ضد الفطرة
الإنسان السوي يولد بشعور وإحساس طبيعي يحب الناس ويحبه الناس، يألف ويؤلف، فهو مفطور على النقاء والصفاء الداخلي، ومجانبة الحقد والكراهية للآخرين بعدم احتقارهم والتقليل من شأنهم أو النظر إليهم باستعلاء وكِبر.
لهذا فما من مولود إلا ويولد على الفطرة، ثم يأتي دور الوالدين في النشأة والتشكيل والتوجيه لمسارات الحياة، إما للإيجاب والنفع أو السلب والضرر، هذا فضلًا عن العوامل الأخرى التي تؤثر في التكوين مثل: المدرسة والأصدقاء والإعلام.
وقد لعبت العولمة دورًا مهمًا في التدرج وتسهيل تشويه تلك الفطرة وطمسها في بعض الأحيان، فالإنترنت متاح عليه كل شيء، الغث والسمين الصالح والطالح بلا رقيب أو ضابط، والتليفزيون عن طريق كثير من الأفلام والمسلسلات والبرامج فارغة الشكل والمضمون سوى من تحسين القبيح، أو تعليم خطوات السرقة والفهلوة، أو طرق التعذيب والقتل، والتصريحات والتلميحات الجنسية بلا حياء، أو البلطجة والسيطرة وظلم العباد وأكل الحقوق ومنْع الميراث من الأقارب.
معنى إنسان على الفطرة
إن الشخص الذي يرتكب أمرًا ضد الفطرة تجد القلق يتملّكه وقد يُقر بخطئه رغم تشبثه به وعدم التخلي عنه، وهذا يختلف من فرد لآخر وفق درجة الوازع الديني والأخلاقي عنده.
حتى يكون الإنسان سويًا لا بد من تكامل الدين مع الدنيا لتحقيق عنصر المرونة، وينشأ شخصية متوازنة يعرف الحلال فيفعله والحرام فيجتنبه، ويعطي حقوق الناس ويمتثل للعادات والتقاليد المجتمعية النافعة، فلا يأخذ ما ليس له حتى وإن كان وحده لا يراه أحد، ويبتعد عن الجور والطغيان حتى وإن تمكّن من ذلك.
إننا نحتاج إلى برامج تثقيفية توعوية هادفة يُعدّها متخصصون تُقدّم للأب والأم والطفل والمعلم، وأداء المدرسة دورها على أكمل وجه في التربية والمتابعة، وعبء كبير يقع على عاتق الإعلام، تلك الآلة الجبارة التي يجب أن تتحول إلى بناء سيكولوجي وروحي وجسمي، نحتاج إلى أمناء لا يعملون عملًا روتينيًا كونهم موظفين لكن بنّاؤون بناء متكاملًا بوازع من المراقبة والضمير.
مخالفة الفطرة لا تأتي إلا بالويل والفساد
أصحاب الأخدود الذين حفر لهم الطغاة الأخاديد وشقّوها في الأرض بانتشاء منقطع النظير وجمعوا الحطب وأضرموا فيه النار، ثم رموا فيها الفئة المؤمنة بلا أي رحمة الذين لم يرتكبوا جُرمًا ولم تكن جريرتهم إلا أنهم آمنوا بالله العزيز الحميد، إنه موت القلب والتلذذ بتطبيق السادية والقهر والإذلال على مجموعة من البشر، والعمل على إخفاء أي مَعْلَم من معالِم المخالفين والمُعارضين في الفِكر والرأي، وهؤلاء الذين عذَّبوا الفئة المؤمنة بالحرق والتنكيل لم يختلفوا كثيرًا عن الاحتلال الإسرائيلي وما يرتكبه من عظائم ومذابح في فلسطين عامة وغزة بصفة خاصة من طمس الهوية ومحو لأي أثر يشي بوجود حياة، وقد وصل بهم الأمر بمعارضة قيام دولة فلسطينية، يعني العدو هو الذي يمسك بيده مقاليد الأمور والسيطرة بالوقاحة كلها ليتحكّم في صاحب الأرض ومالكها الأصلي.
إن طمس الفطرة شيء عظيم يجعل الشخص كالذي يتخبطه الشيطان من المس، فاقد للسوية وإصدار الأحكام يتحرك بغير رويِّة ولا انتظام يفسد ما تقع عليه عينه كله، فلا يراعي حُرمة ولا يفي بعهد ولا ذِمَّة أو حقوق لجوار، أو استبقاء لود.
إن التاريخ يتكرر ويعيد نفسه لكن مع اختلاف اللاعبين والأرض وثبات آليات السحق والتنكيل، بداية من إلقاء التُهم الجاهزة المُعَدّة سلفًا في قوالب صَدِئة ماسخة باهتة تخرج وقت الحاجة إليها، كالإخراج من البيوت أو إحداث الإعاقات المؤقتة أو الدائمة، وتشويه السُمعة والطعن في النزاهة والشرف، أو القتل والتخلص من الضحيّة، أو الرمي في السجن لسنوات طويلة يكبر فيها الصغار ويشيخ الشباب، والتركيز على الأطفال لتخويفهم وفتور حميَّة الدفاع عن الأرض والعرض ومحاولة طمس هويتهم وتغيير فطرتهم.
مقالات ذات صلة:
هل يعرف من يستخدم مصطلح الفطرة معناه الصحيح؟
أثر البيئة في فكر وسلوك الإنسان
ما يُولدُ في الظلمات يفاجئه النور فيعريه!
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا