مقالات

الذكاء الاصطناعي والعقل البشري والفارق بينهما – هل تفكر الحواسيب والآلات ؟

الذكاء الاصطناعي والعقل البشري

في المطار بإحدى الدول الأجنبية توجد غرفة خاصة باستعلامات المسافرين الصينيـين، وهي تجيب عن أهم الاستفسارات المتكررة التي تواجه السائح الصيني فور وصوله لهذه الدولة، مثل كيفية الحصول على سيارة أجرة، وما هي أقرب الفنادق. وللغرفة عدد من النوافذ، كل نافذة مكتوب عليها استفسار معين باللغة الصينية، وعند كل نافذة يوجد “زر”.

يقوم السائح صاحب الاستفسار بالتوجه للنافذة الخاصة باستفساره، والضغط على الزر، وفي الداخل يوجد أمام كل نافذة “درج”، يحتوي الدرج على أوراق، بكل منها الإجابة عن الاستفسار الخاص بالنافذة.

يوجد أيضا بالغرفة موظف لا يفهم شيئا من اللغة الصينية، ولا يفهم الاستفسارات ولا إجاباتها، لكن عندما يتم الضغط على الزر الخاص بنافذة ما يتوجه للدرج المقابل لها، ويفتحه ليخرج ورقة من داخله، ويعطيها للسائح عبر النافذة! وهكذا ببساطة يجيب عن أسئلة صينية، بإجابات ممتازة وبليغة، دون أن يفهم شيئا منها!

هذه القصة الخيالية يسوق البعض أمثالها لمحاولة توضيح كيف يعمل الذكاء الاصطناعي ، والفارق بينه وبين العقل البشري. فكيف يعمل الذكاء الاصطناعي إذن؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الذكاء الاصطناعي

الحركة في العالم المادي تبدأ بمصدر للحركة، يقوم بتحريك أجسام معينة، وتتوالى سلسلة الحركات لنصل في النهاية لنتيجة ما؛ فمثلا يقوم الإنسان كمصدر للحركة بتحريك عصا الجولف، عندما تتحرك العصا تصطدم بالكرة، فتتحرك الكرة، لتصل في النهاية للحفرة وتسقط بداخلها فنصل للنتيجة المطلوبة، وهكذا في أي حركة في العالم المادي.

وبالمثل تعمل الآلات، حيث يقوم الإنسان مثلا بتحريك “زر التشغيل”، فتتحرك الإلكترونات في الأسلاك، فيتحرك الموتور، فتتحرك أجزاء الآلة بالتبعية، وتصدر النتيجة المرغوبة. نفس الخطوات لكن الحركات والأجسام الوسيطة أكثر تعقيدا واشتباكا، وتحتاج لجهد أكبر من الإنسان في تصميمها وترتيبها حتى تتحرك بهذا الترتيب ونصل للنتيجة المرجوة.

وبالمثل تعمل الحواسيب، لكن سلسلة الحركات التي تتم هنا أكثر تعقيدا بكثير، وأيضا تتم على مستويات متناهية الصغر، مثل حركة الشحنات والإلكترونات، وفي النهاية نصل لنتائج معينة تبدأ بحركات معينة.

وفي مثال الرجل الذي يجيب عن الأسئلة الصينية في أول المقال، هناك سلسلة من الحركات تبدأ أيضا بضغط الزر وتنتهي بتوصيل الإجابة، وهنا يمكنك استبدال الموظف الموجود بآلة أو حاسوب ما، يستقبل حركة ما من نافذة معينة، فيتحرك ليفتح الدرج المطلوب، ويحمل الورقة لتصل للنافذة، دون أي فهم للغة الصينية ولا للاستفسارات!

