عن المعاناة والألم والقلق حوافز للتغيير

الاضطراب النفسي بأشكاله كلها دليل ساطع أن الإنسان ما زال حيًا، وأن خطأ فادحًا تشكل بواسطة عدم تفهم السياق للطبيعة الإنسانية وضغطه على ذهن الإنسان وروحه. تمامًا كحجر ثقيل استقر فوق صدر الإنسان ويحاول الإنسان بطاقته كلها التخلص من ثقله الخانق والكاسر.
يشعر الإنسان بالألم والاختناق ويبدأ في الصراخ والانتفاض والعنف، أوقاتًا يفشل في معادلة هذا الثقل المهول فوق صدره، يتملكه اليأس أحيانًا، والشعور بالنقص والعجز والدونية أحيانًا أخرى. يتبلد أحيانًا حتى يقمع شعوره بالألم، إلا أن الألم والاختناق شديد وفوق الاحتمال. وما دام الحجر جاثمًا فوق صدره، لن يتوقف عن القلق والتوتر والصراع بين يأسه ومحاولاته.
كذلك الحال مع ضغوط التملك والتدجين، إذ يستغل الأقوى عمريًا وجسديًا وطبقيًا الأضعف، ذلك أنه يدرك جيدًا أن باستطاعته التحكم في حاجاته الطبيعية وابتزازه. علاقة رجل مستبد بطفله الضعيف فكريًا وعمريًا أكبر مثال على ذلك، أيضًا علاقة الرجل الذي أعطاه المجتمع الحقوق كلها لتملك المرأة كأداة للمتعة والاستغلال داخل المنزل وخارجه. والسياسي المحمي بسلاح الدولة الذي باستطاعته قمع المواطن ومنعه من الحد الأدنى من حقوقه، والرأسمالي المدعوم من الأنظمة السياسية الذي يستنزف طاقة عمل العمال لمزيد من الإنتاج والربح والثروة.
دائمًا هناك ضغط على الإنسان الذي أُضعِف سواء كان طفلًا أو امرأة أو عاملًا أو مواطنًا. تتحول السلطة الأبوية والسياسية والاقتصادية إلى حجر ثقيل على صدر إنسان هذا السياق، تمنع عنه حاجاته الطبيعية في الغذاء والكساء وحاجاته النفسية في خوض معركة حياته باستقلال وكرامة واستمتاع بالرحلة وتحكم بمسارها.
العصاب وألمه ومعاناته واختناقه واكتئابه بداية الطريق لاكتشاف الأزمة التملكية ومحاولة البحث عن جذورها.
في كتابه عن الهدر وعلم النفس الإيجابي يعبر د.مصطفى حجازي عن تلك البداية: “يمكن لتجربة الخسارة أن تقود الإنسان إلى تغيير نظرته إلى الذات والعالم من حوله، وتحويلها إلى فرصة للتوقف وتقويم المسيرة الحياتية وتوجهاتها. قد تكون من ثم فرصة مؤلمة إلا أنها مفيدة لتحقيق تحولات إيجابية”.
يستطرد د.عادل مصطفى في مقدمته المثمرة عن العلاج النفسي الوجودي: “لا بد للإنسان أن يعيش في القلق لكي يعي حقيقة وجوده. ذلك أن الإنسان بطبعه يميل إلى الفرار من وجه العدم الماثل في صميم الوجود، وذلك بالسقوط بين الناس والتردي في الحياة اليومية الزائفة، ولكي يعود إلى ذاته لا بد له من قلق كبير يوقظه من سباته”.
هذا الميل السهل والاضطراري إلى الفرار هو بالضبط لجوء الإنسان للآليات الدفاعية، التي يدافع بها عن كينونته في مواجهة القمع الهائل وغير المحتمل.
مقالات ذات صلة:
المعاناة والألم … هل من سبيل للخلاص من المعاناة؟
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا