حاولت إقناعه ١٠٠ مرة بجميع الطرق ولم أفلح معه أبدا! لماذا لا يقتنع البعض رغم قوة الدلائل؟
يقول العلماء إن الإنسان عندما يمارس العملية التفكيرية فإنه يقوم بجمع سلسلة من المواد الفكرية فى ذهنه، وعندما تتجمع هذه المواد فى ذهن الإنسان؛ يعمل الذهن عليها بالتحليل والتركيب بحيث يظهر له من مجموعها أمرًا جديدًا.
العملية التفكيرية
فالإنسان فى عملية التفكير بلغ إلى نتيجة -لم يكن يعرفها من قبل- من خلال التوفيق بين أمور يعرفها والتى كان قبلًا لا يعرفها هى الأخرى، ولكنه عرفها بأمور أخرى كان يعرفها وهكذا. إذن فكر الإنسان ومعرفته وسلوكه وحياته يتوقف على هذه المعلومات -التى يستخدمها- للوصول إلى نتائج جديدة. فإذا كان الحجر ردئ النوع؛ انهار البناء وهذا ما يسمى فى علم المنطق بالمادة أو المقدمات المستخدمة فى البرهان للوصول إلى النتيجة المنشودة.
وقد بحث الكثير من المفكرين فى الأسباب التى قد تؤدى إلى خطأ المادة التي تستخدم في التفكير ، والذى يدفع الإنسان إلى الوقوع فى الخطأ فى سلوكه، فكره، معتقده أو أى شئ يصدر عنه وَمِمَّا ذكروه اتباع الهوى والظن وعدم الاعتراف بمواطن جهلنا.
فنجد الفارابي يقول “قوة الذهن تحصل متى كانت لنا قوة؛ بها نقف على الحق أنه حق يقين فنعتقده، وبها نقف على الباطل أنه باطل يقين فنتجنبه، ونقف على الباطل الشبيه بالحق فلا نغلط فيه، ونقف على ما هو حق فى ذاته وقد أُشبِهَ بالباطل فلا نغلط فيه ”
ولعلنا نستطيع أن نخوض محاولة البحث فى هذه الأسباب.
أسباب الخطأ
– الظن وهوى النفس
يعود سبب خطأ كثيرا من الإنسان إلى اتباعهم الظن فنجد الكثير من الناس يجزمون بمدعياتهم ويؤكدون صحتها، فى حين أنه بعد التدقيق والتحليل نجد أنها تعود إلى مجموعة من الظنون؛ إذ ليس هناك إلا الظن وليس فى قلبه أيضًا غير الظن فمنطقهم هو منطق الظن لا منطق العلم واليقين.
فعلى سبيل المثال؛ الإنسان الذي ينفي وجود إله لا يصل إلى نفى الله عن طريق اليقين أبدًا -ولا سبيل له إلى ذلك قطعًا- وإنما ينكر الله لظن طرأ على ذهنهم فهو يعتقد أن الحياة صدفة طرأت على مستوى الطبيعة وكذلك الموت فما لهم بذلك من علم إن هو الا الظن!
فالإنسان يضع العلم فى مقابل الظن ويختار اتباع الظن؛ لأنه يتماشى مع أهوائه وهذا يأخذنا إلى سبب آخر من أسباب خطأ التفكير وهو هوى النفس. فمن أهم أسباب الخطأ الذهني والذى نقع فيه كثيرًا هو اتباع أهوائنا الشخصية حيث تكون منفعة الإنسان فى جهة والصواب فى جهة، فتستقطب المنفعة فكره إليها، فيتكلم بلغة هوى النفس لا لغة العقل ولا الفكر ولا الدليل فهؤلاء إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس!
– الاتباع الأعمى للسابقين والتعجل
وسبب آخر هو اتباع السابقين؛ فمن الأسباب التى تجر الإنسان حقًا إلى الخطأ هو ميله للاعتقاد بأن كل ما جاء عن أسلافه كان صحيحًا، وبناءًا عليه يؤمن الإنسان بما جاء عن السابقين ويبدأ باصطناع الأدلة عليه، والأدلة المفتعلة لا تفضى إلى العلم ولا الحقيقة.
فهذا ابن رشد يقول عن ما ينبغي فعله مع ما يردنا عمن سبقونا “أن ننظر فى الذى قالوه وما أثبتوه فى كتبهم فما كان موافقًا للحق قلناه منهم وسررنا به وشكرناهم عليهم وما كان غير موافق للحق نَبّهنا عليه وحذرنا منه وعذرناهم”
وأيضًا الاتباع الأعمى للكبراء فعلى سبيل المثال؛ عندما يفكر الإنسان بمسألة معينة وفى أثناء تفكيره يتراءى أمامه شخص من يوقر ومن يملؤن آفاق فكره، ويسيطر على عقله أن مثل هؤلاء لا يمكن أن يكونوا قد أخطأوا وعندئذ يستعيض عن التفكير بالتسليم لقول هؤلاء. فمثل هذا الشخص يظن أنه يفكر بطريقة حرة ولكنه فى الحقيقة يعيش أسير فكر مَن يُوقر ويكون عاجزًا عن تحرير فكره.
ومن الأسباب أيضًا التعجل فى إبداء الرأي؛ فقد يصل الإنسان إلى رأى ولا يملك سعة الصدر الكافية للتريث والتأكد، ولكن تُلِّح عليه نفسه أن يبادر لإعلان رأيه متجاهلًا عدم توافر الأدلة لديه بشكل كافٍ ومتجاهلًا حقيقة أنه ما أوتى من العلم إلا قليلًا.
لقد سُوِّى الإنسان بحيث إذا ما تحرك بتأني وروية وحكمة، فلن يؤمن إلا بما هو يقين ويرفض ما هو دونه؛ أى أن هذا الخطأ لا علاقة له بالفكر البشرى بل هو متصل بإرادة الإنسان واختياره.
فالإنسان إذا ما حطّم قيود الانصياع إلى السابقين وتقديس الكبراء، وعلم أن ما يجهله يفوق كثيرًا ما يعلمه وأن الظن لا يغنى من الحق شيئًا، وتخلى عن الأهواء ووثق بعقله الفطرى -الذى وهبه الله له- فحتمًا سيصل إلى الحق لأن هذه هى فطرة الله التى فطر الناس عليها ولا تبديل لخلق الله ويصل الي العملية التفكيرية الصحيحة
.
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.
اقرأ أيضاً: