مقالات

الكريستالات الزمنية .. الكشف الأكثر غرابة في الفيزياء الكمية!

تخيل معايا إن في مجموعة من أكبر علماء الفيزياء في العالم قدروا لأول مرة يوصلوا أخيرًا لابتكار نوع جديد ومذهل من المادة، مش موجود في الطبيعة ومحدش كان يقدر يتخيل حتى إننا نشوفه في يوم، اسمه “الكريستالات الزمنية”.

الكريستالات الزمنية دي تعتبر نوع غريب وغير معروف من المادة، واحدة من ضمن خصائصها المذهلة هي إنها بتناقض وبتكسر قواعد الفيزياء الكمية اللي إحنا نعرفها تمامًا، وبتقدر توحد الأبعاد الأربعة للكون كلهم مع بعض، بشكل أغرب من الخيال حرفيًا!

ده عشان الكريستالات الغريبة اللي عملوها دي، الزمن نفسه مبيعديش عليها ولا بيأثر فيها بأي شكل معروف لينا، وبتفضل في حالة نشاط دائم غير مرتبط بالزمن!

لو دماغك لفت، وعايز تفهم إيه الموضوع بالظبط، وإزاي حاجة زي دي ممكن تحصل، هات كوباية شايك الحلوة والنعناع في إيدك، وركز بقى معايا في اللي جاي عشان هيذهلك فعلًا.

ما هو الكمبيوتر الكمي

بص يا سيدي، الموضوع كله بدأ سنة 2021 لما طلع فريق من أكبر العلماء والباحثين الفيزيائيين من شركة Google، بالاشتراك مع باحثين من جامعات عريقة زي برينستون (Princeton) وستانفورد (Stanford)، ونشروا ورقة علمية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بتقول إنهم قدروا لأول مرة يستعملوا الكمبيوتر الكمي اللي صممته شركة (Google) من فترة، ووصلوا من خلاله لابتكار نوع جديد من المادة كل علماء الفيزياء في العالم كانوا فاكرينه مش أكتر من نظرية، وإن الوصول له مستحيل تمامًا!

بس عشان تفهم بالضبط إيه هي المادة الغريبة دي، وقدروا يوصلوا ليها إزاي، لازم تفهم الأول إيه هو الكمبيوتر الكمي اللي استعملوه في تصميمها ده.

الحقيقة إنه الحواسيب الكمية دي بتختلف عن أجهزة الكمبيوتر أو الحاسوب العادية بشكل شاسع جدًا، جوهره إنها بتعالج المعلومات والداتا اللي بيتم تلقينها لها بشكل مختلف جذريًا عن الكمبيوترات العادية.

بتشتغل عليها بشكل أكثر كفاءة بكتير جدًا، عشان هي بتستعمل ميكانيكا الكم كأساس برمجي ليها، مش النظام الثنائي الموجود في الكمبيوترات العادية.

كيف تعمل الحوسبة الكمية؟

طب يعني إيه الكلام ده؟! خليني أشرحلك بتبسيط، زي ما إنت عارف، الوحدة الأساسية اللي بيتكون منها أي جهاز كمبيوتر معلوماتي أو (Information Computer) طبيعي هي حاجة اسمها البِت، لا مش البت اللي هي عكس الولد، أقصد (Bit)، والـBit دي ممكن يكون ليها واحدة من قيمتين، يا إما 1 أو 0، أو بمسمى آخر نعم أو لا (Yes or No).

لما إحنا بقى بندمج الوحدات دي مع بعض، بنقدر إننا في الحالة دي نمثل أي عدد من الأرقام، ونعمل أي عدد عايزينه من الحسابات من خلالها، (واحد ورا التاني).

كل ما الرقاقة أو الـ(Chip) الخاصة بالكمبيوتر كانت قوية وتحوي مساحة معالجة أكبر، كل ما بنقدر ننتقل من عملية حسابية للتانية أسرع، وهو ده اللي بيشكل أساس معالجة البيانات أو الـ(Data Processing) في الحواسيب التقليدية.

حلو ومفهوم لحد كده؟! تمام.

الفرق بين الحاسوب العادي والحاسوب الكمي

البلورات الزمنيةالحواسيب الكمية بقى مختلفة في حاجتين مهمين جدًا، أول حاجة فيهم هي إن وحدة تكوينها الأساسية اسمها الكيوبت (Qubit)، ودي بتبقى في الواقع عبارة عن جسيمات ذرية حقيقية هي اللي بيتم استعمالها في البرمجة، مش مجرد وحدات برمجية تقليدية بتتكون من تيارات كهربية بسيطة زي الـBit بتاعت الكمبيوتر العادي.

الحاجة التانية اللي بتميز الكمبيوتر الكمي هي إنه بيعتمد على العمليات الفيزيائية الحقيقية اللي بتحصل في فيزياء الكم، وبيعتمدها كأساس لمعالجة البيانات بتاعته.

