ماذا لو كان هناك ما هو أفضل من الحلوى ؟
ابنة أخي البالغة من العمر خمس سنوات تحب نوعاً معيناً من الحلوى ، ما إن تأتي إلينا إلا وتتجول يميناً ويساراً باحثة عنها لتأكلها وتستمتع بها، وفي يوم من الأيام كعادتها بعد البحث الطويل وجدت الحلوى وهمت بأكلها ولم تلتفت إلى نوع آخر من الحلوى -ألذ وأشهى- كان موضوعاً بجانبها.
فرغم أن هناك حلوى أفضل أمامها لم تعرها اهتماماً، واختارت الحلوى التي ألفتها واعتادت عليها.
الأمر يبدو طبيعياً للوهلة الأولى، ولكن بالقليل من التأمل في موقفها واختيارها، شعرتُ أن حالها يشبه حال الكثيرين منا!
الكثير منا يضيع فرصاً هائلة يستطيع بها أن ينال قدراً أكبر من السعادة؛ فقط لأنه اعتاد المستوى الأقل ولا يسعى لما هو أفضل.
الاعتياد السائد
فمثلاً تتزوج الفتاة وتحصل على الأطفال وتفني حياتها في تربيتهم، ثم تشتكي من صعوبة الأمر ومن سلوكيات الأطفال الخاطئة وضياع جهودها بلا طائل، ولكنها لا تلتفت أن التربية تحتاج إلى تعلم علوم ومعارف تساعدها على فهمهم واستيعابهم وإلى فنيات وآليات مختلفة، تحقق بها الطرق المثلى للتعامل معهم في مختلف أعمارهم لبناء شخصيات سوية متزنة.
هذه الأم اعتادت وضعاً معيناً جعلها تغفل عن وجود مستوى أعلى يحقق لها قدراً أكبر من السعادة.
يظل الشاب يسعى طوال حياته لجلب المال، فيقضي حياته كلها باحثاً عن المزيد والمزيد منه، ثم يجد نفسه فجأة وقد تجاوز الستين من العمر دون أن يحيا الحياة السعيدة التي كان يأملها. لم يلتفت أن المال وحده لا يجلب السعادة وأن حياة الإنسان أرقى من مجرد سعي لتراكم الأموال؛ لتضيع حياته سدى.
هذا الشاب اعتاد السائد حوله دون أن يفكر قليلاً في الأمر.
تفكُّر ساعة واحدة يُجنب الإنسان التيه والضلال
إنه الاعتياد على الأوضاع دون تفكر فيها، ضرب من الغفلة يمس الإنسان فيشقى دون أن يدري!
ربما لو انتبهت ابنة أخي للنوع الآخر من الحلوى وتساءلت عن مذاقه لنالت سعادة أكبر، وربما لو أدركت الأم أن التربية تحتاج إلى معارف وفنيات، لا مجرد اجتهادات عشوائية لوصلت إلى مستوى أفضل من السلوكيات وسعدت، وربما لو فهم الشاب حقيقة الحياة لما أضاعها وراء ما لا يستحق على حساب الأولى والأهم.
ربما تفكُّر ساعة واحدة يُجنب الإنسان سنوات عديدة من التيه والضلال.
ما الذي يجعلنا إذاً نغفل؟
تتعدد الأسباب ولكن يمكننا ردهم جميعاً إلى سبب واحد مشترك، ألا وهو الجهل.
” الجهل أصل كل الشرور “
أفلاطون
الجهل عدو عظيم يمنع الخير عن الإنسان، وكلما اعتاده الإنسان وألِف وجوده وتقاعس عن مقاومته؛ كلما يسّر سبل شقاؤه وتعاسته.
فابنة أخي تجهل أنواع الحلوى الأخرى فلم تتعرف عليها رغم وجودها.
والأم تجهل أن التربية ليست فطرية كغريزتها الأمومية، وتحتاج إلى تحصيل وفهم وفن واجتهاد.
والشاب يجهل حقيقة السعادة الدائمة وآليات الوصول إليها.
ما أكثر ما نجهل! وما أعظم ما يفوتنا من منح وعطايا بسبب هذا الضيف اللصيق بنا!
وما سائر الأعمال إلا ضلالة .. إذا لم يكن للعالمين بها علم
وما الناس دون العلم إلا بظلمة .. من الجهل لا مصباح فيها ولا نجم
فهل يهتدي إلا بنجم سمائه .. إذا ما بدا من أفقه ذلك النجم
ابن مشرف
اقرأ أيضاً:
النص والعقل، يتكاملان أم يتعارضان؟ .. الرفيق قبل الطريق