أسئلة عامةقضايا وجودية - مقالاتمقالات

ما هو الشر

“الشر” ربما هو المعضلة الأكبر لدى البعض في نظرتهم لوجوده من حولهم، فلماذا لا يوجد عالم يسوده الخيرات لا توجد به شرور؟ هذا السؤال يداعب بعضنا وخصوصا في فترات المحن وعند رؤيتنا لبعض أوجه القصور والخلل حولنا، لذلك علينا أن نبحث في الأمر.

تعريف الشر

كما أن الظلام لا يُعرف إلا بمعرفة النور، ولا يُعرف البارد إلا بمعرفة الحار، فإن معرفة الشر لا تكون إلا بمعرفة الخير، والخير هو كل كمال وجودي، فالعلم كمال إذن هو خير، والصحة كمال وخير، والجمال كمال وخير،

إذن فالشر هو كل نقص، فالجهل -وهو نقص العلم- شر، والقبح -وهو نقص الجمال- شر، والظلم -وهو نقص العدل- شر، أو يمكن القول بصورة أدق أن الشر هو عدم الخير. لذا يرى الفلاسفة والحكماء أن الشر لا وجود حقيقي له على الأغلب، فهو عدم وانعدام للخير.

تختلف الأمور باختلاف رؤيتنا لها

ما هو الشر

ولكن هناك من الشرور ما هو حقيقي وملموس كما قد يُشكل البعض، كوجود الزلازل والبراكين والفيروسات، ولمعرفة الرد على ذلك دعني أخبرك بقصة قصيرة. أحكي لكم موقفًا.. بينما كنا في انتظار بقرة أن تضع مولودها كان معي صديقان:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

صديق رأى أن منظر الولادة والسائل الذي ينزل من رحم البقرة ويملأ جسد رضيعها يصيبه بالاشمئزاز والقرف، بينما رأى الآخر أن ذلك السائل اللزج وأن تلك العملية ليست مقززة، بل كان شديد التعجب من سلوك زميلنا الأول

وكأنه ينظر له بعين من الدهشة والاستنكار يخلطها إحساس بسذاجة وربما تفاهة الرأي المقابل، وقد بدأ زميلنا بنقد الرأي الآخر حول أهمية ذاك السائل اللزج وجماله من أجل تسهيل عملية الولادة وتيسيرها وحفاظها على الجنين، فهي من النعم التي لا يفهمها إلا من له خبرة بحياة الريف واختلاطه بالدواب ودورة حياتها.

لذلك كان ذلك الموقف لافتا لي حول أن الأمور قد يدركها شخص ما بجهة، فيما يراها الآخر بأنها على النقيض تماما، فما يكون مقززا لأحدهم يراه الآخر مظهرًا للإبداع والجمال. لذلك تختلف الأمور في الواقع وذلك بلحاظ رؤيتنا له وتلك الزاوية التي ندرك من خلالها الأمور.

في باطن الصعوبات الخير والرحمة

لذلك إذا نظرنا بجهة التسرع والسطحية للحكم لوجدنا الأمور على نحو آخر كصديقنا، ولكن إذا نظرنا للأمور بلحاظ آخر سترى الأشياء على نحو جديد،

لذلك تكون كثير من أحكامنا وانزعاجنا ما هي إلا نتيجة لسطحية التفكير وعدم اكتمال المعلومات ونقص الرؤية للأمور، فبما أن المعطيات ناقصة فمن ثم سيصاحبها أحكام ناقصة ومبتورة ومشوهة.

فعلينا قبل أن نصدر الأحكام أن نفهم وأن ندرك الواقع، فإن كل الصعوبات التي تواجه الإنسان قد نُظرت إليها عبر الزمان بلحاظين؛ الأول: أنها الشر، والثاني بأنها عقبة نحاول حلها لنتغلب عليها،

فبدأ البعض بوضع الحلول، ونمت الاكتشافات من أجل حل تلك المشكلات، فالمشكلة تحوي في باطنها الخير والرحمة للإنسانية بوجه عام، وإن حملت في طياتها النقيض على المستوى الفردي.

اقرأ أيضاً:

مارينا والشر الإنساني

الظلام والشر

شرح معضلة الشر

هل خلق الله الشر؟

كما أسلفنا بتعريف الشر فإنه عدم، أي لا وجود حقيقي له كي يصبح له موجد وخالق، أما إذا ما كان السؤال عن خلق الله للشر النسبي، فهي كما اتفقنا قد تكون شرًا من جهة، ولكنها تحمل الخير من جهة أخرى، لذا لا يمكن إطلاق الشر عليها.

لماذا خلق الله الشر؟

ما هو الشر

وهو السؤال الذي يأتي من عدم حقيقي لمعنى الشر، أو ربما يقصد به الشر النسبي، كأن يتساءل البعض ألم يكن من الأولى أن يُخلق خير بلا أي شرور من أي جهة؟ لذلك سأروي لكم قصة في التراث الصيني تتحدث عن الشر:

يروى أن فلاحا كان لديه حصان وكان ذلك الحصان له دور كبير في مساعدة الفلاح في عمله في الزراعة، ففي أحد الأيام استيقظ الفلاح على اختفاء الحصان وكان ذلك بمثابة كارثة لمن يعمل بالزراعة وعين الشر والمصيبة،

ولكن ذلك الرجل الحكيم لم يصدر الأحكام نظرا لعدم علمه بما هي المصلحة، فأتى من حوله ليواسونه ولكنه لم يحزن، وقال لعل ما حدث كان خيرا، وبعد أيام عاد الحصان ومعه عدد من الأحصنة البرية، ففرح مَن حول الفلاح واعتبروا ذلك كنزا،

ولكن الفلاح لم يشاركهم نفس الدرجة من الفرح وقال لعله كان خيرا، وأخذ ابن المزارع بتلك الأحصنة لتربيتها وتهذيبها من أجل أن يجعلها أليفة، وبينما هو يقوم بتدريب أحدها سقط من فوق أحد الأحصنة فكسرت قدماه، فحمله من حوله وقاموا بمواساة أبيه

ولكن الفلاح لم يحزن، واعتقد أن ما حدث ربما به خير لا يعلمه، وبعد أيام قام الإمبراطور بإصدار أوامره بجمع الشباب للحرب فسعى جنده لجمع الشباب، ولما دخلوا القرية وجدوا الفتى وقد كسرت قدماه فتركوه ففرح من حوله لنجاته من الحرب، إلا أن المزارع قال لعله كان خيرا.

أين المشكلة؟

ما نقصده أن الإنسان قد يرى أمرا به الشر ولكنه بعد فترة يرى الخير، وأحيانا لا يرى الخير، ولكنه قد يكون موجودا ولم يدركه بعد، وربما يلح بعضنا على بعض الأمور ويسعى لها لأنه يظنها الخير، فإذا بها هي التي يلقى بسببها حتفه أو تكون سببا في شقائه، وهي ما أكثرها في تاريخ البشرية.

فلا يجب أن نتعامل مع العوائق بنظر الحنق والغضب، بل نتعامل معها بالشكل الصحيح ببذل الجهد ولا نبحث عن النتائج، فربما عدم النتيجة يكون خيرا لنا.

فالشر ما هو إلا في أذهاننا، نظرًا لقصر نظرنا وطريقة تعاطينا معه ولجهلنا، فالظلم والقتل والمرض يدمي القلب، ولكنه في تاريخ الإنسان يكون خيرا لهم بأن يتعلموا كيفية التغلب عليه،

فقد رأينا كم من محتل قام بالقتل والدمار وكان ذلك دافعا لبعض الشعوب الحية لتنهض من غفوتها وتتحرر وتتقدم، وهناك من لم يفعل وهو لم يفعل لخلل به، فالقضية تكمن في إدراكنا ورد فعلنا وليس فيما يعرقل الإنسان في ذاته.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

محمد صابر

مهندس حر

باحث في علوم التربية وفلسفة التعليم بمركز “بالعقل نبدأ”

دراسات عليا في كلية التربية جامعة المنصورة

حاصل على دورة إعداد معلم (TOT) من BRITCH FOUNDATION TRAINING LICENSE المعتمد من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة

حاصل على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية