مقالاتقضايا شبابية - مقالات

لماذا يستخدم الناس الفيس بوك؟!

الفيس بوك وسيلة مقبولة للتواصل؛ تجمع اجتماعي افتراضي دائم، مليء بالإجراءات، الأحداث، الحوارات، الفيديوهات، الصور، التجمعات النوعية، صفحات السياسة والعلم والمرح والأدب.. إلخ. لكن لماذا يفضل الناس استخدام هذا الموقع رغم كثرة مشكلاته، وأهمها إدمان تصفحه والمكوث أمامه لساعات طويلة؟

هذه نتائج دراسة قام بها كل من «أشويني نادكارني» Ashwini Nadkarni و«ستيفان هوفمان» Stefan G. Hofmann من جامعة بوسطن، تحت عنوان «لماذا يستخدم الناس الفيس بوك؟» Why Do People Use Facebook?، وقد توصلا إلى أن هذه الشبكة الاجتماعية العملاقة تلبي حاجتين إنسانيتين أساسيتين:

الأولى هي الحاجة إلى الانتماء، والثانية هي الحاجة إلى تقديم الذات. كذلك أقرت الدراسة بالعوامل الديموغرافية والثقافية من حيث صلتها بالحاجة إلى الانتماء، وتنوع أنماط الشخصية بالنسبة لمستخدمي الفيس بوك.

من جهة أخرى، تضع الدراسة تعريفا لمواقع الشبكات الاجتماعية Social Networking Sites (SNSs) مؤداه أنها: الخدمات المستندة إلى الإنترنت التي تقدم للأفراد ثلاث قدرات رئيسة:

1) القدرة على بناء شخصية عامة أو شبه شخصية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

2) تحديد قائمة من المستخدمين الآخرين الذين يمكن التواصل معهم.

3) عرض وتتبع مشاركات الأفراد وغيرهم.

من الذي يستخدم الفيس بوك؟

قبل سنة 2009، كان موقع «ماي سبيس» MySpace سبَّاقا في مجال الشبكات الاجتماعية، لكن الأفول أصابه بحلول شهر أبريل 2009. وفي دراسة أجرتها «استر هارجيتاي» E. Hargittai (أستاذة دراسات التواصل بجامعة زيورخ) العام 2008، وجدت أن ما نسبته 25% من مستخدمي «ماي سبيس» هم طلاب من أصل لاتيني، بالمقارنة مع ما نسبته 14% فقط يستخدمون الفيس بوك (من الفئة ذاتها).

لكن التركيبة الديموغرافية للفيس بوك مختلفة تماما؛ النساء أكثر ميلا لاستخدام الفيس بوك من الرجال، والطلاب من أصل لاتيني أقل ميلا لاستخدامه من الطلاب القوقازيين.

وفي دراسة أجراها العام 2009 كل من «شيري جراسموك» و«جيسون مارتن» و«شانيانغ تشاو» Sherri Grasmuck & Jason Martin & Shanyang Zhao بجامعة تمبل الأمريكية Temple University، تبين أن الطلاب الأمريكيين من أصل إفريقي، واللاتينيين، والهنود، يستخدمون الفيس بوك بشكل أكثر كثافة من الطلاب البيض والطلاب من أصل فيتنامي.

وهذا يتماشى مع ما توصل إليه فريق جمع البيانات الخاص بالفيس بوك، حيث ظهر أن ثمة زيادة مطردة في عدد مستخدمي الفيس بوك من السود ومن هم من أصل لاتيني، في حين أن ثمة تراجعا في عدد المستخدمين الآسيويين. وقد تم استقصاء هذه البيانات من ألقاب المستخدمين على الفيس بوك، فضلا عن المعلومات التي تم جمعها من قبل مكتب الإحصاء الأمريكي لمعرفة النسب المئوية للأقليات العرقية على الفيس بوك.

أنماط مستخدمي الفيس بوك:

ركزت الدراسات السابقة على المقارنة بين الشخصيات الحقيقية والوهمية على الفيس بوك، وكذلك على مستويات النشاط والمشاركة وتوجهاتها. وتحوي المشاركات على الفيس بوك العديد من العناصر الافتراضية، بما في ذلك الصور والفيديوهات والروابط وتحديثات الحالة، بالإضافة إلى آثار أخرى لحضور افتراضي.

