إصداراتقضايا وجودية - مقالاتمقالات

كيف تجرؤ وتخالف عاداتنا وتقاليدنا؟… ألا زلت تعتنق هذه الأفكار القديمة؟… طريقان مختلفان, فأيهما تسلك؟؟

بين الجمود و التحجر و التطور و الاختلاف أين الحقيقة التائه و الأفكار الصحيحة

” مش عارف الولد ده طالع لمين مع إن إخواته كلهم مش كده !”

“يابنى أنا أكبر منك وعارف أكتر منك والحياة علمتنى واللى بقولك عليه هو الصح”

” ولما الناس كلهم شايفين إن ده الصح إنت يعنى اللى هتفهم أحسن منهم !! “

اضغط على الاعلان لو أعجبك

” يعنى إنت مش عايز توافق على اللى بنقوله يبقى إنت مُصّر إنك تعادينا “

تزداد راحة المرء عندما يشعر أن كل من حوله يعتنقون نفس أفكاره ويميلون إلى نفس ميوله ويعجبون بنفس رغباته.

يعيش معظم حياته وهو يعتقد ويؤمن بنفس الأفكار وقد مارس حياته من خلالها وها هى قد أثبتت صحتها مرارًا وتكرارًا. ألم يفعلها أبواه ومن قبل أجداده ؟! أليس كونه حيًا يرزق إلى هذه اللحظة ولم تؤدِ به هذه الأفكار إلى حتفه دليلًا كافيًا على ذلك ؟! ها هو يرى كل من حوله يعيشون حياتهم بنفس التفاصيل تقريبا، لا أحد يشذ عن القاعدة. تعلمنا منذ كنا صغارًا أن نحفظ عن ظهر قلب ونعيد إلقاء ما يذكر لنا فى الكتب لننجح، يقولون دومًا فى وسائل الإعلام إن نسبة التأييد تكاد تقترب من 99% ، وإن الغربيين ناجحون ومتقدمون فى كل المجالات. ألم يصعدوا إلى القمر وما زلنا نكافح لأجل لقمة العيش؟! العرب متخلفون وجهلة وأغبياء. نعم لا بد أنهم كذلك.

تمتلئ شاشات التلفاز بالمتشاحنين والخصماء، كلٌ متعصبٌ لفكرته ومن خالفه فقد عاداه، وليتقوقع كل منّا حول أفكاره ويقيم حاجزًا صلبًا يحميه من هؤلاء المارقين، وسيحمى محيطه وأفكاره بكل ما أوتى من قوة، أنت لن ترضخ لمفاهيمى وأفكارى!! حسنًا لقد أجزتَ لى قتالك فأنت كافر مرتد.

——-

اضغط على الاعلان لو أعجبك

” أنا حر أعمل اللى أنا عايزه مش لازم أبقى نسخة منك !”

” مفيش حاجة اسمها الصح وغلط طالما أنا شايفه الصح إيه المشكلة ؟! “

” الناجح دلوقتى هو المختلف، لازم تطلع بفكرة مبتكرة وتقليعة جديدة عشان الناس تلتفت ليك وتظهر وسطهم “

” الأفكار دى عفا عليها الزمن خلاص إحنا فى القرن الواحد والعشرين “

نحن الآن نرفض الرضوخ للقوالب الجاهزة، لا ينبغى أن نكون نسخا إلكترونية مكررة، لنكن مختلفين ولنقم بثورة على المعتاد وعلى التنميط والنمذجة، نبحث عن الاختلاف لمجرد الاختلاف أليس الاختلاف سنة الحياة؟ وكيف تتطور البشرية دون الإبداع ورفض كل ما هو تقليدى؟! وفى خضم طريقنا للتمرد وبحثنا عن الحرية دمرنا كل شئ بما في ذلك الثوابت والقيم، كل إنسان حر فيما يعتقد من مفاهيم وأفكار ولا ينبغى أن نتفق على شئ، ألم نعانِ من تبعات التعصب والتطرف؟! وفى الحقيقة لا شئ يمكن أن نتفق عليه فلا وجود للثبات أصلا فما أراه أنا صحيحا قد تراه أنت خاطئا والعكس فلماذا نعذب أنفسنا؟!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هكذا وجدنا أنفسنا بين نموذجين: نموذج يدعو إلى التطابق والتوحد الكامل وما عدا ذلك ينبغى إقصاؤه لتعيش الأمة فى سلام وتناغم، ونموذج يعظّم الاختلاف وينكر الثوابت ويدعو الى النسبية والحرية المطلقة. نموذج لبرمجة العقول، ونموذج آخر لنفى العقول لتحل محلها الشهوات والرغبات الفردية والمصالح الشخصية. نموذج يدعو إلى التقليد والتبعية العمياء، ونموذج يجعل الاختلاف فى ذاته غاية وهدفا. نموذج يرفض الاعتراف بالاختلاف، ونموذج يرفض الاعتراف بالثوابت والقيم الجامعة، وكلاهما سيؤدى لا محالة الى الفرقة والانقسام.

