مقالات

اكتشاف آثار حياة عضوية معقدة على أحد أقمار زحل!

من فجر الزمن وبداية التاريخ، دايمًا السؤال اللي كان بيؤرق الجنس البشري كله، هو اللغز الأزلي اللي محدش أبدًا لاقيله إجابة، هل إحنا لوحدنا فعلًا في الكون الواسع دا؟ ولا ممكن في مكان تاني وعالم تاني مشافتهوش عين بشر، يكون في كائنات تانية مختلفة عن أي حاجة نعرفها؟!

من ساعة ما بدأت التكنولوجيا تتطور وتتقدم، وبدأ عصر استكشاف الفضاء في أوائل الستينيات، واحنا بننقب وندور في كل حتة نقدر نوصلها أو نرصدها في الفضاء، بحثًا عن أي أثر ولو صغير يقدر يدلنا على وجود حياة حقيقية خارج حدود الأرض، ولسنين طويلة، كل جهود البحث دي موصلتناش لأي نتيجة، وكل حاجة شفناها كانت بتقول وتأكد إننا لوحدنا تمامًا.

بس فجأة ودون مقدمات، كل دا اتغير والوضع كله اختلف تمامًا، ودا عشان إحنا لقينا مكان تاني في الكون وخارج حدود الأرض، موجود عليه كل العلامات والآثار اللي بتأكد إن ممكن يكون في نوع من أنواع الحياة العضوية المعقدة اللي عايشة جواه!

المكان اللي رصدنا فيه العلامات المذهلة دي قمر من أقمار كوكب زحل، ويعتبر واحد من أغرب الأماكن اللي ممكن تتخيلها في حياتك، واللي ظروفها البيئية مختلفة عن كوكبنا تمامًا.

حضر بقى كوباية شايك الحلوة ونعناعك، وتعالى معايا النهاردا أحكيلك الحكاية المذهلة دي كلها من البداية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بص يا سيدي، الحكاية كلها بدأت مع إطلاق مسبار كاسيني سنة 1997، واللي كان عبارة عن مشروع مشترك ما بين ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية، واشترك في العلم اللي استعملوه فيه دول كتير بيوصل عددهم لـ27 دولة.

المهم بقى إن المسبار دا كانت مهمته الرئيسية دراسة كوكب زحل وأقماره، اللي تعتبر أكبر عدد أقمار لأي كوكب في مجموعتنا الشمسية، بإجمالي 142 قمر، وفي رحلته الطويلة لطريقه إلى زحل، قدر المسبار دا يدرس ويرصد كواكب تانية ويبعت معلومات مهمة جدًا ساعدتنا في فهمها أكتر. زي الزهرة والمشتري وغيرهم، بس مش دا المهم، المهم فعلًا اللي شافه المسبار دا بعد فترة لما وصل إلى زحل أخيرًا سنة 2004!

المسبار دا يا سيدي فضل سنين طويلة يدرس زحل وأقماره ويبعت لينا داتا مهمة جدًا، ومن ضمن الداتا دي حاجة اكتشفها سنة 2005 وأذهلت علماء الفلك كلهم، اكتشف إن واحد من أقمار زحل، اسمه إنسيلادوس (Enceladus)، متغطي بالكامل بطبقة سميكة من الجليد، تحتيها محيط شاسع من المياه بيغلف القمر كله، وأعمق بكتير من المحيطات الموجودة هنا على الأرض!

مش بس كدا، دول اكتشفوا إن القمر دا بيطلق نوافير ضخمة جدًا من المياه المالحة والتلج والبخار للفضاء بسرعة وضغط رهيبين بتوصل لأكتر من 360 لتر في الثانية الواحدة!

سبب انطلاق النوافير دي إن جاذبية زحل العملاقة بتضغط على قشرة القمر نفسه، فبتتسبب في زيادة حرارة المكونات الصخرية اللي جواه لدرجة ضخمة جدًا، وبينتج عن دا زيادة حرارة المياه لحد ما بتوصل لمرحلة هايلة من الضغط بتخليها تنفجر من التشققات الموجودة في القشرة الجليدية للكوكب!

لما عملوا تحليل طيفي للداتا اللي بعتها المسبار للنوافير أو الـ(Geysers) دي زي ما بيسموها، لقوا إن موجود في قلبها مركبات عضوية (organic molecules)! والمركبات دي ممكن جدًا تكون نابعة من كائنات حية موجودة في أعماق المحيط دا!

دا علشان جوة محيط المياه الضخم دا، رصدوا 5 مكونات من أصل 6، يعتبروا العوامل الأساسية اللي بتحدد وجود أي حياة عضوية على أي كوكب، سواء كانت حياة بتعيش على اليابس أو جوة البحار والمحيطات، العوامل دي: الكربون، الهيدروجين، الأكسجين، النيتروجين، الكبريت.

اقرأ أيضاً: هل تم اكتشاف آثار حياة في كواكب المجموعة الشمسية؟!

طبعًا زي ما أنت متخيل، الاكتشاف دا في وقتها قلب مجال علم الفلك كله رأسًا على عقب زي ما بيقولوا، وجذب كل المختصين في مجال الـ(SETI) اللي هو مجال البحث عن الحياة الذكية غير الأرضية، عشان كان معناه إن ممكن جدًا يكون في حياة جوة المحيط دا إحنا منعرفهاش ولا عمرنا كنا نتخيل وجودها قبل كدا!

المهم بقى إن فضل الاكتشاف دا فترة طويلة بيدرسوه ويبحثوا فيه، وبعدين وجهوا المسبار للعبور جوة واحد من النوافير دي، عشان يحلل المياه بتاعتها مباشرة سنة 2008، وبالفعل عبر المسبار جوة واحد منها في قلب حلقة من حلقات زحل، وحلل مكوناتها كلها، وبعدين أرسل الداتا بتاعته إلى الأرض، واشتغلوا عليها لفترة طويلة لحد ما لسه من قريب، وتحديدًا يوم 14 يونيو اللي فات، نشروا دراسة بحثية بتقول إنهم بالفعل لقوا العنصر السادس والأخير، الضروري لوجود أي حياة عضوية في أي مكان في الفضاء!

المركب دا هو الفوسفور! تحديدًا واحد من ضمن أشكال الفوسفور اسمه الفوسفين! ودا العنصر الأهم في رحلة البحث عن أي نوع من الحياة في أي مكان في الكون، لإنه يعتبر بصمة مهمة جدًا وشبه مؤكدة، لوجود كائنات عضوية بتطلق العناصر دي أو بتتغذى عليها!

الفكرة إن الاكتشاف دا توصلوا إليه من الداتا اللي لقطها مسبار كاسيني، وتأكد كمان بما لا يدع مجالًا للشك لما وجهوا تليسكوب جيمس ويب للقمر دا ورصد الفوسفين مباشرة من تقريبًا شهر ونص كدا! يعني الموضوع مبقاش مجرد احتمالية بوجود الفوسفين، لأ دا وجوده مؤكد بما لا يدع مجالًا للشك!

المذهل بقى إن بناءً على الحسابات والبيانات اللي وصلولها من المسح الطيفي ونتايج الرصد المباشر، فنسبة الفوسفين في محيط إنسيلادوس أكبر من نسبته في محيطات الأرض كلها مجتمعة، بأكتر من 1000 مرة كاملة!

لو جيت وسألت نفسك طب إزاي ممكن يبقى في كائنات عايشة في مكان زي دا، وفي ظروف بيئية صعبة جدًا بالشكل دا، فخليني أفكرك بشكل المحيطات الموجودة على الأرض، وكمية الأشكال البحرية الموجودة على أعماق كبيرة جدًا ميستحملهاش بشر أو حتى معدات صناعية أو غواصات.

لحد النهاردا إحنا منعرفش الغالبية العظمى من الموجود في المحيطات، ومعندناش فكرة عن جزء كبير من أشكال الحياة الموجودة فيه، لدرجة إن العلماء بيقدروا نسبة أشكال الحياة البحرية اللي اكتشفوها بالفعل، بأقل من 15%! فتخيل أنت بقى إيه اللي ممكن يكون موجود في عالم كامل تاني بيتكون بالكامل من محيط عملاق وأعمق من المحيطات الأرضية بأضعاف!

