ما هو اليقين؟ أنواع القياس البرهاني اليقيني والغير يقيني
العقل واليقين - الجزء الأول
ما هو اليقين؟
في دردشتنا السابقة “ما العقل؟ (1)” حدثتُك -صديقي القارئ صديقتي القارئة- عن المعرفة الأولية وأنها تنقسم إلى قسمين: أوائل الحس وبديهيات العقل.
وهي المعرفة التي تقومُ عليها أو تُستمد منها البراهينُ في الاستدلال العقلي المنطقي، ولا يصح شيءٌ إلا بالرد إليها: فما شهدتْ له مقدمةٌ من هذه المقدمات بالصحة فهو صحيحٌ متيقنٌ ومعقول، وما لمْ تشهدْ له بالصحة فهو باطلٌ حتمًا، لأنه غير يقيني وغير برهاني.
وفي دردشتنا الحالية نتحدث عن العقل واليقين، ونحاول أن نجيب عن التساؤل الآتي: ما البرهان؟ وما اليقين؟ وما القياس البرهاني اليقيني؟
اليقين بالمعنى الأعم واليقين بالمعنى الأخص
علينا أن نفرق أولًا بين اليقين بمعناه الأعم، وهو غير مقصود في الفلسفة العقلية والمنطق، واليقين بمعناه الأخص، وهو المقصود في المنطق والفلسفة العقلية.
اليقين بالمعنى الأعم
هو “الاعتقاد الجازم، سواء أكان عن تقليد أم عن دليل، مطابقًا للواقع أم غير مطابق للواقع”. (فعابد البقرة لديه اعتقادٌ جازمٌ يقينيٌ، لكن اليقين ها هنا لا دليل عليه، ولا يطابق الواقع، فيقال اعتقاده يقيني بالمعنى الأعم).
ويقابل اليقينَ بالمعنى الأعم الظنُ: وهو “مطلق الاعتقادُ وإن لم يكن جازمًا”. والتقليد: هو “الاعتقادُ الذي يكون منشؤه تقليد الآخر، ولا يكون عن دليل فإنه يحتمل النقيض”، إذ مع العدول إلى تقليد شخص ثانٍ يتبدل الاعتقادُ الأول، وإن كان معه جزم، كمن انتقل من عبادة البقرة تقليدًا لشخصٍ، إلى عبادة بوذا تقليدًا لشخص آخر.
اليقين بالمعنى الأخص
هو “الاعتقادُ الجازمُ المطابقُ للواقع، الذي لا يحتمل النقيض”. وهذا هو اليقين الذي يبحث عنه الفيلسوفُ ورجلُ المنطق. وهو الذي يهمنا في هذه الدردشة. وعلى ذلك تنقسم الأقيسة إلى قسمين: يقينية وغير يقينية.
أنواع القياس.. القياس اليقيني والغير يقيني
كل قياس إما أن يكون برهانيًا يقينيًا، وإما لا يكون برهانيًا ولا يقينيًا.
القياس غير البرهاني غير اليقيني
القياس الجدلي (الذي يستخدمه رجالُ العقائدِ في مجادلاتهم لإثبات عقائدهم، ومقدمات القياس الجدلي مشهورة وليست يقينية، مثل: أقوال من يحسن الظن به وارتفعت مكانته بين الناس، والمسلمات؛ القضايا التي يسلم بها الخصمُ تسليمًا دون دليل، والغرض منها إلزام الخصوم).
والقياس الخطابي (المؤلف من المظنونات؛ القضايا التي يُحكم فيها حكمًا راجحًا مع تجويز نقيضه المرجوح، والمقبولات من أقوال المشاهير، وأفاضل الناس، مع حسن الظن بهم، مثل الذي يستخدمه الخطباءُ والساسة في التأثير على العامة والجمهور)، والقياس الشعري (المؤلف من المقدمات المخيلة، الذي يستخدمه الأدباء والشعراء في تخيلاتهم الجمالية البديعة)، والقياس المغالطي السوفسطائي (سمتْ الأوائلُ ما أُخذ من مقدمات فاسدة “سفسطة”.
والقياس السوفسطائي الذي يستخدمه المزيفون والمموهون، وهو صفة أهل الشغب والتلبيس المنكبين عن الحقائق إلى نصر الجهل والشعوذة).
القياس البرهاني اليقيني
البرهانُ “قياسٌ مؤلفٌ من مقدمات يقينية ينتج يقينًا بالذات اضطرارًا”. ودعنا نبسط هذا الكلام ليصير سهلًا مفهومًا: قولنا: “البرهان قياس” (أي مكون من مقدمات: كل إنسان يموت “مقدمة” – محمد إنسان “مقدمة”).
وقولنا: “مؤلف من يقينيات” (أي من مقدمات يقينية تعود إلى أوائل الحس وبديهيات العقل، كما سبق وأن شرحنا، في الدردشة: ما العقل؟”2″) وهذا القياس البرهاني “ينتج يقينًا” (أي ينتج نتيجةً يقينيةً: محمد يموت)
وقولنا “بالذات اضطرارًا” (أي ينتج يقينًا تضطرُ النفسُ إلى التصديق به وتضطرُ إلى التسليم له اضطرارًا). وعلى ذلك فالبرهان يقيني واجب القبول، أي يكون التصديقُ به ضروريًا.
والقياس البرهاني هو وحده، من بين جميع الأقيسة الأربعة السابقة، القياس المعتبر عند الفلاسفة العقليين والمناطقة، أما أنواع القياس الأخرى (الجدلي والخطابي والشعري والمغالطي) فهو مرفوضٌ ومنتقدٌ عندهم، لأن جميعَ الأقيسةِ الأخرى هذه لا تؤدي إلى اليقين، أما القياس البرهاني -وحده- فهو الذي يؤدي إلى اليقين.
وهدفُ الفيلسوف الأول وغايته الأساس الوصولُ إلى اليقين. والسؤال الذي يطرح نفسَه الآن: متى يتحقق اليقين وما أركانه؟
هذا هو موضوع دردشتنا القادمة بإذن الله.
اقرأ أيضاً:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا