كم من ليث فقدنا أثره
بادئ ذي بدء، فإنه تشغلني هذه العبارة كثيرًا كلما تصفحت كتب السير والتراجم والتواريخ، عبارة منسوبة للإمام الشافعي (767م–820م) رحمه الله إذ قال: “الليث أفقه من مالك، لكن تلاميذه لم يقوموا به”.
لا اعتراض على قدر الله عز وجل قطعًا، لكن يؤلمك –وأنت تطالع ثناء الدنيا على الليث– ذلكم التقصير في حق ذلكم الإمام.
الليث إمام أهل مصر في زمانه بلا منازع، ولا يكفي أن تجد أقوالًا لليث هنا أو هناك، فهذه مسائل تحمل لك شيئًا من اجتهاده وورعه وفتاواه، لكن أن تستنبط مما وصلك تفاصيل هذه الشخصية ودقائقها ليستفيد من دراستها القاصي والداني، فهذا الأمر بعيد المنال.
كم من ليث فقدنا أثره، وحُرمنا فضله وتوجيهه بسبب تقصير التلاميذ أن لم يقدروا عطاء أستاذهم وإنتاجه حق قدره، وأجد نفسي أهرول هنا وهناك محاولًا تدارك شيء من هذا التقصير، كأني أنا المذنب المقصر، محاولًا تلمس ليوثنا ألا نفقد واحدًا آخر، فكفانا ما فقدنا.
الدكتور عبد العزيز القوصي عميد علم النفس
وليثنا –ولسعادة الطالع أيضًا– إمام من أئمة أهل مصر في فنه الذي لا يجاريه فيه إلا قليل، الدكتور عبد العزيز القوصي (1906م–1992م)، عملاق علم النفس في الوطن العربي، وكما يقول عنه الدكتور سعيد إسماعيل علي (1937م–،.م): “إمام علم النفس في العالم العربي بلا منازع مدة لا تقل عن نصف قرن”.
أن تكون بارزًا في علم من العلوم هذا ربما يحسنه بعض الناس، لكن أن تكون إمامًا فيه، يقصدك الناس من كل حدب وصوب ويدعونك في بلادهم ومؤتمراتهم لينهلوا من علمك، فهذا شأن الأكابر من أمثال رائدنا القوصي.
لقد كان مما يشغل بال الباحثين في شتى العلوم سؤال مفاده: من أول من تكلم في هذا العلم؟ أو من الأب الروحي لهذا الفن؟
منتشرٌ بين الباحثين أن الشافعي أول من ألف في علم أصول الفقه، وإليه يعود الفضل في نشأته وتدوينه، وتطبيق هذه الأصول تطبيقًا عمليًا على الآيات والأحاديث، فقليل من يحسن التطبيق العملي للقواعد النظرية.
إمامنا القوصي من هذا الطراز الذي أجاد النظرية والتطبيق في فن علم النفس، ومما يدلل على هذا أنه أول من أنشأ عيادة نفسية في العالم العربي، مما جعله وبحق أبًا روحيًا لكل من أتى بعده ممن له علاقة بعلم النفس من قريب أو بعيد، ويكفيك أن تسمع أسماء قامات علمية يُشار إليها بالبنان في فضائنا التربونفسي مثل: سيد أحمد عثمان، طلعت منصور، مصطفى فهمي، حامد عمار، سعيد إسماعيل علي، حامد عبد السلام زهران، وغيرهم –مع حفظ الألقاب– نهلوا من علمه، لتعلم شيئًا من قدر الرجل.
فمتى نرجع إلى كتابات القوصي؟ كي نعاود قراءتها، وتوظيفها على المستوى النظري، والمستوى التطبيقي. فهل من مجيب؟
مقالات ذات صلة:
علم النفس الإيجابي في مخططات عامة
القيم الخُلُقية وصناعة المعرفة العلمية
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا