعيش!

اقرأ أيضاً:

لماذا يستخدم الناس الفيس بوك؟!

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

أ. د. محمد دياب غزاوي

أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية- جامعة الفيوم وكيل الكلية ( سابقا)- عضو اتحاد الكتاب