تأثير المزيكا في الشعوب وتشكيلها للوعي الإنساني الحديث في عصور ما بعد الحداثة
المزيكا اللي بنسمعها حوالينا هي عبارة عن “دوشة” مُحاطة بشوية كلمات مكتوبة، تفتكر؟ لأ طبعًا المزيكا من بواطن الأمور اللي تقدر من خلالها تفهم طبيعة المُجتمعات ومناهج التفكير اللي بتغزو الوعي الجمعي استنادًا للوعي الفردي ودون أي مرجعية.
تقدر تقول هي حالة عشوائية بمُجرد ما بتنسجم مع بعضها وتبدأ تبني خط مُستقيم، بتخلق خط فكري مُمتد وجديد لحد ما يتخلق خط مُوسيقي جديد نتاج شوية عشوائية بيحصلوا في النُص فبيتجمعوا ويتم تنسيقهم لفكرة جديدة وتيار مُوسيقي جديد. ده كُله تعبير حاد عن المزاجية الاجتماعية ومدى تطور الوعي الجمعي واتساقه بالانفتاح العالمي.
عشان نروُح لعُمق الموضوع ونعمل عظمة مش هينفع أكلمك عادي وأقولك تسويق وTrend وخلاص..
ما هي ثقافة البوب؟
بُص يا رفيق، الـPop culture هي ثقافة خلقتها مزيكا البوب في أمريكا بسبعينات القرن الماضي، مزيكا أسرع والإيقاع بتاعها حلو، وأكثر حداثة وبتعبر عن جيلها، وكلامها مكتوب بحرفيّة أكتر، والأهم من كُل ده إنها بترقص. تأثير المُطربين وقتها على الناس كان مُرعب، بيلبسوا لبس مُختلف وتعبيراتهم حديثة، وإحساساتهم اللي بيقدموها على المايك أعلى من المُعتاد.
أبرز معالم ثقافة البوب
ووقتها تغيّرت حتى المُصطلحات اللي بيتكلم بيها الناس بالشارع عشان تُطابق مُوجة الـPop الحديثة. التغيير ده نتج عنه كتير من المُعطيات الثقافية زيّ “كُتب وأفلام” وغيره، اتولد مع الحاجة للمُواكبة العصرية.
في عالم الموضة
وأكيد طبعًا أزياء الأمريكان في الفترة دي تأثرت بشكل مُباشر بمظاهر نجوم الـPop دول، وأشهر ظاهرة كانت Elvis Presley ، اللي قدم Look أو إطلالة مُغايرة تمامًا عن المُعتاد.
وقتها ظهر ناس كتير حاولت تقدم نفس الإطلالة وتقلدها بحذافيرها، ومن عنده اشتهر كتير من الـPop Stars إنهم قادرين على التأثير في الثقافة الشعبية وبمُشتملات الثقافة دي بعيدًا عن الأزياء كمان، كان شكل الجسم، تسريحات الشعر.
في عالم التسويق
وهنا اتجهت شركات الإعلانات للاعتماد على “تأثير” النجم، وبما إننا بنتكلم وقتها في غياب الإحصاءات والدقة الحاسُوبية، فإحنا كُنا قُدام عشوائية شديدة، واستغلت شركات الإنتاج ده جدًا وقتها في إنها تعلّي نجم على حساب التاني، واستغلال الخاصية دي في تقديم ثقافة استهلاكية أكتر للشعوب.
في عالم الفن
وبقت النجوم دي بتضاعف مبيعاتهم فعلًا، وبيخلقوا مُوضة خاصة بيهم ويحققوا منها ربح مادي كبير، وأكبر مثال كان Michael Jackson، في الوقت ده كان الوجه الدعائي لأكتر من ماركة تُجارية،
وساهم بشكل كبير في تكوين مُستقبل الفن الحالي، ووقتها كان عامل زي صرخة في وجه الموروثات الفنية عامةً، لأنه كان دخيل على الـPop، ونتيجة للصراع النفسي اللي عاشه بسبب كونه دخيل على نوعية المزيكا دي.
ومع عالمية الأداءات الفردية للمُطربين المُمثلين لشكل الثقافة دي اتفتحوا على العالم، وهتلاقي تأثُر العرب بيهم كان واضح وجلي، خصوصًا ناس زي عمرو دياب اللي جات له فترة كان فيها بينسخ مزيكا وستايل Enrique Iglesias الإسباني.
إقصاء السود من ثقافة البوب
المُهم إن الثقافة دي وعلى الرغم من إنها مُستحدثة وحصلت بعد انفتاح السُود شوية على الثقافة الشعبية وانضمامهم للوعي الجمعي الأمريكي، إلا إن برضه كان فيه حاجة ناقصة، والـPop Culture مكنتش بتُمثلهم أوي ومش عاملة ربط معاهم نهائي. وبرضه حسّوا أنه تم إقصاؤهم من ثنيات الثقافة دي، وإن اللُغة دي وشكل المُوضة لا يُمثلهم، وعليه اصطنعُوا ثقافة جديدة بمُشتملاتها تعبر عنهم بشكل أمثل.
