ظاهرة النفق الكمي
أغرب ظاهرة في الفيزياء.. هل الجسيمات الذرية يمكن إن تسافر أسرع من الضوء تحت ظروف فيزيائية معينة؟!
عايزك بس تتخيل معايا حاجة صغيرة كده، تخيل إن في شوية علماء بيعملوا تجربة ذرية جديدة وغريبة حبتين، التجربة دي بيحاولوا فيها يرصدوا سرعة حركة جسيم ذري صغير مسافر في الفضاء، بس بيقابله عائق في طريقه أشبه بالحيطة.
فجأة، في وسط القياس، وأول ما الجسيم الذري ده بيوصل للحيطة، بتحصل حاجة مذهلة، الجسيم فجأة بيعبر من الحيطة للناحية التانية بشكل فوري وبدون ما يستغرق وقت تقريبًا! وطبعًا العلماء بيتجننوا، وبيحاولوا يكرروا التجربة مرة والتانية، وفي كل مرة بيحصل نفس الحاجة، الجسيم بيختفي فجأة ويظهر ورا الحيطة، كإنه شبح حقيقي!
لما يقرروا يقيسوا سرعة الجسيم ده، اللي استغرقها في عبور الحيطة دي للناحية التانية، كانت المفاجأة المذهلة، الجسيم تحرك بسرعة أكبر من سرعة الضوء نفسه، وأكبر من سرعته هو نفسه لو كانت الحيطة دي مش موجودة!! وبكده كسر كل القواعد اللي إحنا نعرفها عن أساسيات علم الفيزياء، وطريقة عمل الكون نفسه!
طب إزاي ممكن ظاهرة مستحيلة زي دي تحصل، وتبقى واقع حقيقي ومش خيال؟!
هو ده موضوعنا النهاردة، كوباية شايك الحلوة والنعناع، وتعالى أحكيلك.
ما هي ظاهرة النفق الكمومي؟
في البداية كده وعشان تبقى فاهم معايا الظاهرة الغريبة اللي تكلمنا عنها دي، لازم الأول تعرف العلماء بيسموها إيه، والاسم اللي أطلقوه عليها هو ظاهرة النفق الكمومي أو الكمي (Quantum Tunneling)، وزي ما هو واضح من التسمية، فالاسم بيعبر عن قدرة الجسيمات الذرية على عمل تصرفات غريبة وفريدة من نوعها، تعتبر من ضمن خصائصها اللي بتسمح بيها قواعد فيزياء الكم نفسها.
التصرفات الغريبة والمذهلة دي إن أي جسيم ذري مسافر عبر الفضاء لو توفرت قدامه ظروف معينة، بيقدر يعبر من أي عائق بيقابله في الفضاء، ويظهر خلفه فجأة بشكل غير قابل للاستيعاب أو الرصد المباشر، كإنه بالظبط بيدخل جوة نفق بيعبر بيه حاجز الواقع نفسه، ويخرج منه مرة تانية من دون أي تأثير مباشر عليه!
يعني تخيل مثلًا إنك معاك كورة قدم صغيرة، لو إنت جيت ورميت الكورة دي على الحيطة، فطبعًا هي هتخبط في الحيطة دي وترتد ليك مرة تانية، بس لو قلتلك بقى إن الكورة دي ممكن متخبطش في الحيطة، لكن هتعبر من جواها وتعدي للناحية التانية بسرعة أكبر من مستوى استيعابك نفسه، لدرجة إنها هتبقى كإنها اختفت من مكانها وظهرت الناحية التانية بشكل فوري! تخيل إنت هتحس بإيه لو شفت مشهد زي ده بيحصل في العالم الحقيقي بتاعك!
أهو نفس المشهد ده بيحصل كل يوم مع الجسيمات الذرية في العالم الكمي الأغرب من الخيال، ومحدش لحد دلوقتي لسه فاهم ولا مدرك ليه ده بيحصل، وإزاي!
سرعة ظاهرة النفق الكمومي
في البداية، ومع اكتشاف ميكانيكا الكم في العشرينيات من القرن اللي فات، كانت الحلول اللي بتطرحها مثيرة وبتجاوب على ألغاز كتير كانت بتواجه العلوم الفيزيائية والكيميائية وقتها، زي مثلًا إزاي بتتكون الروابط الكيميائية بين العناصر، وإزاي العناصر المشعة بتنهار، وإزاي بتقدر ذرات الهيدروجين اللي في مراكز الشموس إنها تتغلب على قوى التنافر الطبيعية اللي بينها، وتندمج.
كل ده كان تمام وكويس، لحد ما العلماء اكتشفوا ظاهرة النفق الكمي دي، اللغز العظيم اللي الظاهرة دي كانت بتطرحه بسبب كونها جزء أساسي من خصائص الجسيمات في الفيزياء الكمية، كان أكبر بكتير من قدرتنا على الإجابة.
في الأول العلماء كان عندهم فضول بسيط يعرفوا هي الظاهرة دي سرعتها بتبقى قد إيه، وإيه هو مقدار الوقت اللي بيستغرقه الجسيم في إنه يعبر من الحواجز اللي بتقابله دي، وفي كل التجارب اللي عملوها عشان يجاوبوا على السؤال ده، كانت الإجابات اللي بيوصلوا لها كلها غريبة ومخيفة فعلًا.
أول ورقة علمية اتنشرت عشان تحاول تحسب الزمن اللي بتستغرقه ظاهرة النفق الكمومي دي، كانت سنة 1932، وبرغم إن في علماء كتير حاولوا يحسبوا الزمن بتاع الظاهرة دي قبلها، إلا إنهم كلهم خافوا ينشروا نتايجهم دي عشان محدش يقول عليهم مجانين، ليه؟! عشان كل الحسابات كانت بتظهر إن الظاهرة دي أسرع من الضوء نفسه!
اقرأ أيضاً: قياس كتلة بوزون W وكشف أكبر كسر في عرش نموذج القياس للفيزياء
اقرأ أيضاً: التشابك الكمّي: من الفلسفة إلى الفيزياء
الأنفاق الكمومية تظهر كيف يمكن للجسيمات أن تتخطى سرعة الضوء
في سنة 1962، جه عالم اسمه توماس هارتمان، وكتب ورقة بحثية مشهورة، أكدت للعالم كله حقيقة مذهلة، الحقيقة دي إن الحواجز اللي بتقابلها الجسيمات الذرية في طريقتها مكانتش حواجز خالص بالنسبة لها، بل هي على العكس تمامًا، كانت أشبه باختصارات في نسيج الزمكان نفسه!
طب يعني إيه الكلام ده بالظبط؟! ركز معايا في اللي هقوله ده، وحاول تتمالك نفسك، عشان اللي جاي مذهل فعلًا!
اللي قاله هارتمان إن الحواجز اللي بتقابل الجسيمات الذرية بتبقى في الواقع اختصارات في الوقت والمسافة نفسها، يعني لما الجسيم الذري بيقابل حائط، وبيحصله ظاهرة الـ(Tunneling)، فهو في الواقع بيستغرق وقت أقل من لو كان الحاجز ده مش موجود!
المذهل أكتر من كده إنه بناءً على الحسابات اللي عملها، فحتى لو زاد السُمك بتاع الحاجز، مبيأثرش تقريبًا في الوقت اللي بيستغرقه الجسيم في عبوره! يعني لو إحنا افترضنا إننا عملنا حاجز سميك لدرجة معينة، وبعدين أطلقنا ناحيته جسيم ذري، والجسيم الذري ده عمل (Tunneling)، فهو ممكن يقطع المسافة بسرعة أعلى من السرعة اللي هيستغرقها الضوء نفسه لو قطع نفس المسافة في الفضاء!
يعني باختصار، الظاهرة دي كانت بتقول إن الجسيمات الذرية أثناء الانتقال في الأنفاق الكمية، يمكن لها السفر بسرعة أكبر من الضوء نفسه! اللي هي حاجة المفروض إن قواعد الفيزياء نفسها بتقول إنها مستحيلة تمامًا!
علماء فيزياء يحاولون حل لغز النفق الكمومي
طبعًا الورقة العلمية اللي نشرها دي وقتها عملت قلبان في الأوساط العلمية والفيزيائية في العالم كله، وتم تسمية الحالة اللي بتسافر فيها الجسيمات أسرع من الضوء باسم تأثير هارتمان (Hartman’s Effect)، ولسنين طويلة بعدها حصلت أبحاث ونقاشات وأسئلة كتير عليها، كلها مالهاش إجابة منطقية.
لو كانت الجسيمات الذرية فعلًا تقدر تسافر أسرع من الضوء نفسه تحت ظروف فيزيائية معينة، يبقى إيه معنى الزمن أصلًا؟ وإزاي نقدر نقيسه أو نعرفه في تجربة زي دي، بتتم على المستوى الذري، اللي المفروض مفيش فيه أصلًا معنى للوقت؟! يعني هل مثلًا الجسيم ده لما انطلق من مكانه خلف الحاجز، ووصل أسرع من الضوء للناحية التانية، يبقى كده وصل قبل ما ينطلق أصلًا؟!
إزاي ممكن حاجة تحصل قبل ما تبدأ من الأساس؟!
هو ده السؤال الغامض اللي طرحه العلماء على نفسهم في الفترة دي، وبمرور الوقت، خرجت أكتر من 10 تفسيرات فيزيائية ونظرية لمفهوم الزمن في ظاهرة النفق الكمي دي، ومفيش ولا واحدة منهم قدرت تحل اللغز.
كيم تتم ظاهرة النفق الكمومي؟
كل ده عشان المشكلة كانت إننا منعرفش إيه تعريف الوقت نفسه على المستوى الذري عشان نقدر نقيسه، وده لإن الجسيم الذري المفروض حسب قوانين ميكانيكا الكم إنه مالوش مكان واحد محدد، بل هو عدد لا نهائي من الأماكن المحتمل يكون موجود فيها، وبالتالي منقدرش نحسب الوقت اللي قضاه في مكان معين سواء جوة الحاجز أو بره، عشان هو موجود في كل الأماكن في نفس الوقت، وعشان كده مش بيطلق عليه جسيم، بل موجة أو (Wave).