مثلًا واحدة من الخواص اللي بتكون موجودة في الكمبيوتر الكمي، هي خاصية كمية معينة اسمها التراكب الكمي أو الـ(Superposition)، والخاصية دي بتسمح لكل Qubit إنه يكون متواجد في مزيج من الحالة 1 و0 بتاعت الحواسيب العادية مع بعض!

يعني مش زي الكمبيوتر الطبيعي بيكون يا إما 1 أو 0، لأ هو بيكون الحالتين مع بعض في نفس الوقت.

بالتالي ده بيدي للحاسوب الكمي قدرة على إنه يجري العمليات الحسابية اللي هي أساس المعالجة الخاصة بأي حاسوب، على التوازي ومع بعض، مش ورا بعض زي الكمبيوتر العادي، وبسبب ده بيكون سرعته أكبر بآلاف المرات من الكمبيوتر العادي.

اقرأ أيضاً: علماء الفيزياء يصنعون المادة من حق جديد!

التشابك الكمي

في خاصية تانية مهمة جدًا بتميز الكمبيوتر الكمي اسمها التشابك الكمي أو الـ(Entanglement)، ودي بتبقى عبارة عن سلوك فيزيائي مميز بيحصل على المستوى الذري، وبيريط ما بين الجسيمات الذرية وبعضها، بحيث إن اللي يحصل لواحد فيهم يأثر في التاني فورًا بغض النظر عن المسافة أيًا كانت، حتى لو بيفصل بينهم مسافة بعرض الكون كله!

ده طبعًا معناه إن الحواسيب الكمية دي بتقدر إنها تتحكم في كل الـQubits بتاعتها في نفس الوقت، وبغض النظر عن المسافة، وده بيخليها أسرع بمليارات المرات من أي حاسوب معلوماتي تقليدي!

بكده أنت فاهم بقى ليه الشركات التكنولوجية الكبيرة وعلماء الفيزياء اللي في العالم كله كانوا بيحاولوا بقالهم سنين طويلة جدًا إنهم يصمموا كمبيوتر زي ده ومش عارفين.

لحد ما نجحت جوجل أخيرًا في تصميم الكمبيوتر الكمي بتاعهم، اللي سموه Sycamore، واستخدموه لأول مرة سنة 2019 في معالجة عملية حسابية شديدة التعقيد كانت هتستغرق آلاف السنين عشان تتعمل على أي كمبيوتر عادي، وخلصوها هما بالكمبيوتر الكمي في دقايق معدودة!

ما هي البلورات الزمنية؟

عشان كده علماء الفيزياء لما شافوا القوة الهائلة لجهاز الكمبيوتر الكمي ده، قرروا إنهم يستغلوه في مهمة كان الكل فاكرها مستحيلة تمامًا قبل كده، تصميم نوع غريب من المادة اسمه الكريستالات الزمنية (Time Crystals).

طب إيه بقى الكريستالات الزمنية دي بالضبط؟! أنا هقولك.

بص يا صديقي، الكريستالات الزمنية دي هي حالة معينة من المادة بيبقى فيها الأجزاء الذرية اللي بتتكون منها الكريستالة دي في حالة حركة دائمة، وبتتغير بشكل مستمر وتتنقل ما بين حالتين أو شكلين، بدون ما تستهلك أي نوع من الطاقة!

لو مش فاهم الكلام اللي فات ده معناه إيه، تخيل كده مثلًا إنك في إيدك صندوق صغير، وإن الصندوق ده عمال يتفتح ويتقفل لوحده باستمرار، طبعًا أول حاجة هتفكر فيها إن أكيد في حاجة بتحركه.

أكيد في طاقة بتأثر عليه وبتخليه يتغير من حالة لأخرى، لكن لو قلتلك إن الصندوق ده هو حالة جديدة من المادة، وإنه في طبيعته بيتغير ما بين الحالتين دول باستمرار كل فترة معينة، بدون استعمال طاقة؟!

اقرأ أيضاً: لغز الزمن ، هل سنسافر يوما عبر التاريخ؟

اقرأ أيضاً: ما هي الحواسيب الكمية؟ وكيف يمكن أن تغير شكل العالم؟

حالة مادية جديدة

أهو ده بالضبط اللي بيحصل في الكريستالات الزمنية الغريبة دي! وبكده يبقى هي بتناقض قاعدتين فيزيائيتين مهمين جدًا، كنا فاكرين إنه مستحيل إنهم ينكسروا قبل كده.

القاعدة الأولى هي القانون الثاني للديناميكا الحرارية (Second Law of Thermodynamics)، اللي بيقول إن حالة عدم الاستقرار في المادة النشطة لازم تزيد مع الوقت.

ده ما بيحصلش في الكريستالة الزمنية، عشان هي بتتحرك وبتتنقل ما بين أشكال مختلفة، وفي نفس الوقت هي مستقرة ومش بتنهار!

القاعدة التانية هي حاجة اسمها تناظر ترجمة الوقت (Time-Translation Symmetry)، واللي بتقول إنه أي جسم مستقر لا تؤثر عليه قوة، لازم يفضل بنفس شكله مهما مر عليه الزمن، وده بردو بتكسره الكريستالات الزمنية، عشان هي نشطة وبتتغير، وفي نفس الوقت مستقرة تمامًا، كإن الزمن مش بيمر عليها ولا بيأثر فيها أصلًا!

عشان كده سموها كريستالات زمنية!

البلورات الزمنية كما يتصورها علماء برنستون

البلورات الزمنيةالفكرة بقى بتاعت الكريستالات الزمنية ونوع المادة الغريب ده نفسه في الأساس، بدأت لما عالم الفيزياء الشهير الحائز على جائزة نوبل فرانك ويلتشيك (Frank Wilczek) اقترحها لأول مرة سنة 2012 وهو بيدرس محاضرة لطلابه عن حالات الكريستالات العادية للمادة.

فكرته دي عملت صدى كبير جدًا، وناس كتير كانت بتحاول تثبت إنها حقيقية وممكن تحصل، بس مكانوش عارفين، لحد ما سنة 2014 طلع بحث فيزيائي أثبت إنه كان غلطان وإن فكرته بشكلها الأولى ده ناقصة، ومستحيل تتعمل.

من هنا جه فريق بحثي تاني من جامعة برينستون، وفكروا في طريقة تانية طرحتها لأول مرة عالمة اسمها فيديكا خيماني Vedika Khemani، وعايز أقولك إنها فكرت في الطريقة دي وهي لسه طالبة في الكلية!

الطريقة بتاعتها دي كانت مبنية على تأثير فيزيائي شهير فاز مكتشفه بجايزة نوبل سنة 1958، اسمه توطين آندرسون (Anderson’s Localization)، وبالتحديد حاجة اسمها توطين الأجسام العديدة (many-body localization).

طب إيه بقى التأثير ده؟! هشرحلك هو إيه بتبسيط.

تعرف على: الذكاء الاصطناعي والعقل البشري والفارق بينهما

توطين آندرسون

التأثير ده باختصار كان بيقول إن الإلكترونات ممكن وهي بتتحرك تيجي عند حتة ولا مؤاخذة تتحشر! كإنها كورة بتقع جوه شق أو حفرة في منطقة وعرة مليانة مطبات!

طب إزاي؟!

زي ما إنت عارف، الإلكترونات ممكن يتم التفكير فيها على إنها جسيم ذري وموجة في نفس الوقت، بتنتشر في شكل موجة من الأماكن المحتملة اللي ممكن يكون موجود فيها الإلكترون، لكن أما بييجي الإلكترون ده ويتحرك في مادة وعرة وعشوائية

زي أي بنية كريستالية، فالموجة بتاعت الإلكترون دي ممكن تتداخل مع بعضها وتلغي بعضها، وبالتالي الإلكترون يظهر في مكان معين ويتحشر في واحد من المطبات أو الحفر دي!

بالتالي فالإلكترون في الحالة دي بيتجسد في مكان معين، ومبيبقاش مجرد موجة من الاحتمالات.

بلورات الزمن مستحيلة لكنها تخضع لفيزياء الكم

بناءً على ده، العلماء دول شافوا إنهم لو جم وعملوا سلسلة من الإلكترونات دي محطوطة جنب بعضها، كل واحد بيلف باتجاه معين، ممكن نفترضه على إنه (فوق – تحت – تحت – فوق)، وبعدين جم حفزوها بليزر، فالإلكترونات دي هتفضل تتنقل ما بين الحالات دي بشكل مستمر، بدون أصلًا ما يمتصوا أو يستهلكوا أي طاقة من الليزر!

يعني هيفضلوا يقلبوا حالاتهم لحد نهاية الزمن نفسه! الإلكترون اللي بيلف لفوق هيقلب لتحت، والعكس صحيح، وبعدين يرجعوا تاني، وهكذا!

طبعًا الفكرة العلمية صعبة جدًا في شرحها، وأنا اختصرت منها كتير عشان أحاول أخليها مبسطة بقدر الإمكان، بس يكفي إني أقولك إن الابتكار ده ممكن جدًا في المستقبل يغير فهمنا عن حالات المادة، وقوانين الفيزياء نفسها!

تخيل إنك يبقى عندك مادة مستقرة وفي نفس الوقت مستمرة في التغيير! مادة الزمن نفسه مبيأثرش فيها! تخيل تقدر تعمل إيه بالمادة دي!

حاجة زي دي ممكن تخلينا نقدر نوحد فهمنا للأبعاد الأربعة اللي بيتكون منهم الكون كله، اللي هما الطول والعرض والارتفاع والزمن، ونفهم إزاي ممكن يندمجوا مع بعض في حاجة واحدة.

بكده، نبقى حطينا رجلينا على أول الطريق لإننا نوصل لحل السر الأكبر في علم الفيزياء كله، وأكبر ألغاز الكون بلا منازع!

لغز الزمن نفسه!

مصادر:

الورقة العلمية اللي نشروا فيها البحث:

https://arxiv.org/abs/2107.13571

مصادر أخرى:

https://www.quantamagazine.org/first-time-crystal-built،./

https://m.slashdot.org/story/388433

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*********

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. محمود علام

كاتب روائي وباحث، وسيناريست