منطق الاختيار الصعب.. من الأولى بالبقاء؟!
تجربة فكرية مستوحاة من فيلم «الفلاسفة» The Philosophers أو «بعد الظلام» After The Dark (2013). تدور أحداث الفيلم حول مجموعة من الطلاب المنتسبين لمدرسة دولية بجاكرتا، وهم في سنتهم الأخيرة في صف الفلسفة قبل الالتحاق بالجامعة. يتمتع هؤلاء الطلبة بذكاء عالٍ وثقافة عميقة، ويتناقشون معا حول تجربة فكرية (ماذا لو؟) طرحها أستاذهم «زيميت» Mr. Zimit ليختبر قدرتهم على التفكير الاستدلالي المنطقي الذي تعلموه طوال سنوات دراستهم.
وتجري التجربة على النحو التالي:
لو افترضنا أن ثمة انفجارا نوويا سيدمر الأرض وكل من عليها، وأن ثمة ملجأ قد بُني وتم تجهيزه بكافة مقومات الحياة، بما في ذلك أنابيب الأكسجين والمواد الغذائية والماء وغيرها، لحماية البعض من الانفجار والإشعاعات الناجمة عنه.
لكن هذا الملجأ بمقوماته لا يكفي سوى لعشرة أشخاص، بينما يصل عدد الطلاب إلى عشرين طالبا بالإضافة إلى الأستاذ (يمثلون مجمل أهل الأرض)، وعلى كل طالب أن يختار بطاقة من صندوق، كتب عليها الأستاذ مهنة له، يقوم من خلالها مع زملائه بتقييم أحقيته في دخول الملجأ والبقاء، ليصبح نواة لبشرية جديدة بعد عام من الانفجار النووي (بما يُشبه سفينة نبي الله نوح عليه السلام)، بينما يحتفظ الأستاذ لنفسه ببطاقة عليها معلومات مهمة عن كيفية خروجهم من الملجأ.
أي الناس أحق بالبقاء؟!
التحدي المنطقي هنا هو معرفة أحق الناس بالبقاء وفقا لمهنهم وإمكانياتهم اللازمة لبدء الحياة الجديدة. إن منهم العسكري، الطبيب، الشاعر، الموسيقي، المهندس، السياسي، النجار، القاضي، العالم الكيميائي أو الفيزيائي أو البيولوجي، المنطقي، عارضة الأزياء، الراقصة أو الممثلة.. إلخ.
ويمضي الفيلم طارحا كل الخيارات ومبرراتها مفتوحة، فضلا عن مناقشة أبعادها المختلفة المتمثلة فيما يتمتع به صاحب كل مهنة من إيجابيات فرعية، كالقدرة على الإنجاب، الذكاء، القوة الجسدية.. وكذلك السلبيات التي قد تعوقه، كالإصابة بالمرض، أو حمل جينات مرضية متنحية، أو تغليب لجانب العاطفة.. إلخ.
بغض النظر عما انتهى إليه الفيلم، وتأكيد الأستاذ على أن الحصول على تقدير «ممتاز» هو أكثر الأشياء ندرة في تاريخ تدريس الفلسفة (قارن في ذلك تقديرات طلابنا)، فإن التجربة في حد ذاتها هي إحدى الوسائل الفعالة المتبعة في الغرب (علنا أو ضمنا) لرسم سياسات المستقبل في إطار الصراع الحضاري.. هيا نطبقها على أنفسنا.
لنفرض أن ثمة انفجارا نوويا كهذا يهدد الوطن، وأن ثمة ملجأ قد بني وتم تجهيزه لبقاء عدد ممن سيضطلعون بمهمة بناء الوطن من جديد بعد فنائه، وأن استفتاء شعبيا قد أجري بهدف الاختيار، فمن ستختار من أصحاب المهن المذكورة؟ وما هي شروط اختيارهم؟
مع استبعاد تدخل الفئات الآمنة حاليا والمميزة اجتماعيا وسلطويا، ومع عدم إهمال الانقسامات الدينية والأيديولوجية التي يموج بها مجتمعنا!
الإجابة تحدد مدى منطقية درجات التصنيف الاجتماعي في الوطن!
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
اقرأ أيضاً:
مجتمع الموتى – هل من سبيل لإحياء مجتمع كثرت خطاياه؟