كيف تأثرت بلعب الرياضة ؟
كيف تأثرت بلعب الرياضة ؟
لم أكن أبدا من هؤلاء الذين يمكنك أن تصفهم بالرياضيين، كنت بدينا دائما شرها في أكل الطعام متفننا في المزج والخلط بين أنواع الأطعمة المختلفة، وأبرر لنفسي ذلك بكم كبير من الحجج الواهية، فأنا في مرة ذواقة أستمتع بالطعام أو أقول لنفسي “الشباب شباب القلب لا يهم الجسد” ومرة أكسل عن تنظيم طعامي لما بعد الدراسة والتخرج، لقد كان فشلي الدائم في تنظيم أموري البدنية والصحية ناتجًا عن كسلي الشخصي ونظام الطعام الخاطئ في ثقافتنا المصرية المليء بالدهون والسكريات في كل وجباته والخالي تقريبا من كل ما هو مفيد وصحي كالخضر والفاكهة والبقوليات.
المهم أكرمني الله في السنين القليلة الماضية من حياتي بصدمات كثيرة جدا على مستويات عدة غيرت من نظام حياتي جذريا، ساعدتني تلك التغييرات على الابتعاد عن النظام الغذائي الخاطئ الدارج في ثقافتنا وأيضا على إعطاء الرياضة كمًّا أكبر قليلا من الاهتمام في حياتي الأسبوعية –لن أقول اليومية لأن هذه مرحلة لم أصل لها بعد– بدأت بالجري لمسافات متواضعة وبسرعة رتيبة تكاد تكون أقرب للمشي منها للجري منذ فترة، بدأ الموضوع معي بمجرد الفرح بإنجاز الخروج عن المألوف والنزول للشارع للجري، كان المفتاح دائما للاستمرار هو عدم وضع العراقيل أمام رغبتي في ممارسة الرياضة ، فلا أقول لنفسي يجب أن تجري في النادي أو يجب أن تشتري طقمًا رياضيًا أنيقًا أو يجب أن أحافظ على الحذاء من المطر، كنت كالمجنون إذا جاءني هاتف الجري في الشارع أسرعت ملهوفا قبل أن تنتطفئ نار الحماسة!
كنت في البداية أجري لوقت محدد أحمد الله كثيرا لو أتممته بالجري المستمر دون انقطاع، ومع الوقت والتدريب الذي تخللته فترات من الكسل والانقطاع دامت في بعض الأحيان لشهور طويلة تقارب العام، استطعت أن ألاحظ إما زيادة في اللياقة والأداء مع ثبات الزمن أو زيادة في الزمن مع ثبات السرعة، لاحظت كل ذلك ولم أحاول أن أغتر فالمشوار كان ولا يزال طويلا في لعب الرياضة للتخلص من تلال الدهون المتراكمة على قفصي الصدري ومعدتي، تلك الأوزان التي أرقت نومي وأنهكت رئتي وأتعبت مفاصل ركبتي، حاولت أيضا خوض المعركة الذهنية بالتعلم والقراءة والتصفح، فقرأت عن أضرار السمنة والسمنة المفرطة وعن فوائد الجري وكيفية تعويد الجسد الكسول على الجري، كنت أحاول أن أضيف دائما مزيجًا من التفكر والفلسفة لحياتي لكي لا يكون صراعا أهوجا بلا تأني.
ودخلت صراع المطبخ والطعام مع نفسي، ساعدني على ذلك ابتعادي عن منزل أهلي لظروف العمل المتقلبة، لم يكن كسلي هنا في صالح شهيتي الكبيرة، فكسلي عن النزول لتبضع الطعام الكثير الذي كنت أتناوله في بيت الأسرة كان أول حجاب بيني وبين الطعام الكثير، يبدو أن الثلاجة الممتلئة بالطعام هي من أكبر أضرار الترف والرفاهية ومن أهم أسباب السمنة، أتذكر في ليالٍ كثيرة كنت أعود من العمل منهكا خائر القوى لدرجة أنني أنسى شراء الطعام قبل الصعود للمنزل في الطابق السادس، وكنت أخلد للنوم العميق بعد الاستحمام ولا أفيق إلا بعد منتصف الليل جائعا بشدة لأجد في الثلاجة رغيف خبز أبيض فقط فأتناوله مع بعض الماء وأرش عليه السكر لكي أزيد من القيمة الغذائية قليلا فهذه الوجبة الوحيدة لي طوال اليوم ثم أكمل نومي، لم يكن الموضوع قلة المال، كان التعب وبعد المسافة بين المنزل وأماكن بيع الطعام بالإضافة لعدم توفر المصعد بالعمارة، كان تأديبا بمعنى الكلمة، حتى خرجت من تلك الفترة بمنظور مختلف عن الطعام، فطعامي هو ما يعطيني الطاقة للعمل فقط لا كل ما أملك القدرة على تناوله.
تطورت العملية معي للنزول للسوق في مواعيد محددة مرة أسبوعيا لجلب الخضار والمشتريات الطازجة، حاولت لفترة تقليل استخدام السكر وتوصلت إلى أن الطريقة الأسلم هي عدم شرائه من الأصل، لا أتذكر متى كانت آخر مرة اشتريت فيها كيس سكر، كانت منذ أكثر من عام، لا يعني ذلك أنني لا أتناول السكريات والحلويات فأنا أحبها وأتناولها أحيانا خاصة عند حالات الاكتئاب أو الضيق أو ضغط العمل العالي أو في الاحتفالات مع أصدقائي، لكن لم يعد الأمر سهلا يجب أن أنزل وأمشي لمسافة طويلة لأجلب هذه الممنوعات، فاقترنت عندي بالمجهود فلم تعد على قائمتي الرئيسية للمشتريات، لم أعد أشتري الزيت أيضا، فهو مثل الوقود النووي وأنا جسدي مثل محرك الديزل، لا يحتاج لكل هذا الكم من الطاقة، أكتفي بتناول الخضروات طازجة مع الخبز والبقوليات المهروسة أو كحساء خضروات بالصلصة المحضرة منزليا بغلي الطماطم مع بهاراتي المفضلة، لقد نصحني بعض الأصدقاء أنه كلما قلت عمليات تصنيع الطعام واقتربت من الطبيعة أكثر كلما تحسنت صحتي، لا أقول أنني خبير بالموضوع لكن بالتجربة تحققت نتائج.
ثم أعود للجري، كما قلت كان منظوري في الرياضة : الكم والكم فقط، لم يكن الأمر في البداية ممتعا بأي درجة من الدرجات، فقط معاناة، مع الوقت ازدادت المتعة قليلا ولكن استمر الألم بل وزاد أحيانا بعد فترات الانقطاع الطويلة، لكن مع الاستمرار كانت المتعة مع تقلباتها في طريقها للازدياد مثل مؤشر البورصة، لكن ظل معياري كم المسافة التي جريتها؟ وكم الوقت الذي استغرقته؟ كنت أحاسب نفسي بحزم حول الموضوع ولا أعرف وسيلة أخرى للتمسك غير مراقبة الإنجاز وتسجيله بالساعة والمتر والكيلو جرام على الميزان الذي أصبح قراءة وزني منه هو عادتي اليومية!
لكن منذ يومين نزلت للجري فحدث ما لم يكن في الحسبان، لقد وصلت لنقطة المتعة التي لا يشوبها ألم، لقد استمريت في الجري بعد أن حققت هدفي التقليدي لفترة طويلة تتجاوز النصف ساعة، ولم أتوقف لأنني تعبت، ولكن لاقتراب موعد العمل، لم أنظر للساعة ولم أكترث، فقط استمتعت بإلقاء بصري على الأفق البعيد خلف الظلال والأشجار لكي أكمل الجري لعلي أصل لهذا الأفق فانطلق بعدها لأفق جديد، لقد كنت أتهادى أحيانا وأحيانا أسرع، أسمع أصوات العصافير تارة وتارة أخرى أسمع الموسيقى الحماسية التي أضعها على الهاتف الذكي في سماعات الأذن ليزداد عزمي على المواصلة، كانت تجربة أؤمن أنها كانت نقطة تحول من الجري الكمي للجري الكيفي، الاستمتاع الحقيقي بوجود الرياضة كمكون من حياتي.
قلت لنفسي بعدها: لا تحرم نفسك من الاندفاع واستكشاف حدودها وقدراتها فستفاجئك حتما بنتائج لم تكن في الحسبان، ولا تغتر بما وصلت إليه بل أكمل المشوار وانطلق لمحطات جديدة من الإنجاز، ولا تضع للعمل شروطًا مثالية تجعل نفسك تجزع وتكسل بسهولة عن العمل نتيجة لتلك الحجج الواهية، فلتعش حياة سليمة وصحية لكي تكون إنسانًا أفضل بعقل أرقى منظم وجسد سليم وصحي لكي تستطيع تغيير الواقع الأليم من حولك الذي لم تجد فيه سعادتك وراحتك، لا أن تتحول أيام حياتك للانتظار السلبي، تنتظر لحظات الإنقاذ والانتشال من غياهب اليأس والأسى، كن أنت منقذ نفسك في البداية وستصل لك يد المعونة لتكمل لك المشوار.
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.