وفي دراسة أجراها كريغ روس Craig Ross وآخرون بجامعة وندسور الكندية University of Windsor سنة 2009، وُجد أن أنماط الشخصية التي تم تصنيفها كتمثيل لأعلى درجات العُصابية Neuroticism قد أشارت إلى حائط الفيس بوك بوصفه المكون المفضل لديهم. أما الأشخاص الأقل عُصابية فقد صرحوا بأنهم يفضلون الصور (العصابية سمة لشخصية أساسية في دراسات علم النفس، تتميز بالقلق، الخوف، النكد، الحسد، الإحباط، الغيرة، والشعور بالوحدة).

وفي دراسة أخرى قام بها في العام ذاته فريق بحثي آخر من الجامعة، تبين أن الأفراد الذين يتسمون بالخجل لديهم قليل من الأصدقاء على الفيس بوك، بالمقارنة مع من هم أقل خجلا، وأن الأشخاص من الفئة الأولى (الأكثر خجلا) يقضون وقتا طويلا على الفيس بوك ويحبون الشبكة الاجتماعية بشكل يفوق الفئة الثانية.

وقد أظهرت دراسة مماثلة أجريت سنة 2012 بجامعة جورجيا University of Georgia تحت عنوان «النرجسية ومواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت» Narcissism and Social Networking Web Sites أن ثمة علاقة إيجابية بين النرجسية واستخدام الفيس بوك، لا سيما فيما يتعلق بالبروفيلات والصور، وكذلك السمات التي تتيح للمستخدمين تعزيز أنفسهم. كما أظهرت الدراسة أن أولئك الذين لديهم مستوى عال من النرجسية، والذين يعانون من انخفاض مستوى الثقة بالنفس، يقضون أكثر من ساعة يوميا على الفيس بوك.

لقد أظهر المستخدمون الدائمون للفيس بوك أن ثمة ارتباطا بين استخدام الفيس بوك، وبين المستويات العليا من العُصابية والنرجسية، والمستويات الأدنى من الثقة بالنفس وتقدير الذات. وذهبت الدراسة أيضا إلى أن الاستخدام المتكرر للفيس بوك قد يكون مرتبطا بانخفاض مستوى الأداء الأكاديمي، لكنه قد يؤدي إلى ارتفاع مستوى احترام الذات والشعور بالانتماء.

الفيس بوك ونموذج العامل المزدوج:

نحن جميعا نريد فحسب أن ننتمي إلى شيء ما، أليس كذلك؟ في جانب الإنترنت من حياتنا، يتيح لنا الفيس بوك معنى افتراضيا للانتماء. وتنتهي الدراسة التي نحن بصددها إلى أن الفيس بوك يلبي اثنتين من الحاجات الاجتماعية الأساسية:

1) الحاجة إلى الانتماء.

2) الحاجة إلى تقديم الذات. ويرتبط احترام الذات وتقدير الذات بشكل وثيق بأول حاجة اجتماعية أساسية: الانتماء.

إن استخدام الفيس بوك، بطبيعة الحال، يتأثر أيضا بالعوامل الاجتماعية والديموغرافية والثقافية. وتميل الإناث والأقليات العرقية إلى استخدام الفيس بوك أكثر من الذكور والقوقازيين.

هذا الجزء الأخير من الدراسة يركز على استخدام الفيس بوك في الحالات الفردية، حيث يميل الأفراد إلى التركيز على الإنجازات الفردية والنجاح، وذلك في مقابل الثقافات المشتركة، والتي تركز على الانسجام داخل المجموعة. ففي هذه الثقافات يكون الفرد أقل أهمية من المجموعة.

وتفترض الدراسة أن الاستخدام الفردي يكون صاحبه أكثر ميلا لتبادل المعلومات الخاصة مع الأصدقاء، وأكثر ميلا إلى الموضوعات المثيرة للجدل. وفي المقابل، أظهرت دراسة أخرى سنة 2000 أن مستخدمي الفيس بوك المندرجين في مجموعات ثقافية جماعية أكثر عرضة للاضطرابات في أعمالهم وعلاقاتهم الزوجية، وأن الفيس بوك يمكن أن يكون نظام دعم لأولئك الذين لديهم تفاعلات متكررة مع دائرة ضيقة من الأصدقاء.

