مقالات

الحملة الفرنسية على مصر

تكلمنا في مقال سابق عن الثورة الفرنسية 1789م والتي يتباهي بها المتأثرون بالغرب كنموذج حضاري يجب الاقتداء به في التغيير والإصلاح، ومن ثمرات هذه الثورة؛ الحملة الفرنسية على مصر والتي كانت عام 1798م بقيادة أحد أبنائها “نابليون بونابرت” والذي ولد عام 1769م بكورسيكا الإيطالية إلا أنها انضمت للمستعمرات الفرنسية قبل ميلاد “نابليون” بأعوام قليلة، الحملة الفرنسية على مصر كان مخططا لها قبل قيام الثورة الفرنسية وذلك في عهد العاهل الفرنسي” لويس السادس عشر” بوجود توصيات ودراسات في أهمية احتلال مصر؛ قام بها دبلوماسيون وتجار ورحالة فرنسيون.

هذا كان في الظاهر؛ مستشرقون يزورون مصر وغيرها من بلاد الشرق ليدرسوا هذه البلاد من كل النواحي ويرسلوا هذه الدراسات لبلدهم ليستفيدوا منها في مخططاتهم للغزو.

تلقفت الثورة الفرنسية هذه الدراسات والتوصيات التي كانت لدى النظام الملكي وعزموا وبيتوا النية على إرسال حملة فرنسية لغزو مصر، وعلى الرغم من العهد الجديد للثورة الفرنسية وما كانت تحمله من شعارات من بينها الإخاء والعدالة والمساواة، إلا أنها ورَّثت العقلية الاستعمارية البغيضة من سالفتها النظام الملكي وجهزت وأعدت للحملة من عام 1789م إلى عام 1798م بقيادة “نابليون بونابرت”.

أهداف الحملة الفرنسية:

خرجت الحملة من ميناء “تولون” وكان تعدادها أربعون ألف من القادة والجنود والعلماء، ولا يعرف بوجهة الحملة إلا “بونابرت” وقلة من القادة للحفاظ على السرية.

ووصلت بالقرب من الإسكندرية في يوليو عام 1798م ولم يبق لنابليون إلا أن يُمارس دَجَله قبل دخول مصر، فقد أشاع “بونابرت” قبل دخوله للبلاد أنه ما أتى إلا ليخلص البلاد من حكم المماليك الظالمين ووعد المصريين بالحرية والعدل، وأنه يحترم شعب مصر ودين شعب مصر وأنه جاء بالتنوير والعلم لأهل مصر والشرق، هذه أهدافه المُعلنة أما أهدافه الباطنة فكانت على العكس من ذلك تماما وهو أولا رغبة نابليون في تحقيق مجد عسكري؛ وهي الرغبة التي لاحقته طوال حياته السياسية وهو المجد الذي تذرع به عندما ذكرته “بيتسي بالكوم” الفتاة الصغيرة التي تعرفت عليه في منفاه الأخير في “سانت هيلانة” وكانت مهتمة بالتاريخ الفرنسي عندما ذكرته بجرائمه، فرد عليها أنه كان رجل ذو طموح ولا سبيل لإدراك هذا الطموح إلا بارتكاب هذه الأفعال.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وثانيا توسيع رقعة الإمبراطورية الفرنسية. وثالثا قطع طرق المواصلات بين بريطانيا ومستعمراتها في الشرق وبالأخص الهند والتي تعتبر درة مستعمرات التاج البريطاني منذ أن كانت تحت سيطرة شركة الهند الشرقية التابعة لبريطانيا.

النتائج الاجتماعية للحملة الفرنسية:

1- معرفة الحضارة الغربية عن قرب

المدافعون عن الحملة الفرنسية من بعض المؤرخين يقولون أن من نتائج الحملة الفرنسية معرفتنا عن قرب للحضارة الغربية مميزاتها ومساوئها، ولا أدري ما هي المميزات إلا إذا كانوا يعتبرون دوي المدافع وطلقات البنادق وحرق قرى بحري والصعيد التي قاومتهم، ودك القاهرة بالمدافع من فوق هضبة المقطم في ثورة القاهرة الأولى ودخول الأزهر بالخيول وتدنيسه ومعاقبة الثوار برميهم من فوق أسوار قلعة صلاح الدين ومن فوق المقطم، وما فعله “كليبر” بالمصريين من جرائم بعد ثورة القاهرة الثانية كل ذلك في عرفهم مميزات.

2- معرفة المصريين بنظام المحاكمة الفرنسي

معرفة المصريين بنظام المحاكمة الفرنسي الذي تجلى في محاكمة سليمان الحلبي. ما الميزة في هذه الوحشية ؟ لو عرفنا الحكم لبطل العجب لا تكافؤ بين الجريمة والعقوبة إلا أنها عقوبة من محتل قاسي القلب مجرم وحش متدثر في صورة الإنسان الغربي المتحضر، فجريمة “سليمان الحلبي” هو قتل “كليبر” بالخنجر في صدره؛ هو مقاوم يقتل محتل، أما العقوبة فكانت ضرب أعناق المتعاونين أمام “الحلبي” وإشعال النيران في أجسادهم، أما “سليمان الحلبى” يعلق من يده التي ضرب بها الخنجر ويصب عليها الزيت المغلي ومن تحته يُوضع “الخازوق” حتي بعد إفلات يده من الحبل بعد أن تكون قد احترقت يقع على الخازوق ويُترك ثلاثة أيام على الخازوق لتأكل الطير من جسمه ،وبعد أن نفذوا الحكم قطعوا رأسه وأرسلوا جمجمته لمتحف الإنسان في “باريس” ويعرض للزائرين حتى اليوم .

3- معرفة الفارق بين أحوال مصر والعالم العربي

معرفة واكتشاف الفرق الشاسع بين أحوال مصر خاصة والعالم العربي عموما والتقدم العلمي والتقني الغربي وكأن المعرفة والاكتشاف لا يتأتّى إلا بالغزو والاحتلال والقتل والتدمير والحرق، لغة القوة لا تربي التفاهمات والمحبة والود، وإنما الكراهية والرفض للآخر المعتدي المحتل، وإلا لاعتبرنا أن “هتلر” كان ينبه العالم على تقدم ألمانيا بغزواته واحتلاله للبلاد الأخرى .

4- بالنسبة للبيوت المصرية

الحملة الفرنسية علمت البيوت المصرية تطهير أفنيتهم وإخراج فرشهم على الأسطح لتطهرها الشمس، وهذا مردود عليه أيضا بضرورة الإطلاع على حال الأوربيين في العصور الوسطى فيما يخص النظافة، ومعروف عنا -نحن الشرقيين- أن أدياننا بها فقة الطهارة ذلك قبل مَقدم الحملة الفرنسية المباركة علينا بآلاف السنين لتعلمنا النظافة .

ماذا عن النتائج العلمية للحملة الفرنسية؟

هذا فيما يخص النتائج الاجتماعية للحملة الفرنسية على مصر، ولقد تكلمت على النتائج العلمية في مقال “الثورة الفرنسية مثال” وبعد الإطلاع والبحث تبين -لي- أن مصر والمصريين لم تستفد علميا من هذه الحملة التي كانت تضم ألفيّ عالما في شتى التخصصات.

وعلى من يريد أن تتكشف أمامه الحجب في التاريخ؛ عليه أن يبحث ويتحرى خاصة فيما يتعلق بالمسائل الوطنية كالحملة الفرنسية مثلا ومحاولات البعض لشرعنة مثل هذه الحملة حتى أنَّ هؤلاء المتحمسون لهذه الحملة احتفلوا بمرور مائتي عام على الحملة الفرنسية عام 1998م، وكان لابد لعدد من الغيورين على بلدهم أن يتحروا ويبحثوا في التاريخ ليكشفوا أمام الأجيال القادمة زيف هذه الحملة وتزوير المؤيدين لها .

اقرأ أيضا:

لماذا يجب علينا مواجهة المادية؟

 الإرهاب المادي الغربي

دور المقاومة الشعبية في التصدي للغاصبين

على زين العابدين

باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة