مقالات

نحو معايير قومية لجودة التعليم والتعلم الإلكتروني

أصبح التعلُّم الذاتي في عصر التحول الرقمي فرض عين على كل إنسان عاقل، فأصبح من الضروري على كل طالب وطالبة في مراحل التعليم المختلفة أن يضع برنامجًا للتعلم إلى جانب نظام التعليم النظامي المباشر والإلكتروني (الهجين)، حيث إنَّ من آثار تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19) تحوُّل الطلبة إلى طريقة التعليم والتعلم الإلكتروني عبر الشبكات المختلفة كوسيلة آمنة لتلقي المعارف والمفاهيم اللازمة لاجتياز المستوى التعليمي، وذلك تجنبًا للإصابة بالفيروس الذي اجتاح العالم برمته، الأمر الذي يستدعي سؤالا مهما هو: هل نظام التعليم الهجين يلبي الاحتياجات اللازمة ويحقق نواتج التعليم المستهدفة أم لا؟ وهذا ما سنحاول الإجابة عنه في نهاية هذا المقال.

ورغم أنَّ حدوث الجائحة كان سببًا أساسيًا في تسريع عملية دخولنا في مصر عصر التعلم النظامي الإلكتروني واهتمامنا بالتحول الرقمي في شتى المجالات، إلا أننا لسنا من أوائل الدول في الاهتمام بهذا الأمر، فهناك دولًا كثيرة في العالم قطعت شوطًا لا بأس به في طريق استخدام الرقمية في مجالات كثيرة كان أهمها مجال التعليم والتوجيه نحو التعلم الإلكتروني.

جودة التعليم في مصر:

أنشئت الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد بالقانون رقم (82) لسنة 2006 برئاسة الجمهورية، وينص القانون على أنَّ هذه الهيئة تتمتع بالاستقلالية وتكون لها الشخصية الاعتبارية العامة، وتتبع رئيس مجلس الوزراء، ويكون مقرها مدينة القاهرة، وللهيئة أن تنشئ فروعًا لها في المحافظات.

كما أصدر السيد/ رئيس الجمهورية قرارًا رقم 25 لسنة 2007 بإصدار اللائحة التنفيذية لهذا القانون. تعد الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد إحدى الركائز الرئيسية للخطة القومية لإصلاح التعليم في مصر، وذلك باعتبارها الجهة المسؤولة عن نشر ثقافة الجودة في المؤسسات التعليمية والمجتمع، وعن تنمية المعايير القومية التي تتواكب مع المعايير القياسية الدولية لإعادة هيكلة المؤسسات التعليمية وتحسين جودة عملياتها ومخرجاتها على النحو الذي يؤدي إلى كسب ثقة المجتمع فيها، وزيادة قدراتها التنافسية محليا ودوليا، وخدمة أغراض التنمية المستدامة في مصر([1]).

منذ ذلك الوقت ساد توجه عام داخل مؤسسات التعليم نحو العمل وفقًا للمعايير الدولية القياسية للجودة والتطوير المعتمدة من قبل الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد، حيث عملت مؤسسات التعليم العالي والتعليم ما قبل الجامعي والتعليم الأزهري على إنشاء مراكز ووحدات تختص بوضع وإدارة ومتابعة نظام للجودة والتطوير في المؤسسات الحكومية والخاصة،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

التحول من الاعتماد المؤسسي إلى الاعتماد البرامجي

واهتمت الهيئة بوضع المعايير القياسية الدولية للجودة المؤسسية والتي استقرت مؤخرًا على كونها اثني عشر معيارًا، ومدت المؤسسات المهتمة بعملية الجودة بهذه المعايير، تلك التي تمثل الحد الأدنى من المطلوب للحصول على اعتراف الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد بأن المؤسسة تسير في طريق تحقيق جودة التعليم، ومن ثم تستحق الاعتماد.

ووفقًا لتوصيات بعض المؤتمرات المحلية والدولية في مجال الجودة، توجهت الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد إلى التحول من الاعتماد المؤسسي إلى الاعتماد البرامجي، وهو اعتماد برنامج دراسي يمنح درجة علمية، وليس اعتماد مؤسسة بأكملها تحتوي على عديد من البرامج.

الأمر الذي ترتب عليه تعديل معايير الاعتماد بما يتناسب مع البرامج التعليمية، فأصبحت معايير اعتماد برنامج دراسي في مؤسسات التعليم العالي العام أو الأزهري أحد عشر معيارًا، ثلاثة منهم تختص بالقدرة المؤسسية، والثمانية الآخرون يختصون بالفاعلية التعليمية.

معايير جديدة لجودة التعليم والتعلم:

وأمر التحول إلى الاعتماد البرامجي يدعونا إلى التفكير في أمر ضرورة وضع معايير جديدة للتعليم والتعلم الإلكتروني تختلف بعض الشيء عن معايير اعتماد برنامج تعليمي تقليدي.

وإذ نعود إلى سؤالنا الذي طرحناه في مقدمة هذا المقال والمتمثل في: هل نظام التعليم الهجين والتعلم الذاتي يلبي الاحتياجات اللازمة ويحقق نواتج التعليم المستهدفة أم لا؟

يؤسفني القول أنَّ الإجابة عن هذا السؤال تتطلب دراسة وافية من القائمين على الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد، لأنه لا يمكن لأي واحد منا الإجابة عن هذا السؤال سوى وفقًا لوجهة نظره الخاصة المبنية على معاييره الذاتية وتقييمه الشخصي.

لكن الإجابة السليمة عن السؤال سابق الذكر تتطلب وجود معايير يمكننا من خلالها قياس مدى توافق نواتج التعليم الهجين والتعلم الذاتي مع نواتج التعليم والتعلم المستهدفة من البرنامج. الأمر الذي يدعونا إلى السؤال عن الجهة المخول لها وضع معايير قياسية مرجعية للتأكد من أن جودة التعليم والتعلم في جمهورية مصر العربية تتوافق مع المعايير القياسية المعمول بها دوليًا، ومنها التعليم والتعلم الإلكتروني بشقيه النظامي والذاتي.

والإجابة البديهية أنَّ الجهة المخول لها ذلك هي الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد.

ما يجب على الهيئة فعله

من ثم فالأمر الذي أطرحه في مقالي هذا هو رؤية ترى ضرورة قيام الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد بدراسة متقنة للتعليم والتعلم الإلكتروني في العالم، لتحديد المعايير القياسية اللازمة لتحقيق جودة التعليم والتعلم الإلكتروني في مصر،

تلك المعايير التي تمكننا من وضع نظام لجودة العملية التعليمية يضمن تحقيق نواتج التعليم المستهدفة ويشمل عملية التحسين والتطوير المستمر، الأمر الذي يجعلنا ننتقل تدريجيًا إلى التحول الرقمي الكلي في مجال التعليم بثقة وقدرة، والذي يترتب عليه كذلك الانطلاق نحو رواج الجامعات الإلكترونية الموفرة للوقت والجهد والمال.

كما يجب أنْ تحدد الهيئة بعض المعايير القياسية المحددة بدقة، التي تمكننا من الحكم على برامج التعلم الإلكتروني غير النظامية، من حيث مدى جودة المادة العلمية المقدمة، وقدرة المدرب أو المحاضر، والأدوات والوسائل المستخدمة في عرض المحتوى والتفاعل معه.

فالمطلوب بإيجاز شديد هو وضع معايير محددة ودقيقة تمكن الأكاديميين وغير الأكاديميين _في عصر التحول الرقمي والتعليم والتعلم الإلكتروني_ من الحكم على برنامج تعليمي، سواء أكان مؤسسيًا أو فرديًا، من حيث كونه جيدًا أو رديئًا، ومن ثم الالتحاق به من عدمه.

[1]– الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد، https://naqaae.eg/

اقرأ أيضاً:

التعليم الإلكتروني وفوائده في العملية التدريسية

استراتيجيات التدريس الفعال وأهميتها

جائحة كورونا التحدي.. والاستجابة

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

د. وائل صبره

عضو هيئة تدريس بجامعة سوهاج، مدرس الفلسفة ومناهج البحث كلية آداب