عشان تقدر تفهم الموضوع بشكل أوضح، تخيل معايا كده إن إنت عندك جسيم ذري هتطلقه في اتجاه حاجز، وبعد الحاجز هيكون في حيطة عليها جهاز استشعار، فلما الموجة الخاصة بالجسيم بتنطلق وتقابل الحاجز، جزء منها بيرتد لورا مرة تانية، بس جزء صغير بيقدر يعدي من بين الحاجز ويوصل لجهاز الاستشعار اللي على الناحية التانية.
لحد ما الموجة بتاعت الجسيم تقدر توصل وتتسجل في جهاز الاستشعار، فإحنا مش هنكون عارفين هي عبرت الحاجز ولا معبرتوش، عشان قبل وصولها للحاجز بيكون الاحتمالين متساويين بنفس القدر، ومفيش واحد منهم مؤكد! فإزاي بقى نقدر نقيس زمن حاجة محصلتش من الأساس؟!
فهمت المعضلة فين؟
اقرأ أيضاً: هل نحن نعيش داخل برنامج محاكاة؟
تعرف على: الكشف الأكثر غرابة في الفيزياء الكمية!
خصائص النفق الكمومي
الفكرة إن الأشياء المادية عمومًا بيكون ليها خصائص فيزيائية معينة، يعني ممكن الموبايل اللي في إيدك دلوقتي يكون له كتله ووزن، وممكن يكون له موقع واضح في الفضاء تقدر تعرفه وتعبر عنه، بس مالوش خاصية اسمها “الوقت”، يعني أنا ممكن أسألك الموبايل بتاعك فين، فتجاوب عليا وتقولي في جيبي، بس مينفعش أسألك وأقولك الموبايل بتاعك إمتى، مفيش حاجة اسمها كده أصلًا!
بالمثل، الجسيمات الذرية اللي بتكون الموبايل بتاعك ده أصلًا مفيش فيها حاجة اسمها زمن، ومش واحد من خصائصها من الأساس! وبدلًا من ده، فإحنا في الواقع بنقيس حاجات تانية بتحصل وتتغير في العالم الحقيقي بتاعنا –زي مثلًا دقات عقارب الساعة– وبنقول عليها وحدات زمنية سواء ثواني أو دقايق أو ساعات، رغم إنها مجرد تغيرات في المكان مش أكتر، العقرب بيتحرك من مكانه بشكل مستمر وثابت، فإحنا بنحسب هو بيتحرك كل قد إيه، وبنقول إن ده هو الزمن!
حركة عقارب الساعة دي مش قيمة ثابتة، يعني الساعة بتاعتنا على الأرض غير الساعة اللي موجودة في الفضاء، غير الساعة اللي جوة الشمس، غير الساعة اللي على سطح المريخ! عشان هي بتتأثر بالخصائص الفيزيائية التانية للأجسام زي الجاذبية والكتلة وغيرهم، وبتتحرك يا إما أسرع أو أبطأ، فبالتالي مفيش زمن موحد للكون نقدر نتفق عليه.
فيزياء الجسيمات
فوق كل ده، الجسيمات الذرية أصلًا مفيش جواها حاجة تنفع تبقى زي عقارب الساعة ونقدر نقيس حركتها عشان نعرف الزمن اللي عدى عليها، فبالتالي هنقيس زمنها إزاي؟! مستحيل طبعًا، وبسبب ده، فكل علماء الفيزياء بيقولوا إن الجسيمات الذرية أصلًا مش بتحس بمرور الزمن، وبتتحرك بره حدود البعد الزمني بتاعنا من الأساس!
عشان كده كل التجارب الفيزيائية القديمة والحديثة اللي اتعملت لقياس الوقت اللي بتستغرقه الجسيمات الذرية في الـ(Tunneling) أو السفر عبر الحواجز السميكة، كانت بتقول وبتأكد بما لا يدع مجال للشك إن الجسيمات دي بتسافر أسرع من الضوء نفسه، وده كان معناه خطير ومرعب، وممكن يغير تفكيرك في الكون كله.
معناه إن الكون اللي إحنا عايشين فيه ده، وفاكرينه ثابت وله شكل واضح ومحدد ومعروف قدامنا، هو في الواقع على المستوى الذري مفيش فيه أي قواعد ولا قوانين ولا ثوابت.
إننا لسه برغم كل علومنا وتطورنا التكنولوجي اللي مالوش مثيل ده، لحد دلوقتي منعرفش أي حاجة، وعلمنا أقل من نقطة مية في وسط المحيط، وهيفضل العالم الذري ده بالنسبة لنا عبارة عن لغز غامض مالوش إجابة إلا عند الإله نفسه.
المصادر:
https://www.quantamagazine.org/quantum-tunnel-shows-particles-can-break-the-speed-of-light-20201020/
http://abyss.uoregon.edu/~js/glossary/quantum_tunneling.html
https://www.chemistryworld.com/news/explainer-what-is-quantum-tunnelling/4012210.article
https://www.livescience.com/quantum-tunneling-observed-and-measured.html
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا