مقالاتفن وأدب - مقالات

الأحياء  الأموات – نادر يتعجب من نمط حياته!  

الحياة الاعتيادية

استيقظ  نادر ليذهب إلى عمله المعتاد؛ فهو محاسب يعمل بإحدى الشركات الخاصة، وهو متزوج وله وبنتان، كل همه محصور في أن يحافظ على وظيفته، أو أن يجد وظيفة أفضل حتى يستطيع أن يوفي احتياجات المنزل الأساسية وليست الرفاهية؛ ففي ظل الغلاء المستفحل في البلاد، أصبح همُّ العباد في كيفية توفير قوت يومهم.

لحظة تأمل

وفي أحد الأيام يتعرض نادر لموقف غريب من نوعه، ففي لحظة تأمل وجد طائرًا يلتقط حبوبًا من على الأرض لكي يأكل ويسد رمقه. هنا وجد نادر نفسه أشبه بهذا الطائر الأعجم؛ فكلاهما في نفس الحالة يخرج الطائر من عشه صباحًا مع أولى نسمات الصباح،

يخرج ليبحث عن قوت يومه، ومع أفول آخر شعاع للشمس يرجع إلى عشه ليستريح وينام، وهو ما يفعله نادر يوميًّا وبالحرف الواحد مع اختلاف طبيعة العمل طبعًا، فهنا وجد نادر أنه لا شيء يميزه عن هذا الطائر الأعجم.

هل كل حياته محصورة في تلك الدائرة المغلقة؟ ما الذي يميزه كإنسان له عقل وله روح وله رسالة يجب أن يؤديها في تلك الحياة؟ هل هو كهذا الطائر الأعجم؟ هل وُجد في تلك الأرض ليدور في دائرة مغلقة؟ هل خُلق من أجل أن يأكل ويشرب ويتزوج ويبحث عن قوت لأولاده فقط؟… كل تلك الأسئلة جالت في ذهن نادر في حالة التأمل التي استغرق فيها.

الدول النامية وقتل روح الإبداع

الكثير من البشر وخصوصًا في الدول التي يطلق عليها نايمة! آسف نامية. أغلب البشر في تلك الدول هم مثل نادر الذي ليس بنادر في تلك الدول؛ فهم كثر لكن كثرة لا وزن لها في ميزان الأمم المتحضرة المتقدمة، هم غثاء كغثاء السيل لا نفع منه ولا فائدة ترجو.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كلام شديد اللهجة لكن الحقيقة المرة التي يجب أن تقال أفضل ألف مرة من الكذبة الحلوة التي تفرح الآن، لكن ضررها يستمر أمدا بعيدًا، في تلك الدول التي ترسخ تحت نير التخلف وتحت نير الديكتاتورية، لا تجد متنفسًا لها لكي تعبر عما بداخلها؛ فإنسان تلك الدول المقهورة كل همه لقمة عيشه يبحث عنها طوال النهار، وطوال الليل جثة هامده من كثرة بحثه عن لقمة العيش.

تم دفن الإنسان المفكر المبدع داخل هذا الجسد المنهك الذي يبحث عن شيء يسد رمقه ورمق من هم في رقبته؛ فشريعة الديكتاتورية وقانونها الأعظم هو أن تجعل المواطن يكدح طوال يومه وأن لا تترك له وقتًا ليتأمل وليفكر؛ فإن فكّر وعقَل ما يقال له وما يسمعه ليل نهار على شاشات وعلى أجهزة الإعلام التي تبث سمومها ليل نهار.

العقل يا سادة هو ما يؤرق جحافل الطغيان وهو ما يخيف جيوش الظلام، من يفكر حتمًا سينقُد، وإن نقد فالأمر جل خطير، فإن فكر هذا الكائن -الذي من لوازم تعريف أنه حيوان مفكر- فقد يستيقظ المارد ويبدأ في السؤال لماذا وكيف ومن أجل ماذا تم هذا الشيء؟ ولماذا فعل كيت ولم يفعل كيت؟

مسؤولية كل فرد منا

التفكير سلاح قوي وفعال جدا لو أحسن استغلاله وتدريبه على قواعد التفكير السليم وعلى التفكير الناقد وعلى منهج نقدي سليم. وحتى نستكمل كينونتنا كبشر لهم رسالة غير الأكل والشرب والنكاح، وحتى لا ينظر إلينا على أننا دول متخلفة، فعلى كل واحد منا مسؤولية عظيمة، ألا وهي أن يقوّم نفسه ويبحث في ذاته، يرتحل داخل روحه،

وليبحث في أرجاء تلك النفس عن سلبياتها وإيجابيتها وعليه أولا أن يتقبل نفسه كما هي، وأن تتقبل غير أن توافق؛ فالتقبل أولى خطوات التغيير، نحن نتقبل أنفسنا على ما فيها ولا نوافق عليها، بل نبدأ في هدم العادات السلبية التي تستنزف الإنسان الذي فينا والتي تغذي الحيوان داخلنا، فعلينا ببناء عادات جديدة إيجابية مكان تلك الهدامة،

ولتعلم بأن الرحلة شاقة لكنها ليست مستحيلة، ولن يأخذ بيدك نحو الطريق الحق إلا أنت؛ فأنت أقدر على معرفة ما بداخلك،. فلنتجهز أنا وأنت لنبحر داخل نفوسنا ولنستعد ونأخذ ما يوفر لنا القدرة على تلك الرحلة من علم ومعرفة بدواخل النفس حتى نستطيع أن نسلك دروبها ونقوي جدرانها ونعيد بناء قواعدها لكي نتغير للأفضل ونغير ما حولنا، ولعل وعسى نستطيع تغيير العالم حولنا.

محمد سليم

عضو بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالإسكندرية