مقالات

لكي نجدهم يجب أن نكون منهم .. طريق الحق

يقال “اعرف الحق تعرف أهله” وقياسا على تلك المقولة نطرح موضوعا لطالما أخذ من الشد والجذب الكثير والكثير من النقاشات، ألا وهو “المدينة الفاضلة” فبين مؤيد للفكرة نظريا لكن يجد صعوبة فى التطبيق وبين رافض للفكرة نظريا، ويسعى وينادي بالتأقلم مع الأوضاع القائمة، صال وجال الكثير من رجال الفكر والمثقفين من مختلف الثقافات والبيئات والحضارات؛ ذلك لأن حلم المدينة الفاضلة القائمة على دعائم الحق والعدل والخير والجمال هو حلم يراود الكثير منا ولا أبالغ إن قلت الغالبية منا؛ حيث تهفوا الإنسانية إلى ذلك النموذج خصوصا بعد ما تعرضت له الكثير من البلدان والحضارات لويلات الحروب ونقص الموارد وتفشي الأمراض القاتلة وتغيرات المناخ، أضف إلى ذلك أنماط استعباد البشر التي تطورت وأخذت منحى في غاية الخطورة من العبودية بالمعنى القديم، فأصبح الاستعباد في وقتنا الحاضر استعبادًا فكريًّا وجسديًّا بل وروحيًّا لأفكار وأنماط شاذة من الفكر والسلوك وتفسيرات اختلط فيها الواقعي مع الوهمي!

على كل الاحوال نعود لموضوعنا الأساسي وهو “المدينة الفاضلة”

لكن فى البداية أرغب فى تسميتها إن صح التعبير بـ “المدينة الواقعية” ولهذه التسمية سبب هو ما سيدور حوله مقالنا…

كما قلنا فى بداية المقال “اعرف الحق تعرف أهله” وعليه حتى نتعرف على أهل الحق والمدافعين عنه يجب أولا أن نعرف ما هو الحق وما هو الباطل وكيفية التفرقة بينهما، هذا من جانب ومن جانب آخر، من البديهي إذا أردنا أن نكون من أهل الحق وجب علينا لزاما لما سبق أن نستطيع التشخيص لما هو حق وأن نمارس ونطبق هذا الحق في حياتنا، وقتها فقط يصح أن نوصف بأهل الحق.

قياسا على ذلك فإن “المدينة الواقعية” هي تلك المدينة التي تعتمد فى المقام الأول في بنائها الاجتماعي أو السياسي أو الأخلاقي والاقتصادي على قيم ومبادئ هي في الأساس حقيقية في معناها وأيضا في نتائجها، ونأخذ مثالًا على ذلك حتى يتضح الأمر:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

في الجانب الاقتصادي رؤيتان: الأولى ترى أن الاقتصاد قائم فى الأساس على هدف جوهري ورئيسى ألا وهو “فن جمع الثروة”

وهناك رؤية أخرى تنادي بأن يكون الهدف الجوهري والرئيسي للاقتصاد هو “فن توزيع الثروة”

بين هذه الرؤية وتلك يتضح معنى الواقعية التي أشرنا إليها؛ ففي الرؤية الأولى يكون هدف الاقتصاد هو (الجمع) وهذا ما يفتح الباب على مصراعيه للصراع غير المتكافئ بين من يملك الأدوات والوسائل أو من يملك القوة للأخذ عنوة وهذا ما يبدو جليا في عالمنا الحالي.

أما الرؤية الثانية فهي تنادي بأن يكون الهدف الرئيسي والجوهري للاقتصاد هو (التوزيع) منطلقة من مبدأ غاية في البساطة والواقعية، قائم على أن مواردنا هي بالفعل موجودة على أرضنا، ونحن جميعا أبناء تلك الأرض، والعدل يقضي أن توزع تلك الموارد على حسب حق كل فرد في تلك الموارد المشتركة بيننا جميعا فهي ليست ملكًا لأحد دون الآخر طالما نشترك جميعا فى نفس الأرض ونفس المصير.

تخيلوا معي لو تغير هذا المبدأ فى الاقتصاد واعتمد على رؤية واقعية قائمة على العدل، كم سيتغير هذا المجتمع البشري وتقل الصراعات فيه؟!

وبالرجوع للمدينة “الواعية أو الفاضلة” نؤكد أنها قائمة على مثل هذه القواعد كما أشرنا سابقا، لكن ما نريد أن نشير إليه فى الختام أنه ولكي يتحقق هذا التغيير يجب أن نكون نحن كأفراد نمثل ونتبنى تلك القيم حتى نكون من أهل المدينة الفاضلة.

فلا يعقل أن يكون سكان المدينة الفاضلة أفرادًا غير فضلاء! وبناء على كل ما سبق نستنتج أن حلم المدينة الفاضلة أو الواقعية ليس وهما ولا حلمًا صعب المنال، بل هو موجود بالفعل على المستوى النظري، وينقصه التطبيق ولكي يتم التطبيق بواقعية بعيدا عن الأحلام الوردية يجب أن تجد المدينة أهلها حتى توجد على أرض الواقع.

هل نحن نمتلك المنطقية والتجرد لمعرفة الواقعي من الوهمي، الحقائق من المغالطات؟ هل نحن نرغب حقا أن نكون فضلاء وعقلاء في مدينة فاضلة عاقلة؟ هل نحن مستعدون لخوض تبعات البحث والتعلم للوصول للأهداف بواقعية؟ هل نحن فعلا نريد!

فهل نحن من سكان المدينة الفاضلة حتى تظهر هي للعيان؟

اقرأ أيضا :

من أين تستمد قيمتك؟ (الجزء الأول): هل قيمة الفرد تستمد من الآخرين؟

أين أجد إجابات للأسئلة المصيرية ؟ وكيف يتم التوافق ؟

حقيقة السعادة الانسانية