الخزف الصيني
كما أنّ الدول تُقاس بمدى رُقيها وثقافتها ووزنها المعرفي بالفنون والآداب، فإنّ الدول القوية ذات السيادة تُقاس أيضًا بالتصنيع، وإلا ما سمعنا عن المنتوجات الحريرية الصينية، وما كانت البرتغال وإسبانيا وإنجلترا وفرنسا إمبراطوريات عبر البحار، ولما عرفنا الأقطان المصرية، ولا الماركات العالمية كالساعات السويسرية، والمنسوجات المغربية والإيرانية، ولما كانت ألمانيا متقدمة في الطب والهندسة والأنظمة التكنولوجية.
اشتهرت الصين في القديم بصناعة الخزف الجيد التي تطورت وتدرّجت من صناعة الفخار التي تتوارثها الأجيال المتعاقبة، ولهذا فكلمة الصين لها معنيان، الأول الصين كدولة، والآخر الخزف الذي يرجع تاريخ صناعته إلى نحو ثلاثة آلاف سنة.
احتل الخزف الصينِي مكانة وأهمية كبيرة في التبَادلات الصينِيّة والبلدان الأجنبية عامة والعربية خاصة، فهو يتميز بالصفاء وهدوء لونه، والفخار والخزف مواد محببة إلى الصينيين، لقد بدأ الصينيون بورش للتصنييع ذات الجودة العالية بأنواعه المختلفة وأشكاله الجميلة المُبهرة، وأخذ في التطور في أسرة هان الشرقية، واستمرت مراحل الازدهار في العديد من الأُسر مثل أسرة تانغ، سونغ، ويوان، ومينغ، وتوجد مراكز رائدة معروفة في مقاطعات كثيرة منها (خُبي، وخنان، وتشيجيانج، وقواندونغ، وجيانغشي، وشاندونغ)، واتخذ ألوانًا كثيرة جميلة كالأبيض والأخضر وغيرهما.
جمال الخزف الصيني
ويعتبر الخزف بطاقة التعريف للثقافة الصينِية فهو يحوي معلومات كثيرة عن الجمال لدى الصينِيين، واللون الأزرق في الخزف يمثل الجمال والأَناقة بالمقارنة إلى الأنواع الأخرى، والتي لها أيضًا جمالها وإيحاءاتها وتعبيراتها كالأسود والبنفسجي، والتي تحتوي على المناظر الطبيعية والحيوانات والطيور المحببة للصينيين، وتتعدد الأدوات المصنوعة من الخزف، منها: أدوات الشاي، وأواني الزهور ولوحات الزينة المنقوشة، والمبخرة، والزهرية، والسلطانية، والأطباق، وغير ذلك من الصناعات الجميلة المختلفة الأشكال والألوان.
كان الصينيون يعطون الخزف للزائرين على سبيل الهدايا الخفيفة والثمينة، واتجهوا أيضًا لتصديره وبيعه بأسعار باهظة الثمن، وفي قلب إسطنبول بتركيا يوجد متحف به أكثر من ألف قطعة من الخزف الصيني.
وفي أثناء السبع رحلات للبحّار الصيني الشهير (تشنغ خه) إلى إفريقيا وآسيا الوسطى كان يحمل معه المنتجات المحلية الصينية الرئيسة ومن أهمها الخزف بألوانه وأنواعه الممتعة الجميلة، وانتقلت صناعته بعد انتشاره إلى العديد من بلدان العالم كاليابان وفرنسا والبندقية، ومدريد، وإنجلترا، وهولندا، وبعض البلاد العربية.
أبدع أنواع الفخار “البورسلين”
وما زالت الصين تكتشف أماكن بها خزف قديم مصنوع، والذي يكتسب أهميته من نُدرته وجودته وجماله وقيمته التاريخية وطريقة الحفر عليه والرسوم المُصمّمة والعاج الذي يدخل في صناعته ورونقه ولمعانه، والذي يتميز بسطح مُزجّج مصقول، وكانت دمشق من أشهر البلاد في صناعته،
وتناغمت نقوشه وتألفت من عدّة ألوان منها، الأحمر، والأحمر القرمزي والفيروز، والأخضر الهادئ، وأما الأرضية فبيضاء أو ملونة وكانت الصحاف والأطباق منه محززة الأطراف ومموّجة عليها نقوش.
ومن الخزف الصيني ظهرت كلمة بورسلين وأوّل مَن أطلقها هو الرّحالة الإيطالي ماركو بولو في نهاية القرن الثالث عشر إبّان زيارته للصين، وقد استخدمها في وصفه للعُملة، وأيضًا وهو يصف الخزف والآنية الفُخّارية والحُلِي الجميلة، وأكّد ابن بطوطة على استخدام الصينيين للبورسلين حيث قال: “وهو أبدع أنواع الفخار”.
نشر الثقافة الصينية
إنّ الصين –في غالب الأحيان– لا تنظر إلى الكسب المادي بقدر ما تُركّز على نشر ثقافتها حول العالم، هذا الشعب صاحب التاريخ والحضارة الذي مرّت عليه أوقات صعبة للغاية يريد تعريف العالم بنفسه وثقافته، فلا تضارب بين المنفعة المادية ونشر الثقافة الإنسانية.
إنّ الصبر والعزيمة والإصرار وحب النجاح عوامل ساعدت على صناعة حضارات العالم القديم، وفي ظل العولمة والانفتاح والتقدم اللامتناهي يجب التقارب ودراسة الحضارات المختلفة دراسة متأنيّة واعية لنستوعب الحضارات الأخرى بصدر رحب، ونتقارب ونتفاهم مع أصحابها لنتعرّف على ثقافات وأفكار وأنظمة وعادات وتقاليد جديدة للتخفيف من حدّة التربُّص والتحفّز للإيقاع بالغير، ليعم السلام وينتشر الحب والتعاون والتسامح والوئام.
اقرأ أيضاً:
الثقافة وبناء شخصية الفرد والمجتمع
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.