الميلشيات وحروب الجيل الرابع
تعريف المليشيات
مصطلح ظهر مؤخرًا في أواخر القرن العشرين، وإذا خضنا في تعريف كلمة مليشيات فهي مجموعة غير نظامية تتكون من عدد من المقاتلين المحترفين يُسلحون بالأسلحة الخفيفة تصاعدًا وفق قدراتهم التمويلية والخبرة، إنما لا تنال خصائص الجيوش النظامية من حيث القدرة والعدد، لكن ما يميز المليشيات قدرتهم على مواجهات حرب المدن، أي الكر والفر. وسوف نوالي تعريف المليشيات ومقارنتها بغيرها من المصطلحات والمنظمات من حيث الهدف والفكر.
الفرق بين الميشليات والمقاومة
يجب أن نفرق بين المقاومة والمليشيات حتى لا يحدث خلط، فقد يتشابه الاثنان من حيث التكوين لكن يختلفان من حيث الهدف والتنفيذ.
أمثلة تاريخية كثيرة عن بداية مصطلح المليشيات، وهو بالأساس مقاومة شعبية هدفها نبيل تتكون من عناصر معروفة لأهل البلد أو المنطقة، غايتهم التحرر من الاستعمار وليس مهاجمة مفاصل الدولة أو السعي للحكم، مثلما حدث في ليبيا ومجموعة عمر المختار في مواجهة الاستعمار الإيطالي. تلك المجموعة اكتسبت طابع المليشيات الشعبية بأقل الإمكانيات وأبسطها مع أنبل الأهداف وأسماها، عناصرها معروفة للجميع كان تمويلهم من تبرعات أهالي البلدة وتسليحهم بسيط، لكنهم أرهقوا الاستعمار الإيطالي حتى إعدام المجاهد “عمر المختار”.
ذلك المثال على سبيل الحصر لا العموم، فهناك أمثلة عديدة للمقاومة الشعبية كان هدفهم نبيل وما زالوا. لكن دعونا نشرح كيف حدث الخلط بين كلمة مليشيات ومقاومة ومفهوم المليشيات حاليًا:
من بداية الألفينيات بدأت بعض الدول تعمل في الخفاء في تكوين مليشيات لهم، لكن عناصرها متعددة الجنسيات مختلفة المذهب والفكر والهدف. مليشيات مصنوعة من أجل أهداف خفية تنطلي بطابع ديني أو طائفي، تتستر بشعارات مزيفة حتى تتمكن من الولوج داخل المجتمع المستهدف. تلك بداية حروب الجيل الرابع، ومن هنا يحدث الخلط بين مفهوم المقاومة ومفهوم المليشيات.
المليشيات: تنشأ من العدم من بين ليلة وضحاها، يكون لدينا عديد من الحركات غير معروفة المنشأ والهدف، تواجه الأنظمة والجيوش النظامية بحجج وأهداف مذهبية، أو تلك المليشيات مدعومة من أجهزة مخابراتية دولية أو دول بعينها تستطيع أن تخترق كل شيء، دون ظهور واضح للطرف الخفي الداعم في الخفاء، وبذلك قد تحقق اختراق مناطق ذات سيادة دولية ومعاهدات، غرضها تمرير الدول مصالحهم عن بعد دون أن تمس بأي أذى أو اتهام باختراق معاهدات أو ما إلى ذلك. حروب المدن من أخطر وأعنف الحروب التي تعانيها أية جيوش نظامية، سياسة الكر والفر لا تفرق بين مدني وعسكري؛ الكل في المعركة واحد.
العنصر الثاني: الميلشيات والقوى الناعمة
لنأتي إلى العنصر الثاني والأهم
القوى الناعمة وعلاقتها بالميشليات
إن من أخطر القوى على وجهة الأرض القوى الناعمة، وهي تتلخص في وسائل الإعلام بأنواعها كافة –استخدام السوشيال ومواقع التواصل الاجتماعي– لتبرير فكرة المليشيات ولتجميل صورتها. فهناك وسائل الإعلام التي تخدم تلك التنظيمات والمليشيات، وتحسن من صورتهم وتمرر أفكارهم وتجعلهم في إطار المقاومة أو التحرير وليس مليشيات بالمعنى الحرفي، أُنشِئت وهي تحمل في طياتها التفكيك وتخدم دولًا معينة في الخفاء، فإن المليشيات من أخطر حروب الجيل الرابع.
حتى لا يختلط الأمر: المقاومة الشعبية لأي دولة تستطيع أن تنال حريتها من عدو غاصب تكون عناصرها معلومة للجميع، أهدافها وغايتها التحرر فقط دون أي مقابل، أسلحتهم بسيطة أفكارهم معروفة ومعلومة. أما المليشيات تبقى مجهولة الفكر والمصدر والتمويل، رؤوس شيطانية تُخلَق من العدم في مواجهة الدول حتى تكون شوكة الانقسام والتفكك، وتبث أفكارًا جديدة مدعومة بالقوى الناعمة جنبًا إلى جنب في دعم الخراب بشتى الطرق.
ثالثًا: المليشيا والجيش
من الأسئلة المطروحة لنفصل حالة الالتباس: هل الميلشيا حالة فوضوية داخل الدولة؟ أم أنها أحد الأذرع العسكرية لها صناعة وليدة لظروف معينة؟!
إذا أصبحت بعض الدول تتبنى فكرة أن أحد التنظيمات والمليشيات العسكرية تكون حصن الأمان والحارس فذلك يعرض الدولة لشيئين كليهما خطر!
أولًا: تنشأ المليشيات أو التنظيمات نتيجة الفراغ الأمني بعد التفكك والانقسامات، مما يتيح لهم فرصة الظهور أنهم داعم قوي لسد الفراغات الأمنية للدولة، لتؤدي هي دور الحارس الأمين لفرض السيطرة الشاملة على محاور الدولة، ومن ثم يأتي خطر إلى ما يعرف في علم النزاع كما قال الباحث طوني جورج عطالله: “شل الجيش”، أي إلغاء وظائفه كافة، فتلك الحالة تُبقي مؤسسة الدولة مقيدة الرأي والسلطة تحت رهن إشارة ميلشيات تسعى لتحقيق مكاسب سواء مالية أو طائفية.
ثانيًا: الخطر الثاني عندما تتعارض سياسات الدولة مع سياسة المليشيات، في تلك الحالة تتكبل الدولة آراؤها وسياساتها لتجني أعداء جددًا لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وينعكس ذلك عليها بالرضوخ التام، وفي حالة الرفض تنقلب الدولة رأسًا على عقب وتدخل في تناحر طائفي أو حزبي ينبثق منه انشقاق كامل في صفوف الدولة.
خلاصة القول
إن المليشيات سرطان ينخر في خلايا الدولة وورقة الجوكر لدخول أي عدو عبره، فلا ولاء لهم! أما هدفهم وغرضهم المال أو السلطة أو نشر أفكار طائفية مخالفة تمامًا لأفكار الدولة. الحل الوحيد جيش نظامي تابع للدولة يتماشى مع سياساتها الداخلية والخارجية وليس منفرطًا عنها، حتى لا تضل الدولة وتصبح تابعًا لأحد الفصائل أو التنظيمات تجعل الدولة مرغمة على تحقيق أهدافها، بعيدًا عن سياسة شعبها ومجتمعها.
باختصار شديد المليشيات أداة من أدوات حروب الجيل الرابع.
مقالات ذات صلة:
القواعد الذهبية في سياسة عنترة بن شداد
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا