ماذا سيحدث إذا حكمت الآلات العالم؟ ولماذا يقتل الأطفال؟
ضغطة زر ممن يمتلك تلك الآلات
لماذا يُقتَلُ الأطفال؟ ماذا سيخسَر قاتِلهم إذا ما ترَكَ ابتساماتهم لتضيء لنا هذا الكوكَب المُظلِم ولو قليلًا؟ ما اسم ذلكَ الشعور الذي تملَّكَهُ حينما ضغطت يَدَه على الزر في إحد تلك الآلات التي تقتل سامِحًا للبراميل المُتَفجِّرةِ بالسقوطِ من بضعةِ أميالٍ كي تقضيَ على أحلامِ هؤلاء الأطفال البسيطة في غدٍ هادئٍ يلعبونَ فيه مع أصدقائِهم؟
إذا قسَّمنا القوى الرئيسيَّة التي تحكُمُ الإنسانَ إلى قوىً عقليَّة وأخرى شهويَّة وثالثة غضبيَّة؛ فالإنسانُ هو من تتحكَّم قواهُ العقليَّة في شهوتِهِ وغَضَبِه، وتُسخِّرهما لما يخدم كل غايةٍ عقليَّةٍ. فإذا ثَبَتَ للعقلِ أنَّ العدل هو الفضيلة المدنية الأم التي تنبثِقُ منها سائِر الفضائِل المدنيَّة؛ انصاعت شهوةُ الإنسان لتحقق ما توصَّلَ إليه العقل، فلم يأخذ ما يزيدُ عن حَقِّه، ولم يجُر على حقِّ غيرِهِ بقولٍ أو عمل، وأمَّا أولئَك الذينَ يُقدِّمونَ شهواتِهِم على عقولِهِم فقد تجرَّدوا من إنسانيَّتِهِم، واستحالوا حيواناتٍ تتقاتل من أجلِ مزيدٍ من الرَّفاهية.
ما باتَ واضِحًا للعيان أن وحشَ الرَّغبَةِ قد أطلِقَ لهُ العنان، وصار يتحكَّم في مصيرنا جميعًا، وما تغافَلَ عنهُ مُنظِّروا الرأسماليةِ أن هذا الوحش إن أطلِقَ فلن يكونَ من السهلِ إيقافه، وقد يتسبب في مقتلِنا جميعًا حتى قبلَ أن نُحاوِل وضعَ حدٍّ له.
لتقريب الصورة، فمن يمتَلِك شقَّةً مُتوسِّطَةَ الحجم يسعى جاهِدًا لكي يشتري الشقَّة المُجاورةِ له حتى يُصبِحَ مسكَنَه أكثر اتساعًا، ومن يمتلك شقةً كبيرة الحجم يسعى هو الآخر لكي يشتري منزِلًا مستقلًا، ومن يمتلك منزِلًا مُستقلًا يسعى لكي يشتري (فيلا) لها حديقة وحمام للسِّباحة، ومن يمتلك (فيلا) ذات حديقةٍ واحدة يسعى جاهِدًا إلى امتلاكِ (فيلا بثلاث جنائن)، وهكذا إلى من يمتلكون الطائِرات الخاصَّة والجزر، فوحش الرَّغبة لا يهدأ وسيتطلعُ لمستوىً أعلى من الرفاهية، حتى وإن امتلكَ الدنيا وما فيها.
علاقة الرفاهية بقتل الأطفال
ما علاقةُ ذلِكَ بقتل الأطفال؟ الحقيقةُ أنَّهُ لرفاهيةٍ أكثر سيحتاجُ البشر إلى سِلعٍ أكثر، وهو ما سيحتاجُ بالضرورة إلى مصانِعَ أكثر، وبالتالي إلى مصادِرَ أكثَرَ للطاقةِ والمواد الخام، وهنا تأتي المُشكِلة، فمصادِر الطاقةِ والمواد الخام تكفي حاجاتِنا الأساسيَّة مع مستوىً متوسِّطٍ من الرفاهية، لكنها لن تكفي لأن يسكنَ الجميع في قصور، أو أن يمتلكَ الجميع طائراتٍ خاصَّة.
وهنا وُضِعَ الجميع أمام خيارَينِ لا ثالِثَ لهما، إمَّا أن يعيشَ بنو آدَم في مستوىً مقبولٍ من الرَّفاهية للجميع، مُكتفين بحاجاتِهِم الأساسية من مأكلٍ ومشرَبٍ وملبسٍ ومسكَن، وأن يسيطروا على رغبَتَهُم في الرفاهيةِ الزائِدةِ عن الحاجة. أو أن يتقاتلوا لينعَم المُنتَصِر بكثيرٍ من الرَّفاهية، ويقبل المهزوم بذلك الفُتات الذي يسقط من يد المُنتَصِر. وقد اختاروا الخيارَ الأكثَرَ قسوةً ودمًا، أطلقوا العنانَ لوحش الرَّغبة، وبدأ الصِّراع.
دعونا نعودُ أدراجَنا إلى العنوان، ماذا سيحدُثُ إذا حكمت الآلاتُ العالم؟
إذا أرادَ الناسُ أن ينعَموا بسلامٍ حقيقي وحياةٍ أكثرَ عدلًا فإنَّهُ سيتوجَّبُ عليهِم أن يسيطروا على وحش الرَّغبةِ بداخلهم، وأن يُحكِّموا عقولهم، ونظرًا لصعوبَةِ ذلك على المدى القصير، فإنَّ الذكاءَ الاصطناعي -كما يتخيل البعض- قد يكونَ لهُ دورٌ أكثَرَ محوريَّة في مصيرِ الكوكب.
فإذا وضعنا في الاعتبار مدى التقدُّم الذي يُحرِزُهُ العلماء في مجال الذكاء الاصطناعي، واختبارات الوعي بالذات التي تخطتها بعض (الروبوتات) بالفِعل؛ يذهب البعض بخيالهم إلى القول بتحقق نبوءَةُ الأفلام قريبًا، حيث ستحل (الروبوتات) محلَّ الإنسان في معظم الوظائِف، إن لم يكن جميعها.
ماذا إن حكمت الآلات العالم؟
لكن حتى إن افترضنا ذلك فلا مناص من إصلاح الإنسان! فمُصَمموا (الروبوتات) إن كانوا عُقلاءً فسينزعونَ منهم كل باعثٍ للظُلم، فالظُلمُ إمَّا أن يكون بسببِ جهل، أو بسبب حاجة، فإذا نُزِعَت أسبابِهِ سيسودُ العدل وحينها سينعَمُ البشر بالسلام! وإن لم يكونوا عقلاء فقد يستغلون (الروبوتات) في إشباع وحش الرغبة بداخلهم، وفي سحق الآخرين وظلمهم. فحتى حكم الآلات إن لم يبن على إنسان عاقل وفاضل فسيؤدي للظلم!
ولو فرضنا جدلا أن الصناع كانوا عقلاء، وتمكنوا بطريقة ما من صنع هذه الآلات العادلة؛ عندها قد توفر الآلات لكل إنسانٍ حاجاتِهِ الأساسية، وسيتم اقتسامَ موارِدِ الكوكَب بناءً على عدد السُكَّانِ لا على قوتِهِم العسكريَّةِ أو لون بشرَتِهِم أو عرقهم.
وإذا حكمت هذه الآلات العالم فلن يكونَ هُناكَ مجالٌ للتفاضُلِ فيما يمتلِكَهُ الإنسانُ من عقاراتٍ أو سيَّاراتٍ أو ملابس، فسيتنافَس البشر إذن في تحصيلِ العلومِ واكتسابِ الأخلاق الحَسَنَة.
إذا حكمت هذه الآلات العالم سيحيا الأطفالُ حياةً هادئة بعيدًا عن البراميل المتفَجِّرَة، سيلعبون هُنا وهناك، ستملأُ ضحِكاتُهُم أرجاءَ المدائِنِ والقرى، سيكونُ عالمنا أفضَل.
الشهوات والرغبات
ولكنَّ وحشَ الرَّغبَةِ لم يُقتل بعد، إنَّه قابِعٌ تحتَ الرَّمادِ ينتَظِرُ أن تغفَلَ (الروبوتات) الحاكِمَة ولو للحظَةٍ واحِدة كي ينقضَّ عليها وينقَلِبُ على ذلِكَ العقد الاجتماعيّ الجديد، حتَّى وإن لم يفعَل ذلِك المؤسسون الأوائِل، إلَّا أنَّ الأبناءَ وباقي أفراد المجتمع قد يفعَلون! فلا مناص إذن من نشر الحد الأدنى من الوعي والفضيلة بين عموم المجتمع!
وإلا فسنعود من جديد لنقطة الصفر، سيتطلَّع هؤلاء لمستوىً أعلى من الرَّفاهيةِ ثانيةً، سيُحطِّمونَ الآلات، سيظلِمُ القويُّ الضعيف، سيتقاتلون من جديد.
لا مفرَّ إذن من إعادة الاختيار، فإمَّا القبول بحكم العقل والعلم والفضيلة، والرضى بمستوىً مقبولٍ من الرفاهيةِ للجميع، وإمَّا أن نلقى حتفنا على أحد جبهاتِ الصِّراع.
لا مفرَّ من أن يتعلَّم الأطفالُ أنَّ هذا العالم لا يهتمُّ كثيرًا لموتِهِم، وأنَّهُ لكيلا يكررون ما اقترفه أسلافهم من آثامٍ يتوجَّبُ عليهِم التحلِّي بالفضائِلِ المدنيَّةِ من اعتدال مع الذات وعدالةٍ مع الغير، من احترامٍ وتسامُح، أن يتعلموا أنَّ الصالحُ العام هو صالِحَ الفرد، وأن صالح الفرد إن لم يحكمه الصالِحُ العام سيقضي على الفرد والمجتمعِ معًا.
اقرأ أيضا:
صواب أم خطأ ؟ هل كل شئ حولنا يبدو منطقياً ؟
الكيان المادي الخانق .. كيف ينقذ الإنسان روحه ؟
العدو واحد.. فمن هو ؟ وما سبب تلك العداوة ؟ ومن المستفيد من وجوده ؟
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.