وشعوُر الإقصاء ده بيسمّوه عُلماء النفس بالـFomo Panic، اختصارًا لـFear Of missed Out أو الخُوف من الإقصاء، وبتعتمد عليه شركات التسويق في الترويج للمُنتجات،
زي Apple مثلًا، اللي بتشتغل على إنها تحسس المُشترين إن أنتَ اجتماعيًا غير لائق لأنك فوّت شراء الآيفون الجديد. الخوف من النبذ الاجتماعي وحالة الهلع دي بتكون عُنصر أساسي كدافع لشراء المُنتجات الجديدة من شركة Apple حتى لو بالتقسيط أو الاستدانة.
الهلع اللي كان حاصل للسود وقتها كان نابع من نفس الفكرة؛ إنتوا مش معانا في نفس العالم ولا الثقافة الاجتماعية بتاعتنا شبهكم، وده خلق نُوع من الدوافع اللي تخلّي شكل من الثقافات اللي كانت مُنتشرة وسطهم من خلال الوافدين السُود من دولة “جامايكا” يشوفوه كحل سحري إنه يُمثلهم، ومش بس كده لأ يغزوا بيه الثقافة الأمريكية ومنها للعالمية.
ركز معايا..
ثقافة الهيب هوب
كلامي هنا هيكون عن ثقافة الـHip-hop، واللي بدأت من الشارع حيثُ جلسات التنافُس بين المُؤدين لأنها تنتشر وسط الناس في العالم كُله، مع ظهور تحديدًا Tupac وده يا رفيق رابر شهير جدًا، لما تم اغتياله بدأ يوصل إرثه المُوسيقي لمرحلة الأسطورية ويكون شبه الأب الروحي للراب في العالم.
وكانت طريقة لبسهم جديدة وطريقة كلامهم والـLife style بتاعهم جديدة، أكثر تشجيعًا على الخروج عن المألوف وطرح مواضيع أكتر جُرأة وخروجًا عن السُلطة.
لأن اهتمامات الـPop فضلت مُستقاة من الاتجاه الأدبي الرومانسي السائد وقتها اللي كان بيستعرض السلعة الأكثر مبيعًا في العالم وبيستفيد منها جدًا، ألا وهي “مشاعر الحُب”، وأهم حاجة الكلام عن العلاقة بين الحبيب وحبيبته، هجر، فُراق، إعجاب، عشق ووهن، اشتياق، وهكذا..
اقرأ أيضاً:
كيف تؤثر الأغاني على نفوسنا عند الاستماع إليها؟
من بنت الجيران لشيماء يا قلبي لا تحزن!
فن الراب
بس الراب كان غير، واتجاهه العام شخصي جدًا، وهو التعبير عن الغضب الداخلي اللي حاسس بيه السُود، ومُناقشة مشاكلهم الاجتماعية ونبذهم من المُجتمع الأبيض، وخصوصًا إن على عكس الـPop فاللي بيكتب الكلام مكنش شاعر ولا قصايد بتتغنى بـrhythm مُمنهج، وإنما كتابات بتعبر عن الحياة اللي شافها الرابر من دول ومكتوبة بشكل حلو جدًا،
فيه سجع وقافيات، ونمط جاذب للانتباه، لأن السلعة اللي هيبيعوها مش هي أحسن حاجة تتباع، لأن زي ما قولت لك خلاص الـPop مسك السلعة الأكثر وعصرها للآخر والناس مش مُتقبلة منها تاني، حالة شبع مكتومة كده كان ناقصها زقة عشان تعتمد على سلعة جديدة.
فأحسن حاجة تساهم في تسويق الراب، والمواضيع اللي بيطرحها هي الكلمات والبراعة في استخدامها وسُرعة الأداء، والمزيكا الجديدة اللي هي الـBeats اللي بيعملها مُنتج مُوسيقي بشكله الخاص. يعني كل مُنتِج مُوسيقي أو Producer كانت مزيكته شبهه هو مش شبه حد تاني زي البصمة، وده اللي قدمه الراب وقتها.
العلاقة بين الهيب هوب والراب
تجرُبة ذاتية أوي، من جُوّة الشارع جدًا، وبتعبر عن مُؤديها بشكل فردي جدًا، والراب هو جُزء لا يتجزأ من ثقافة الـHipHop عامةً، اللي تُعتبر أشمل وأوسع من الراب كمُجمَل ثقافي وموجة ثقافية شديدة الانحراف.
زيّ ما مكتوب في تقرير قرأته عن الهيب هوب “الهيب هوب هو ثقافة نعيشها، أما الراب هو سرد لما نعيشه”، كلام عن الفقر والجُوع والقهر، والمشاكل اللي بيعيشها السُود من اضطهاد ومُطاردات من الشُرطة والتجارة في الممنوع.
لحد ما بدأ الراب اللي كان كتابته كل ما تكُون شخصية أوي كل ما كانت أكثر رواجًا، وانتقل من الشارع لمنصات المسارح ووصل للعالمية، والرابرز دول بقى معاهم فلوس كتير جدًا ونجحوا نجاح ساحق. واتضاف أسلوب جديد للكتابة في الراب، فكانوا طول الوقت بيقدموا أسلوب الـbragging أو الفخر بمدى قوتهم أو نجاحهم وهكذا.
تطور الراب
بس مع الوقت والتطوُّر اللي حصل للمزيكا بتاعتهم بقوا يميلوا تاني للكلام عن الحبيبة، ولبسهم بدأ يرجع عادي، واتخلوا عن اللبس بتاع الـNBA واللبس الواسع. والفضل في ده يرجع للموُجة الي بدأها Eminem في مطلع القرن الحالي، فإحنا هنا بقى عندنا ثقافتين مُتضادتين بدأوا ينموا ويستقروا وسط الثقافة والوعي الجمعي الأمريكي بالنسبة لجُزئية المزيكا، بس تأثيرهم المُجتمعي ضخم فعلا وقوي جدًا. بس دلوقتي بقى فيه تلاحُم ما بين القوتين دول، يعني بقى عادي تشوف مُطرب Pop أسود أو رابر أبيض.
مزيكا الروك والميتال
المُهم إن مع إفلاس الـPop لفترات كان بيتولد أنواع جديدة من المزيكا زي الـMetal والـRock بأشكاله، واللي بيعتمدوا بشكل أساسي على التعبير عن البيض المرفوضين اجتماعيًا وناقمين ضد المُجتمع، وبيعبروا عن ده بمزيكا صاخبة جدًا اللي أنتَ بتقول عليها صريخ. لبسهم بقى دول كان أكثر تطرُفًا، وبيعتمدوا على تقديم أنفُسهم بشكل أكثر انحرافًا زي Marylin Manson اللي اشتهر بأنه The Antichrist Artist أو الفنان عدوّ المسيح نسبةً لشخصية المسيح الدجال.
الـMetal تحديدًا رمزيته الدينية كبيرة جدًا وبيرجع لأصول الكتابة البدائية وبيعبر عن مُعاناة أسئلة الـOverthinking بتاعة بليل فبيخليه أكثر عُمقًا، اللي بيتكلم عن مواضيع أكثر شمُولية وبشكل أخفّ يقدر يتسمع خارج نطاق جمهور النوع المُوسيقي ده.
مصطلحات جديدة في عالم المزيكا
فأصبح عندنا هجين فني، وحاجات مُستحدثة جديدة، وتقدر تقول إن التنوُّع المُوسيقي المُتسارع ده أضاف مُصطلحات كتير جديدة، زي غزو السود للـPop أضاف برضه مُصطلحات أكتر ومشاكل عاطفية جديدة، وخلانا كناس بنتابع الحركة الثقافية نفهم ونكتشف مدى اتساع المُعاناة أو السعادة من وجهات نظر أجدد وأكثر حداثة.
بس كان استقبالنا لحاجة جديدة ذهنيًا مُستعدين ليه. لما بدأت برامج استضافة النجُوم المُهجنين دول تاخد مُنحنى جديد في إنها بتستعرض حياة النجوم دول، والبدايات بتاعتهم، وقد إيه هُما كانوا أطفال مش جبابرة في الـHigh school زي ما الثقافة الشعبية الأمريكية كانت مُعتقدة لفترة طويلة إن الـNerd people فاشلين وكده، لأ اتضح إنهم جامدين وبقى منهم نجوم كمان.
مع التلاحُم ده حصلت حاجة زي إن الـWeirdness أو الغرابة الاجتماعية بعد ما كانت منبوذة، والـNerd People كانوا منبوذين، لأ بقوا Mainstream وناس كتير شايفاهُم قُدوة، والسلوك الاجتماعي بقى بيعظّم الـNerd People، خصوصًا لما ازدادت مُعدلات الوعي والعلم والأدب بقوا ياخدوا مكانة أقوى، لأن في زمن الحربين العالميتين، العلوم والأدب كانوا تراجعوا كتير على مُستوى التذوّق والاهتمام الشعبوي.
دخول الرموز غير المباشرة لعالم المزيكا
لكن مع امتداد فترات السلام العالمي والاستقرار السياسي بدأنا نشوف تعظيم وتبجيل للفنون والعلوم مرة تانية، وهنا بدأت مُوجة أدبية غريبة شوية، اللي هو كتابات مُوجهة بشكل كبير للفئة الشعبوية الجديدة اللي بقت بتشوف الفن ده حاجة سرمدية أكثر عُمقًا، وبتهتم بالـMeta أو الرمزية غير المُباشرة، زي روايات بتتكلم عن الإله بشكل رمزي، أو أفلام بتحاول توصل لمعنى أعمق عن العلاقات والمشاعر.
وفي الكتابات كانت الـMetaphor أو الاستعارات والكنايات، اللي هو أنا كاتب حاجة مُباشرة بس تحتها رسالة غير مُباشرة بتناقش فكرة أشد عُمقًا، والتناول بقى يتسع، وتزيد الفجوة بين الفهم المُباشر البسيط والتعقيد غير المُباشر.
ونجم الكتابات دي كان العامل النفسي للأفراد، ودي بقت مُوجة جديدة، أن حد يقولك أنا عندي اكتئاب شديد، أو يُعبر عن مدى إحباطه النفسي بكُل أريحية وبقى مفهوم الضغط النفسي أكتر من الأول، وبدأت أفلام وروايات تاخُد الاتجاه النفسي كـMain theme أو صورة رئيسية للأحداث.
وبشكل تقني مُتطور جدًا، مولود من رحِم الثقافة الأوروبية، اللي كانت بتقدم كتابات وأفلام لشريحة كبيرة هي حاجة مش مفهومة وWeird جدًا بس في نفس الوقت حقيقية جدًا، وبتعبر عن الاكتئاب اللي مُنتشر في أوروبا أكتر من أي قارة تانية لطبيعة جوها وبيئتها الباردة.
دور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في انتشار المزيكا
ومع الانفتاح العنكبوتي للإنترنت ووسائل التواصُل الاجتماعي، بدأ الانتشار والتسارُع يكون إيقاعه أكثر سُرعة وأقل ثباتًا، وده ولد نوعية من الثقافة الهجينة أو غير المركزية، ومش قادرين دلوقتي نحدد بدايتها منين ولا نهايتها مُمكن تكون إزاي لأنها مُتسارعة جدًا وكُل يوم فيها جديد بيتقدم.
زي مثلًا شركةDC اللي كانت أبعد ما يكُون عن التصنيف ده، بتقدم اليومين دول في السينمات فيلم The Batman بصورة جديدة أكثر عُمقًا واتجاهها النفسي أشد انجرافًا، والجرأة دي جت من الاتجاه الثقافي العام اللي بيهتم جدًا بالعامل النفسي كرقم واحد في الكتابة.
موسيقى التريند
وارتفعت أسهُم الغرابة الاجتماعية والاكتئاب كحالة نفسية عشان تُشكل رقم واحد كسلعة دلوقتي. المُهم إنهم بدأوا موجة جديدة بقى من الأزياء اللي هيStardom Fashion ، زي إن Lady Gaga تلبس فُستان معمول من اللحم، أو إن Rihanna تلبس من راسها فوق لتحت أسود وتحس أنك واقف قُدام تمثال شمع وكده من الغرابة في اللبس، تعبيرًا عن الحداثة الجديدة والـWeirdness يعني، ومع ظهُور مُصطلح الـTrend، اللي البعض بيعتبره حميد والبعض التاني بيعتبره خبيث.
إلا إنك للبقاء على القمة لازم تعتلي منصات البحث والـTrend أطول فترة مُمكنة، والـTrend شئنا أم أبينا بقى مُؤشر حقيقي على النجاح المُعتمد على الشُهرة، وقياسًا على عدد المُشاهدات بقينا نحدد مين نجم أكتر من التاني،
تأثير المزيكا على الوعي الإنساني
ولو أنت “نجم” فبتكون فُرصة لكُل شركات التسويق، لأن إحنا توارثنا فكرة مُهمة جدًا أشرت لك عليها فوق.. ألا وهي إن النشأة المُوسيقية للبوب خلته تسويقي جدًا، وكُل المُطربين بقوا وجوه إعلامية لنفسهم، واللي بيلبسوه بيلبسه الناس واللي بيقولوه بيقوله الناس، فسعر المُطربين كان عالي جدًا للتسويق، لأن تأثيرهم ضخم.
المُهم إن عوامل الـTrend والحداثة الثقافية وتبجيل الـMeta كشكل ثقافي عميق الفهم، بيشجع على العشوائية بشكل أكبر وبيؤدي للعدمية في ناتجه الأخير.
عشان كده كان لازم تفهم مدى عُمق تأثير المزيكا في الشعوب وتشكيلها للوعي الإنساني الحديث في عصور ما بعد الحداثة.