الأغرب من كل دا كمان، واللي هيذهلك حرفيًا لما تفكر فيه، إن بسبب نسبة الفوسفين الضخمة جدًا دي، فأشكال الحياة اللي ممكن تبقى موجودة هناك غالبًا هتبقى أكثر تعقيدًا من الموجودة هنا على الأرض بكتير، وممكن يوصل الأمر لإنها تكون حياة ذكية ومفكرة كمان!

تخيل إنت شكل حياة زي دي ممكن يبقى عامل إزاي! الكائنات اللي بيفترض وجودها هناك دي لو طلعوا أذكياء وبيفكروا فعلًا، فهما ممكن جدًا يكونوا معندهمش فكرة إن في حاجة اسمها كوكب وفضاء وشمس من الأساس! عشان هما هيبقوا قضوا حياتهم كلها محبوسين تحت طبقة الجليد السميكة دي، في قلب محيط عملاق، وعمرهم ما شافوا إيه اللي موجود بره منه!

يعني في النهاية، إحنا دلوقتي عارفين ومتأكدين تمامًا إن القمر إنسيلادوس صالح للحياة، وممكن جدًا تعيش فيه كائنات بحرية، ولو رمينا فيه كام سمكة أرضية وسبناهم كام سنة، فهما هيعيشوا ويتكاثروا ويملوا المحيط كله!

في الفترة اللي جاية، اقترحوا مشروع جديد وطموح بيهدف لتصميم مركبة فضائية جديدة شبه كاسيني كدا، بس المرة دي هتكون مهمتها الهبوط على القمر إنسيلادوس والحفر في القشرة الجليدية لحد ما توصل للمحيط وتدخله عشان تدرسه مباشرة وتشوف إيه اللي مستخبي جوة!

اقرأ أيضاً: هل وجدت ناسا حياة ميكروبية على المريخ وقتلتها بالخطأ؟!

المشروع دا اقترحه علماء وخبراء في ناسا، وحاليًا بيدرسوه، ولو خد موافقة نهائية فهو متوقع إنه هتشترك فيه وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) كمان، وغيرهم من وكالات الفضاء العالمية اللي هيتسابقوا عشان يبقوا جزء من المشروع دا، واللي ممكن يبقى أهم مشروع علمي في القرن الـ21 دون مبالغة!

فتخيل إنت لو في يوم من المستقبل وصلنا لهناك فعلًا، تفتكر إيه اللي ممكن نشوفه ونلاقيه هناك؟!

هل المحيط الشاسع المليان بكل وسائل وعناصر الحياة العضوية دا هيبقى فاضي فعلًا ومفيهوش أي حاجة، وبكدا تبقى الحياة دي نادرة جدًا لدرجة إنها محصلتش غير على كوكب الأرض بس؟!

ولا ممكن نلاقي نوع كامل وجديد من الوجود غير كل اللي إحنا نعرفه أو نسمع عنه، وتطلع في شعوب وأمم كاملة من الكائنات البحرية اللي عايشة هناك؟! واللي هيتصدموا صدمة عمرهم لما يشوفونا لأول مرة، خصوصًا إنهم مش هيبقوا عندهم أدنى فكرة إن في حاجة موجود بره طبقة الجليد أصلًا، ولا فاهمين يعني إيه فضاء أصلًا!

كأن بالظبط فجأة ظهر في عالمنا إحنا كائنات تانية غريبة ومختلفة عن أي حاجة نعرفها أو نتخيلها، وقالولنا إنهم جايين من مكان خارج حدود الكون أصلًا، إحنا مكناش نعرف إنه موجود من الأساس، وفوق حدود استيعابنا تمامًا!

الأسئلة كتير، والاحتمالات أكتر، وفي النهاية محدش هيقدر يعرف أو يتأكد بشكل حاسم إلا لما نوصل هناك فعلًا.

ساعتها يا إما هيخيب أملنا ويجيلنا إحباط، يا إما هنتصدم صدمة عمرنا، وهيتغير كل حاجة نعرفها عن الكون وموقعنا فيه للأبد!

مصادر:

https://www.popularmechanics.com/science/a35470439/is-china-building-a-time-machine/

https://thedebrief.org/no-china-did-not-build-a-time-machine/

https://www.giantfreakinrobot.com/sci/china-time-machine.html

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. محمود علام

كاتب روائي وباحث، وسيناريست