علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

نظرية دوامة الصمت (Spiral of Silence Theory) وعلاقتها بحرب غزة وعلم الإعلام وعلم الاجتماع العسكري

وهي تقوم على تحليل سوسيولوجي–عسكري وإعلامي لمفهوم “نظرية كسر الصمت”، مع الاستفادة من بعض المراجع النظرية المتاحة في الأدبيات الأكاديمية.

أولًا: نظرية دوامة الصمت

(Spiral of Silence Theory) هي واحدة من أبرز النظريات في مجال الاتصال الجماهيري وعلم الاجتماع الإعلامي، طورتها الباحثة الألمانية “إليزابيث نويل- نيومان” عام 1974.

الفكرة الأساسية:

ترى النظرية أن الأفراد غالبًا ما يمتنعون عن التعبير عن آرائهم إذا شعروا أنها مخالفة للرأي العام السائد، وذلك خوفًا من العزلة الاجتماعية. وبهذا تتكون “دوامة” تؤدي إلى هيمنة خطاب واحد في الفضاء العام، في حين تقمع أو تهمّش الآراء المعارضة.

أهم مرتكزات النظرية:

  • الخوف من العزلة الاجتماعية: الإنسان كائن اجتماعي يسعى للقبول والانتماء، لذلك يتجنب الإفصاح عن رأي قد يعرضه للرفض أو النبذ.
  • الإحساس بالمناخ العام للرأي: الناس يقيسون الاتجاهات السائدة عبر وسائل الإعلام أو المحيط الاجتماعي.
  • الصمت آلية دفاعية: الأفراد الذين يشعرون أن رأيهم أقلية يختارون الصمت بدلًا من المجازفة.
  • وسائل الإعلام عامل مؤثر: الإعلام يلعب دورًا رئيسًا في تشكيل الانطباع عن ما هو “الرأي الغالب”، مما يعزز أو يضعف الدوامة.

نتائج النظرية

  1. هيمنة الرأي العام الظاهر حتى لو لم يكن معبرًا عن القناعات الحقيقية للناس.
  2. تراجع التنوع في الآراء المطروحة للنقاش العام.
  3. خدمة النخب المسيطرة التي تفرض أجندتها عن طريق الإعلام وصناعة الرأي العام.

 تطبيقات معاصرة

  • في السياسة: الناخبون قد يخفون دعمهم لمرشح غير شعبي خوفًا من الانتقاد (كما حدث في انتخابات ترامب 2016).
  • في القضايا الاجتماعية: أشخاص قد يترددون في إعلان مواقفهم تجاه قضايا مثيرة للجدل مثل التطبيع أو حقوق الأقليات.
  • في وسائل التواصل الاجتماعي: رغم الحرية النسبية، إلا أن “ثقافة الإلغاء (Cancel Culture)” تخلق دوامة صمت جديدة عبر الخوف من الهجوم الإلكتروني.

ثانيًا: علاقة النظرية بحرب غزة ومنظور الإعلام وعلم الاجتماع العسكري

 نظرية دوامة الصمت وحرب غزة

في حالة حرب غزة (2023–2025)، يتجلى أثر دوامة الصمت على نحو واضح. فكثير من الأصوات في الغرب –سواء أكاديميين أو إعلاميين أو طلاب– ترددت في انتقاد إسرائيل خشية اتهامها بـ”معاداة السامية” أو فقدان وظائفها أو تعرضها للعقاب الاجتماعي.

هذا الصمت لم يكن انعكاسًا لغياب الرأي الآخر، بل نتيجة خوف من العزلة والتهميش، مما سمح للرواية الإسرائيلية بالهيمنة في بعض المؤسسات الإعلامية والسياسية، رغم أن الرأي العام الشعبي (خصوصًا بين الشباب) كان أكثر تعاطفًا مع الفلسطينيين.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 منظور الإعلام

الإعلام الغربي مارس دورًا في تكوين “المناخ العام للرأي” عبر إبراز الرواية الإسرائيلية والتقليل من الرواية الفلسطينية.

المنصات الرقمية (تويتر/إكس، تيك توك، إنستغرام) كسرت جزئيًا هذه الدوامة، إذ أتاحت للصور والفيديوهات القادمة من غزة أن تنتشر، مما شجع أصواتًا جديدة على كسر الصمت.

لكن شركات التكنولوجيا تعرضت لضغوط حكومية وإسرائيلية لإزالة المحتوى أو تقييد وصوله، ما أعاد إنتاج الدوامة في صيغة رقمية.

 منظور علم الاجتماع العسكري

علم الاجتماع العسكري ينظر إلى الإعلام باعتباره جزءًا من أدوات الحرب (الحرب النفسية، المعنويات، تشكيل وعي).

في حرب غزة، يمكن القول إن “دوامة الصمت” كانت سلاحًا عسكريًا غير تقليدي، إذ استخدمت لإضعاف الدعم الدولي للمقاومة الفلسطينية بإسكات الأصوات المؤيدة لها.

كما أن الجيش الإسرائيلي اعتمد على الإعلام في تسويق مبررات قصف المستشفيات والمدارس تحت ذريعة وجود مواقع عسكرية، معتمدًا على أن كثيرًا من الصحفيين والسياسيين لن يجرؤوا على تحدي الرواية الرسمية علنًا.

بالمقابل، المقاومة الفلسطينية وإعلامها الشعبي (عبر الهواتف الذكية ومنصات التواصل) عملت على كسر الدوامة بفرض روايتها المصورة، مما أدى إلى تحول في الرأي العام العالمي رغم محاولات إسكاتها.

الاستنتاج

نظرية دوامة الصمت تساعد على فهم كيف نجحت إسرائيل في البداية في فرض خطابها عبر الإعلام العالمي، وكيف قاومتها فلسطين عبر الإعلام الرقمي والشعبي.

من منظور علم الاجتماع العسكري، الحرب على غزة لم تكن فقط صراعًا عسكريًا، بل أيضًا صراعًا على الوعي، إذ لعبت دوامة الصمت دور “سلاح نفسي” يحد من قدرة الشعوب الغربية على التعبير الحر عن تضامنها.

مقالات ذات صلة:

أسباب الخوف من التدخل

هذا يجعلك تفهم

القضية الفلسطينية والوعي السياسي الغائب

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. أحمد إبراهيم خضر

أستاذ بكلية التربية – جامعة الأزهر دكتوراه علم الإجتماع العسكري