العلاقة بين الفيس بوك وتعزيز الثقة بالنفس

وفي دراسة أخرى بجامعة كورنيل Cornell University تحت عنوان: «مرآة، مرآة على حائطي على الفيس بوك: الآثار الناجمة عن استخدام الفيس بوك على احترام الذات» Mirror, Mirror on my Facebook Wall: Effects of Exposure to Facebook on Self-Esteem تبين أن المعلومات التي يقدمها الشخص عن نفسه على حائطه يمكن أن تساعد في تعزيز احترام الذات.

هل يمكن إذًا للفيس بوك تعزيز الثقة بالنفس من خلال قائمة من الأصدقاء دون تفاعل حي معهم؟ أظهرت دراسة أجراها «لو» Lou سنة 2010 أن استخدام الفيس بوك قد يؤدي إلى انخفاض مستوى الشعور بالوحدة، لكن تحسين الحياة الاجتماعية للمستخدم لا يؤدي إلى تحسين الثقة بالنفس.

وقد وجدت دراسات أخرى أن ثمة علاقة بين استخدام الفيس بوك وتحسين مستوى الثقة بالنفس، من ذلك مثلا تلك الدراسة المسحية التي قام بها «يو» Yu وزملاؤه عن مجموعة من الطلاب في مجال الأعمال التجارية في الصين، حيث أظهرت الدراسة أن استخدام الفيس بوك كان له مردود طيب في المنتج التعليمي على المستوى الاجتماعي، بما في ذلك ارتفاع مستويات الثقة بالنفس واحترام الذات.

وأشارت الدراسة إلى أن الارتباط بين استخدام الفيس بوك واحترام الذات يتسم بالتعقيد، وربما تؤثر عليه العوامل الاجتماعية والثقافية. وفي بلد تتعدد فيه الثقافات قد يُعزز استخدام الفيس بوك احترام الذات، لكن لا بد من إجراء المزيد من البحوث. ماذا إذًا عن استخدام الفيس بوك والتواصل الاجتماعي؟

في دراسة أجراها كل من «شيلدون» و«أباد» و«هيرش» Sheldon & Abad & Hirsch سنة 2011، تبين أن الاستخدام المتكرر للفيس بوك مرتبط بكل من مشاعر الترابط وعدم الترابط العام في الحياة.

خلاصة القول:

الفيس بوك يفي بالحاجة إلى تقديم الذات. لقد أظهرت الدراسات أن الذات التي تصفها بنفسك على الفيس بوك ليست ذاتا مثالية، إنها أنت بالفعل. لكن في دراسة قدمها «شيري جراسموك» و«جيســون مارتن» و«شانيانغ تشاو» Grasmuck, S. & Martin, J & Zhao, S. سنة 2008 تحت عنوان «بناء الهوية في الفيس بوك » Identity construction on Facebook وُجد أن «أنفسنا» التي نقدمها على الفيس كهويات مرغوبة اجتماعيا هي تلك التي نطمح في أن نكونها، لكنها ليست حقيقية، بل هي تختلف بشكل كبير عن تلك التي نقدمها في مواقع إنترنت أخرى مجهولة.

إذا أردت أن تعرف نفسك، قدرك، أصدقاءك الحقيقيين، مدى شهرتك، مدى تأثيرك على الآخرين، مدى ما أضعته من وقت وما فقدته من متعة حقيقية في الحياة، ومدى ما تستطيع تحقيقه دون تجمل.. ابتعد لفترة عن الفيس بوك.. هل تستطيع؟

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اقرأ أيضاً:

بعد فضيحة الفيسبوك… ما هو مصير المعلومات المسروقة؟

الحرب غير المعلنة بإستخدام وسائل التواصل الإجتماعي

الكائن الافتراضي

أ. د. صلاح عثمان

أستاذ المنطق وفلسفة العلم – رئيس قسم الفلسفة – كلية الآداب – جامعة المنوفية