ومين قال نعيشها ازاي ؟! الطريق إلى السعادة
أمنية الطفولة
مر زمن منذ كنت صغيرًا يبلغ عمرى تقريبًا الخامسة عشر أحمل أمنية غريبة على مَن في عمرى؛ أمنية أن يكون لي جدٌ كبيرٌ في العمر يحمل قدر من الحكمة فيرشدني في حياتي ويخبرني كيف أصنع فيها وكيف أجتاز الصعاب وكيف لي أن أصل للسعادة فيها رغم كل ما فيها من صعاب،
والآن أقف والرؤية تكتمل لدي فأعي أنه كان سؤالاً بديهيًا لدى فالطريق مع شخص يعلمه بمثابة اجتياز الكثير من الأخطاء والتعب أكثر بكثير من إذا سلكته وحدك دون معرفة ، وفى الحقيقة هي توفيرًا للوقت والجهد للحصول بسهولة على ما نريد وضمان الوصول ، تأتى هنا فكرة عنوان مقالنا هذا وهو ” ومين قال نعيشها ازاي ! “
رحلة البحث عن السعادة
فكيف للإنسان ألا يتساءل عن كيفية العيش في الحياة وألا يعي أن مصيره يترتب على رؤيته لله والواقع والتي تُشكل سلوكه الذي يتصرف به فى حياته، ولا يرف له جفن أو ينبض له قلب بأن هذا شيء مصيري لابد أن يتكون ويتأسس أولا قبل أي شيء آخر، فمن البديهي أن يحدد الإنسان وجهته والطرق إليها بدلاً من تضييع الوقت فى تجربة الطرق والاستمرار دون غاية، وكيف له أن يبلغ السعادة؟ وما هي السعادة في الحقيقة؟
وسط كل تلك الاعتقادات الكثيرة التي يتضارب بعضها مع بعض أكثر مما يتوافق، وكذلك تلك الأفكار التي لا حصر لها في عالمنا هذا بلا دليل حقيقي على أكثرها ، كل هذا يدعونا لنتساءل إن الأمر مهمًا للغاية؛ فتلك ليست أي تجربة يُعاد فيها المحاولة بعد تيقُننا بأنها رحلة مصيرية لا تعاد مرة أخري.
فغاياتنا إن لم تصبح صحيحة فلن ننال الفوز فيها فكيف لمن لم يدرك معنى السعادة الحقيقي أن يبلغها، لذلك وجب علينا التيقن من كل شيء نستند عليه في تلك الرحلة .
تكوين المفاهيم
يتربى الإنسان منا في مجتمع وأسرة يحيطه بعض الأشخاص وبالتعامل معهم والنشأة وسط تلك البيئة تتشكل رؤية الإنسان عن الله والواقع وعما يجب أن يفعل وفى الحقيقة هنا يكمن مربط الفرس (هنا تكمن المعضلة) وهو محور حديثنا هنا لماذا لم نتساءل عن كل شيء؟!
قد يكون التقصير هنا جزء منه على عاتق الفرد نفسه والجزء الآخر على مفكري ونخبة هذا المجتمع، فمن طبيعة الإنسان أن يتحرك ذهنه متسائلا ما هذا؟ ولماذا؟ وكيف؟ بديهيًا أن يتعرف على أصل كل الأشياء ولكن ما حدث هو قتل طبيعته على التفكير والتي في الحقيقة هي أصل ما يُميزه ،
ولما تقبل الأفكار دون أي دليل عليها فكل واحد بحسب نشأته تتكون مفاهيمه التي حتمًا إن لم تملك دليل صلاحها فهو في حالة يرثى لها ولإيضاح هذا نقدم المثال التالي
الاختلاف حول معنى السعادة
إذا جلس مجموعة من الأشخاص من أماكن مختلفة يتناولون مفهومهم عن السعادة بالنسبة لكل منهما هل سيتوافقون في مفهومهم للسعادة وعلى أي دليل استندوا في تقديمهم لتعريفها؟!
وفى الحقيقة سيبدو واضحًا جدًا أن كلهم اختلفوا حول شيء بعينه له حقيقة واحدة لا تتغير بالأذواق وهى أنهم بشر، كمالهم الذى يتمثل في سد حاجاتهم يمُثل السعادة في كل نواحيها وما تحمله من معنى ، ولكن لم يكن الاختلاف بينهم سوى أن كل منهم شرب أفكاره من بيئته ولم يستخدم القوة العقلية التي يملكها في التمييز بين صواب الأفكار أو خطئها.
تغييب العقول
ولذلك نربط هذا بتنافس البشر ممن يحملون أفكار سيئة وأمراضًا نفسية لحب امتلاك كل الثروات. وأطلقوا لشهواتهم العنان فاستمروا في سفك الدماء ولكن قوتهم لم تعينهم على حصد ما يريدون فأدركوا أنهم بحاجة إلى الجموع البشرية.
والمورد الأهم في كل شيء يريدونه لأنه بتوفره؛ تتوفر كل الموارد الأخرى ، فراحوا يدرسون كيف تكون لهم السطوة والقدرة للتحكم في تلك الجموع؟! فوجدوا أن تغييب العقول هو الأساس لإخضاع البشر لهم بل والتحكم الكامل فيهم ، وسوقهم لأى شيء يريدونه فغيبوا العقول عن منطقها وقدرتها على التمييز بين الصواب والخطأ ، فتمكنوا من الشعوب بل وتفننوا بعد ذلك في الكثير من الطرق لسلب واستخدام تلك الجموع لمصلحتهم ،
دعوهم إلى السعادة التي هي غايتهم جميعًا ولكن في الحقيقة هم من صاغوا لهم شكلها ومعناها فاليوم قد يكون جزء من معنى السعادة المتعارف عليه في عصرنا هو أمنية الحصول على قدر كبير من الجمال الظاهري فصاغت إعلاناتهم تلك الصورة التي يدعونهم إليها بصفتها جزء من السعادة ولكن عبر منتجاتهم التجميلية ، والتي في الحقيقة هي خدعة من خدعهم ، فلا يكمن الجمال في الظاهر ولا يشكل الجمال الخارجي عائقًا في الحصول على السعادة .
كيف السبيل إذاً؟
فلا خلاص من فقاعات الوهم والتيه تلك إلا بإرجاع السلطة للعقل ومعرفة قواعد المنطق، فكيف للناس أن ينسوا أن تلك هي قوتهم المميزة؟! التي إن سلبت منهم أصبحوا كالنعاج والخراف التي تُساق وتُجر ولا تميز ما الواقع وما يجب أن يكون. وما هم في الحقيقة في حاجة له للخلاص هو استعادة القوة العقلية والتعقل الذي تكفله القواعد المنطقية التي تكشف للإنسان صحة الفكر، فيتيقنوا مما يريدون ويعرفوا طرق الوصول إليه دون أن يخدعهم أحد.