مواقع التواصل وعلاقتها بالكآبة والضغط النفسي
عدة دراسات ظهرت في الفترة الأخيرة تتحدث عن الضرر النفسي الكبير من تصفح مواقع التواصل الاجتماعي بشكل دوري ومستمر وكثير، حيث كثرة تصفح مواقع التواصل الاجتماعي تؤدي إلى إصابة الإنسان بالقلق والتوتر وربما الاكتئاب أيضاً.
للوهلة الأولى لم أُصدق تلك الدراسات وشعرت أنها تُبالغ، ولكن بعد تأمل في الخبر واستدعاء حالتي أثناء التصفح وتذكر شكل حسابي على موقع فيس بوك بمنشوراته وأخباره، رأيت أن تلك الدراسات بالضرورة صحيحة
الحساب الشخصي إنعكاس لصاحبه
إن أي حساب على الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي هو انعكاس لشخصية صاحبه، فأصحاب الاهتمامات الكروية مثلاً يتعرضون لمنشورات من عينة خسارة فرقهم المفضلة وصعوبة المباراة القادمة والبطولة التي تضيع والمنافس الذي يكسب والصدمة التي سببتها خيانة نجم الفريق لمبادئ النادي نتيجة رحيله المفاجئ واللاعب المحبوب عندما يُصاب…
أما أصحاب الاهتمامات السياسية فإنهم يتعرضون لمنشورات إخبارية من نوعية احتجاجات في البلد الكذائية وهجوم على كمين في المدينة المجاورة، والزعيم السياسي الذي يُريد امتلاك سلاح نووي والحرب الأهلية في البلد العلّانية والجماعات الإرهابية في المنطقة الفلانية…
وأصحاب المنشورات الاجتماعية يتعرضون لمنشورات غلاء الأسعار وحالات التحرش والسرقة والاختفاء وموت المشاهير…
أما أصحاب المنشورات العميقة وأحباب الاقتباسات الروائية فإنهم يتعرضون لمنشورات الخيانة والفراق والظلم ووجع النفوس واليأس والبؤس وإحباطات ديستويفسكي وكافكا وغيرهم.
وضحايا المادية والاستهلاك -أسرى النظام العالمي الرأسمالي- وللأسف معظم الشعوب العربية منهم، فإنهم يهتمون بصفحات الماركات ويتعرضون لمنشورات السلع الكثيرة والعروض وينهشهم ضغط العجز عن الشراء ويهاجمهم الشغف بالرفاهية ويرهقهم التفكير في كيفية التدبير للشراء.
أما المهتمون بالرومانسية والحب ومعظمهم من المراهقين فإنهم في مرمى نيران الضغط أيضا نتيجة رؤيتهم لنماذج فتى وفتاة الأحلام وسعيهم الدائم للتشبه بهم وشعورهم بالنقص نتيجة عجزهم عن الوصول لدرجة الجمال المطلوبة، حيث يتعرضون لصفحات الممثلات والممثلين وهوليود والمسلسلات التركية وغيرهم…
والأمهات يتعرضن لضغط صفحات الطبيخ، وسعيهم لتقليد طبخات احترافية من طباخين محترفين، كثيراً ما يفشلن في طبختهم ومن ثم سخرية أعضاء البيت، وكثرة التصفح وكثرة الطبخات تجعلهن يردن طهي الكثير والكثير فتكون كل واحدة منهن في مرمى الضغط!
مواقع التواصل تُرهق الذهن!
أعتقد أن الاستخدام الكثيف للفيس بوك و مواقع التواصل الاجتماعي يسبب إرهاقاً ذهنياً وضغطاً نفسياً بالفعل، نتيجة هذا الكم الكبير من المعلومات والأخبار والذي يحتوي على جزء لا بأس منه من الأفكار المغلوطة والأخبار المُحزنة، مواقع التواصل الاجتماعي تمس آلامنا واحتياجاتنا “وتُقْلب علينا المواجع” وكثرة تصفحها يؤدي لكثرة هذا المس المؤلم.
والسؤال هنا ما هي المدة اللازمة لتصفح هذه المواقع؟ وما هو الوقت المناسب؟.
بالتأكيد مواقع التواصل الاجتماعي نافذة لنا على العالم ولكن إن أطلنا الوقوف أمام هذه النافذة سيسرق وقتنا ونعجز عن أداء أنشطة حياتنا، وإن وقفنا أمام النافذة في شتاء قارس أو حر قائظ بالتأكيد سنمرض، فيجب علينا اختيار الوقت المناسب للوقوف.
ماذا نفعل ؟
يجب ألا نستخدم الفيس بوك بعشوائية وإسراف بل يجب أن يكون الاستخدام منظماً وعادلاً، ما المانع من تحديد وقت معين ومدة محددة لتصفح الفيس بوك ومواقع التواصل؟ حتى لا نتعرض لأذاه وحتى تستمر حياتنا في الواقع الطبيعي بشكل طبيعي.
لا يليق بنا كبني آدم أن نقضي معظم حياتنا أمام الشاشات في عالم افتراضي، إن الواقع الخارجي به الكثير والكثير من مصادر السعادة الحقيقية، وأنت يا من تقضي وقت فراغك في عالم هاتفك الذكي لماذا لا تُجرب أن ترى جمال الحياة الطبيعية؟ لماذا لا تُجرب أن تقرأ مثلاً؟ أو تُشارك أصدقاءك هواية؟ أو تُشارك في جمعية خيرية؟ أو تقضي وقتاً طيباً مع أسرتك؟
لماذا لا تُجرب الاهتمام بثالوث الروح؟ العلم والحب والأخلاق، هل جربت أن تصب اهتمامك على إشباع جوع روحك؟ هل جربت أن تحقق مزيداً من النجاح في حياتك العملية أو الدراسية أو الاجتماعية؟ إن مزيداً من النجاح يتطلب مزيداً من الوقت، ومزيد من الوقت يتطلب تقليل وقت العدم الذي نقضيه على مواقع التواصل الاجتماعي.
لماذا لا تعيش في الواقع وتصمم على الانسحاق في الافتراض؟!
اقرأ ايضاً .. الفيسبوك وأخواته والحرب غير المعلنة
اقرأ أيضاً .. جنون التواصل الإجتماعي
اقرأ أيضاً .. مأساة المجتمع الأزرق