أين إذن النموذج الأمثل؟ وكلاهما – أنصار التوحد وأنصار الاختلاف – يدّعون أنه هو السبيل المنطقى والضرورى من أجل التغيير والتقدم والنهضة؟!

—–

( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) هود 118

(إِنَّ هَذِهِ أُمَّتكُمْ أُمَّة وَاحِدَة وَأَنَا رَبّكُمْ فَاعْبُدُونِ) المؤمنون 52

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لا شك فى أن الأمة الواحدة والجماعة المجتمعة والأقدر على نبذ الخلاف والفرقة هى الأقدر على التقدم والنهوض، ولا سبيل لأى أمة لبلوغ أهدافها وغايتها الكبرى من دون حد أدنى من التوافق، ولكن السؤال الأهم هو على أى شئ تجتمع؟ وهل يجب أن يخالف هذا الاجتماع بالضرورة سنة الاختلاف بين البشر؟!

إن التوحد والاجتماع يحتاج بالضرورة إلى التوافق حول بعض الثوابت والمشتركات والقيم الكلية الجامعة، فالحق والعدل والخير و الصح قيم عقلية كلية ثابتة تهدف إلى تحقيق سعادة وكمال الإنسان والمجتمع، ولا تختص بجماعة أو فرقة، وتتفق مع فطرة الإنسان قبل أن تأتى بها الأديان، وعندما جاء الدين الذى يحض على نفس تلك الأفكار والمفاهيم ولا يفرق بين عربى وأعجمى إلا بالتقوى استطاع أن يجمع شمل الأمة وكلمتها على التوحيد، وأن يصنع حضارة قوية ومتماسكة بعد أن كانت أممًا متصارعة تحكمها العصبيات القاتلة، فعندما ترتبط الأمة بالأهداف والغايات الكبرى ويساعدها على ذلك فهمها لواقعها تستطيع أن تدفع بالعالم نحو التقدم الذى يخدم البشرية.

كما أن هذا التوافق على الكليات العقلية المجردة لا يعنى التطابق فى التفاصيل، ولا ينكر وجود الاختلافات الجزئية بين البشر، بل إنه وضع فقها للتعامل مع النزاع والخلاف بردّه إلى نفس القيم الكلية الجامعة، كما أنه يؤمن بضرورة هذا الاختلاف الجزئى فى القدرات والمشارب والميول والإمكانيات من أجل التطور، ولا يتعارض مع ما للإبداع من أهمية، ولا يضع قيودًا على حرية الإنسان ما دامت فى صالح البشرية ويسير بها نحو نفس الغاية الكلية، فأسّس بذلك قوانين للتعايش والتكيف – اعترافًا صريحًا منه بوجود الاختلاف – بدلًا من فكر الإقصاء أو الانقسام.

———

عندما أراد أعداء الأمة ضرب وحدتها وإفشال مشروع نهضتها عملوا على تكريس ثقافة التجزئة والتقسيم فكانت “سايكس –بيكو” وأمثالها، ثم عملوا على حماية هذه الفرقة والانقسام بزرع خلية سرطانية فى قلب بلادنا لا همّ لها سوى إذكاء روح التعصب والفتنة وتعظيم الخلاف وزرع

أسباب الاقتتال والحروب. ولما كانت الحضارة الإسلامية والعربية بما قامت عليه من ثوابت وأسس وفلسفات قادرة على وحدة الأمة ولمّ شملها يومًا ما، إذن فلنضرب تلك العقيدة فى مقتل، سنغزوهم بأفكارنا وفلسفاتنا المضادة عن المادية والحرية والقيم النفعية، سنوهمهم أن ثوابتهم وتراثهم هو عدوهم الأول وأنه هو ما أدى إلى هزيمتهم وانكسارهم، وأن عليهم أن يتخلوا عن تلك الأفكار الهدّامة والقيم البالية، سنوحى إليهم أن التقدم والتطور يحتاج الى التمرد على الثوابت والقيم وكل ما كان قديمًا، سنفرغ مجتمعاتهم من المعتدلين وأصحاب الرأى والفكر وليتحدث فى الفكر والدين والسياسة من شاء، وليأتِ كل مختلف منهم بأفكاره، ألسنا نعيش أزهى عصور الديمقراطية ويجب أن نتقبل كل ما هو جديد؟!

هكذا تشتتت الأمة وانقسمت عندما أصبح الاختلاف هو الغاية بغض النظر عن  الصح وليس وسيلة استثمار نحو الأفضل، عندما أُطلق بلا رابط وغابت عنه المرجعية الحاكمة العادلة الرشيدة، حين تخلت الأمة عن مفكريها وقادتها، عندها تم استعبادنا ولا سبيل لقيامنا سوى بالعودة الى قيمة العقل واستعادة هويتنا الضائعة من جديد

.

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

دينا خطاب

باحثة في علوم التفكير والمعرفة

فريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالقاهرة

مقالات ذات صلة