هكذا –ببساطة- يعمل الذكاء الاصطناعي! لكن يا ترى كيف يعمل العقل البشري؟

العقل البشري

عندما يرى الإنسان شيئا جديدًا يدرك بعض خصائصه الظاهرية بحواسه، مثل شكله ولونه ورائحته، كما يحتفظ بهذه المعلومات في خياله وذاكرته. فإذا رأى كتابا للمرة الأولى –دون معرفة سابقة بما هي الكتب- يرى لونه وشكله ويلمس غلافه ويشم رائحته وهكذا، ويحتفظ بهذه المعلومات في ذاكرته.

لكن الإنسان لا يتوقف عند هذه النقطة، بل يحاول أن يفهم معنى ما يراه، ويحاول أن يصل لحقيقـته؛ فيتأمل مثلا في الكتاب المذكور، وإذا به يدرك أن هذا الشيء هو مجموعة من الأوراق تحوي معلومات عن موضوع معين، وهو مصدر ينقل المعرفة ويمدنا بالمعلومات.

هنا “فَهِمَ” الإنسان “معنى” الكتاب بشكل عام “كلي” ينطبق على كل الكتب، ووصل لـ “حقيقـته”، وهذا ما يسمى بـ “الإدراك العقلي” عند الإنسان.

بعد الفهم يأتي “الحكم”، حيث يمكن للعقل أن يحكم على الكتب بأنها مفيدة مثلا، وعلى العدل بأنه حسن وجميل. ولكي يحكم العقل يحتاج إلى دليل، مثل قوله في الاستدلال على حسن العدل: “إن العدل يؤدي للسعادة، وكل ما يؤدي للسعادة حسن، إذن العدل حسن”. ومجموع الفهم والحكم اللذان يكتسبهما العقل هو ما يسمى بـ “التفكير”.

بعد ذلك يأتي “الشوق” و”الإرادة”، فعندما يدرك العقل أن العدل حسن وجميل “يشتاق” إليه، وبالتالي “يريد” تحقيقه.

بعدها يأتي “الاختيار الحر” و”العزم”، فيمكن للعقل بعد ذلك كله أن يختار ألا يقوم بشيء لتحقيق العدل، أو يختار أن يقوم بأعمال معينة لنصرته وتحقيقه ويعزم على ذلك، وبناء على هذا الاختيار والعزم يأتي “السلوك الإنساني” والحركة.

الفارق بينهما

كل هذه الخصائص تميز العقل عن الآلات والحواسيب والذكاء الاصطناعي، ويمكن إجمالها في أنها أمور معنوية غير مادية، فالفهم والحكم والشوق والإرادة والاختيار والعزم كلها أمور معنوية، والمعاني التي يدركها العقل وتبنى عليها عملية الفهم والحكم هي أمور غير مادية، مثل معنى العدل، أو معنى الإنسان بشكل عام بأنه كائن عاقل، وهكذا. بينما الآلات والحواسيب هي أجسام مادية، تتحرك بقواعد المادة الآلية والفيزيائية دون أي فهم أو إرادة أو اختيار من جانبها، كما تتدحرج كرة الغولف على عشب الملعب! ولا سبيل لها إلى ما وراء المادة!

هذا لا ينفي الأهمية الكبرى والهائلة لهذه الآلات، ولا ينفي الطفرة المذهلة التي أحدثها الذكاء الاصطناعي في مساعدته للإنسان وتسهيل شؤون حياته، لكنه فقط يشير للفرق بين المدرِك وغير المدرِك، بين العقل والآلة، بين المعنى والمادة، بين الحياة والجماد!

اقرأ أيضاً:

معوقات التنمية في دول العالم التالت

ماذا سيحدث إذا حكمت الآلات العالم ؟

هل ستدمر الروبوت صوفيا العالم ؟

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

أحمد عزت

د. أحمد عزت

طبيب بشري

كاتب حر

له عدة مقالات في الصحف

باحث في مجال الفلسفة ومباني الفكر بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

صدر له كتاب: فك التشابك بين العقل والنص الديني “نظرة في منهج ابن رشد”

حاصل على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

حاصل على دورة في الفلسفة القديمة جامعة بنسفاليا