مقالات

لماذا التعليم؟ – عن دور المعلم والأخطاء التي تواجه المجتمع

التعليم هو مهنة لا يتقدم أي مجتمع بغيرها، ولا يكون الخير سواء الاقتصادي أو الاجتماعي أو الأخلاقي في مجتمع إلا بمنظومة تعليمية سليمة. وأحد أهم أفراد تلك المنظومة هو المعلم .

وفي الوقت الراهن في مجتمعنا نجد أن عدد المعلمين في مصر يصل إلى ما يقارب من مليون و200 ألف معلم وما يقارب من 69 مليونا حول العالم.

نجد الكثير من الخلل في المعلم والعديد من الأخطاء التي قد تكون بسبب المعلم وطريقة التفكير الخاصة به أو قد تكون مما يدور حول المعلم من ظروف فكرية ومجتمعية، فعلى من تقع المسئولية؟

صورة المعلم والمجتمع:-

مر ما يقارب من الخمسين عاما على عرض مسرحية هي عالقة وراسخة في أذهان الكثيرين منا وهي مسرحية (مدرسة المشاغبين)، حيث جسد ذلك العمل الفني إنهيارا للقيم، والترويج لمفهوم الانفتاح والحداثة ولكن بصورة غير سوية.

فنلاحظ بشدة أنه في ذلك العمل يتم السخرية والاستهزاء بكافة الرموز العلمية، فيتم السخرية من المعلم والسخرية من الناظر وكذلك التقليل من قدسية المكان الدراسي، فنجد في بعض الأحيان يتم التراشق بالألفاظ بين الطلاب وبعض الأحيان يتم المرح داخل الفصل الدراسي الذي من المفترض أنه مكان يتم احترامه لتلقي العلم،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وكذلك بعض الأفعال السيئة التي تسيء إلى قامة المعلم واحترامه بين زملائه، وكذلك إظهار الطالب الجيد المتفوق في دراسته بأنه طالب لا يحب المرح والضحك فهو شخص منعزل عن أصدقائه حتى.

كل تلك القيم السيئة والتي حين تتناقش مع أحدهم في خطئها قد يظهر لك السخرية ويقول (أنا أعلم أنها قيم خاطئة ولكنه عمل فني من أجل المرح والسخرية فقط لا غير).

قد تتسم تلك الصورة ببعض المصداقية، ولكن الخطر الأكبر يكون على الجيل الجديد من الأطفال الذين يتبعون ويقلدون تلك القيم رغبة منهم في الحصول على المكانة التي حصل عليها أبطال تلك الأعمال والشهرة بين أصدقائه.

دور المعلم:-

المعلم الناجح هو الذي يكون قدوة من حيث التحلي بالقيم الفاضلة والأخلاق التي تصبح طابعا له؛ يقتدي به غيره من الزملاء والطلاب.

كذلك فإن ما يواجه عصرنا اليوم من حيث دخول أفكار غريبة وجديدة على مجتمعنا تتطلب من المعلم القدرة على التمييز وإدراك الخطأ والصواب بأسلوب عقلي سليم، وهذا ما اتبعه أفلاطون في مذهبه حيث كان يرى أن أنواع وأنماط المعرفة المختلفة هي معرفة عقلية في البداية،

وأن المعرفة الحسية هي معرفة مطلوبة ولكنها قد تكون مشوشة وتحمل جزءا من الخطأ، لأن الحواس قد تكون عرضة للصواب والخطأ، لذلك فإن هذا ما نصح به أفلاطون حين قال يجب على المعلم أن يكون معلما عقلانيا يستدل على ما يقول بأدلة عقلية منهجية سليمة ولا يعتمد على التلقين والحفظ للطالب حتى يتيح له فتح مدارك المعرفة لديه.

 التعليم من أجل المال:-

من أكثر الأخطاء التي تواجه المجتمع و المعلم والتعليم في هذه الأيام هي أن التعليم أصبح من أجل المنفعة لا المعرفة كما قال الفلاسفة القدماء، وصار الهدف الأساسي من العلم هو محاولة تفسيره بالجانب المادي والتجريبي فقط حتى يتسنى للإنسان السيطرة عليه، وبالتالي تحقيق أكبر قدر من الاستفادة في تلك الأمور المادية دون الاهتمام بإشباع الحاجة المعرفية لدى الفرد،

فنجد على سبيل المثال أن الأب يحث ابنه على التعلم ويسعى لتوفير كافة السبل والطرق لذلك الابن حتى يجتهد في تعليمه لا رغبة في العلم ذاته وإنما في المنافع المادية من تلك العملية.

فنجد أن كثيرا من الآباء يسعون لدخول أبنائهم كليات مثل الطب والهندسة وغيرها من أجل توفير المال له بعد التخرج والمكانة وسط المجتمع؛ ظنا منه أنه يوفر له الراحة ويقوم بتأمين مستقبله، لكنه على عكس ذلك فهو يقوم بقتل القدرة الإبداعية لديه. إنما يجب أن يكون التعليم من أجل التعليم ذاته واتخاذ التعليم كوسيلة لارتقاء الذات والسمو بالنفس الإنسانية .

العلم والنظرة الغربية:-

كانت نظرة المفكرين الغرب أن اكتساب القيم المجتمعية والأخلاق لا يكون إلا عن طريق اختلاط الفرد بالمجتمع.

ومن هنا بدأت إنطلاقة فكرة نسبية الأخلاق والقيم، لأن القيم والمعايير المختلفة تختلف من شخص لآخر حسب المنطقة الجغرافية والحالة الاجتماعية والزمنية، وتلك النظرة هي التي أسهمت بشكل كبير في خروج نشء يخطئ في الكثير من المفاهيم مثل الحرية، فيظن أن الحرية تنطلق من ذاته وأن كل فرد حر في أن يفعل ما يشاء وقتما يشاء.

وكذلك النظرة النفعية في أن كل ما يحقق النفع لي  فهو من حقي حتى إن كان سوف يضر الآخرين فلا ضرر فالأمر نسبي فقط، وكذلك العمل على أن يكون المنهج التربوي في المدارس هو المنهج الحسي التجريبي فقط، وهو ما ينافي المنهج العلمي الصحيح، فهو يعتمد على تسخير كل معطيات الطبيعة من أجل تحقيق المنفعة المادية فقط،

فالمنهج الذي يدرس اليوم لا يهتم إلا بالعلوم الطبيعية والرياضية التجربية مع إهمال واضح لكافة العلوم الإنسانية التي تعتبر البذرة الأهم للتحكم في العلوم التجربية وحتى لا يتم استخدام تلك العلوم بشكل غير صحيح.

لذا وجب علينا الحذر مما يتم إدخاله من أفكار في مجتمعنا عامة وفي الجانب العلمي والتربوي خاصة فهو أساس النشء القادم.

اقرأ أيضا:

التعليم وعلاقته بالتغيير

تنشئة الأجيال الجديدة وعملية التعليم

“ثلاثية فساد التعليم”

مصطفى عاطف

عضو بفريق بالعقل نبدأ الصعيد