أحلى رواية دي ولا إية؟
كثيرا ما نجد اختلاف صديقين حول روعة وقبح رواية ما، أحدهما يُعبر للآخر عن مدى جمال تلك الرواية ويُعدد له مجموعة من الأسباب وراء حكمه ذاك، والآخر على النقيض تماماً، وحكمه عليها مفاده هو القبح عينه.
كيف لرواية ذاتها أن تكون جميلة وقبيحة في آن واحد؟ لم قد يختلفان حول نفس الموضوع؟
إنه ببساطة اختلاف فى مفهوم الجمال عند كل منهما ومن ثَم اختلاف المعايير والأسس التى يُقيم بها الصديقان جمال وقبح الرواية.
ما هو الجمال إذاً؟
الجمال بمفهومه الأعم هو الصورة الكاملة والتامة للشيء التى تجعله خالياً من النقص.
فنحن عندما نجد زهرة متناسقة فى الألوان والهيئة والرائحة نوصفها بالأجمل لأننا نشعر أنها لا تحتاج شيئاً إضافياً لتكون أفضل، وعندما نصف رحلة بأنها جميلة يكون ذلك بقدر خلو هذه الرحلة من مسببات إزعاجنا وبقدر اكتمال أجزائها والهدف منها.
إذا مفهوم الجمال يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمفهوم الكمال، فــ “الجمال هو الكمال والقبح هو النقص”.
ومن هذه القاعدة يبرهن العديد من الفلاسفة الإلهيين على ضرورة وصف الإله بالجمال المطلق لأنه هو ذاته صاحب الكمال المطلق.
ولأننا جميعاً مخلوقون، فبالتالي لدينا العديد من أوجه النقص التي تنتظر منا الحركة لسدها والوصول إلى تكاملنا اللائق بمقامنا، ومنها يمكننا تفسير جميع تحركاتنا؛ فالأصل فى “الحركة” هى إحداث التغيير للوصول إلى الكمال.
مبحث العلل الأربعة
يرى أرسطو أن علل وجود أي ناقص هي أربعة: الصورة والمادة والصانع والغاية.
فمثلاً السكين لا بد وأن يكون لها “صورة” أو تصميم قبل صُنعها وهي النموذج المراد الوصول إليه، ولا بد من وجود حديد –أي مادة خام- كما يجب أن يتواجد العامل الذي سيصنعها ولا مفر من وجود هدف وغاية لصُنعها ألا وهو القطع.
ولنفرض أن التصميم كان ممتازاً والعامل كان موجوداً والحديد الذي صُنع منه السكين جيداً ولكن عند اختبار مدى قدرة السكين على القطع فشلت، فهل نعتبر أن لها قيمة؟ وهل روعة التصميم الذهني وشكل العامل وثمن المادة الخام لهم قيمة إذا ما قورنت بفشل تحقيق الغاية؟
بالطبع لا، فالغاية لا بد وأن تتحقق حتى نصف الشيء بالكمال أو الجمال، فيمكننا وصف السكين بأنه جيد وكامل إن أصبح قادراً على القطع.
رواية جميلة أم لا
وبالعودة لأصل الموضوع بعد عرض بسيط لمقدمات هامة، كيف يمكننا تحديد جمال وقبح رواية؟
لكي يوجد أي شيء مكتوب (رواية– كتاب– بحث– مقال– مقولة) لا بد وأن تتوفر العلل الأربعة: صورة ومادة وصانع وغاية.
الصورة هي التصور فى ذهن الكاتب عن موضوع الكتابة.
المادة هي الورقة التي يكتب عليها أو جهاز إلكتروني يسجل من خلاله الكلمات وفق الصورة والفكرة.
الصانع وهو الكاتب أو المؤلف.
الغاية وهو الهدف الذي من أجله كُتب وهو الشيء المراد تحقيقه من خلال إنشاء هذه الرواية أو الكتاب أو…
ووفق ما تم إثباته فيما يتعلق بأهمية “الغاية” كأحد أهم المعايير التى تُقيم على أساسها الشيء، وأن بانتفائها لا يُعوضها اكتمال باقي العلل،
فإننا إذاً يمكننا تحديد مدى كمال الشيء المكتوب وفق مدى تحقيقه للغاية من كتابته.
فإن لم يُحقق الغاية فلا يكفيه اكتمال الصورة في ذهن الكاتب ولا جودة الورقة المكتوب عليها أو ماركة الجهاز المستخدم فى الكتابة ولا يكفي أيضاً شهرة المؤلف أو لونه أو بلده.
وبتأكيد ما ذكرناه سلفاً بأن هدف الحركة هو إحداث التغيير المنشود للوصول إلى الكمال نستنتج أن الحركة الأتم -التي يقبلها العقلاء- هي التي تؤول إلى ذاك الكمال الإنساني.
ومنها نستنتج أن الغاية الأسمى لوجود شيء هي التي تصب في وعاء تحقيق الكمال الإنساني، فيمكننا الحكم هنا على كمال الشيء المكتوب بمدى مساعدته للإنسان على تحقيق كماله.
إذاً “جمال” الرواية يكون بمقدار ما تُعين قارئها على إتمام تكامله، و”قبح” رواية يكون بمدى تورطها في تسافله وانحداره.
وعلى غرار ذلك يمكننا الحكم على جمال وقبح أي كتاب أو بحث أو مقال أو جملة
تم الاستعانة ببحث ” الإنسان ومفاهيم الجمال ” – د. حسن مصطفى – مشروعنا بالعقل نبدأ
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط
ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب