سلسلة نظرية الأمل والعلاج بالأمل .. الجزء الرابع
ثانيًا: مثالان من الحياة الواقعية للعلاج بالأمل
من المفيد أن نتوقف عند توضيح المواقف الحياتية الفعلية التي يمكن تطبيق العلاج بالأمل فيها بنجاح:
السياق الإكلينيكي (Clinical setting):
تواصل السيد إيه مع معالج نفسي نتيجة سيطرة مشاعر الحزن والتوتر والارتباك واليأس عليه، الأمر الذي كان له تأثيرات سلبية سيئة على عمله ونومه. وبعد تطبيق عديد من المقاييس النفسية وجد أن السيد إيه يعاني من الاكتئاب البسيط وسيطرة أفكار اليأس عليه (Kirmani & Sharma, 2015).
كوّن السيد أ. ومعالجه النفسي تحالفًا علاجيًا ووضعوا سلسلة من الأهداف، بما في ذلك:
- زراعة الأمل وغرسه.
- تحسين الحالة المزاجية.
- زيادة مهارات التخطيط.
- تحسين النوم.
شملت تدخلات العلاج بالأمل جدولة الأنشطة لزيادة المتعة والإتقان، وتعزيز مهارات حل المشكلات والتخطيط، وإعادة الهيكلة المعرفية للتغلب على الإدراكات السلبية (Kirmani & Sharma, 2015).
وبعد 17 جلسة أسبوعية، مدة كل منها ساعة واحدة، أفاد السيد أ. بتحسن حالته الصحية وعبّر عن مستوى مرتفع من التفاؤل. وتحديدًا رأى قيمةً في فوائد هذه الممارسات بما في ذلك غرس الأمل وتعزيزه، والتركيز على نقاط القوة بدلًا من نقاط الضعف. كما أفاد بتحسن في حياته العملية ومهاراته في التخطيط عمومًا (Kirmani & Sharma, 2015).
علاج السرطان (Cancer therapy):
أفضي العلاج بالأمل إلى تحقيق زيادة واضحة في مستويات الأمل وطيب الحياة النفسية والفسيولوجية لدى مرضى السرطان (Chan, Wong, & Lee, 2019). إذ أمكن بعد أربع جلسات فقط مدة كل منها ساعة واحدة تحقيق عديد من الفوائد النفسية عن طريق التركيز على ثلاث سمات أساسية للعلاج بالأمل:
- تحديد أهداف قابلة للتحقيق.
- إيجاد طرائق أو سبل ومسارات للوصول إلى الأهداف المرغوبة.
- التحدث الإيجابي مع الذات لاستنهاض الدافعية لتحقيق الهدف وإنجازه.
وعلى ذلك يفيد العلاج بالأمل في دفع الأشخاص لتصور المستقبل والإبحار في صناعته (Chan et al., 2019).
ثالثًا: 10 فوائد للعلاج بالأمل: مراجعة لنتائج بعض الدراسات العلمية
خلصت نتائج دراسات عديدة إلى الكشف عن تأثيرات إيجابية متنوعة للعلاج بالأمل حددت في مختلف السكان وفي مجالات علم النفس جميعها تقريبًا، بما في ذلك (Kirmani & Sharma, 2015):
- التعليم.
- علم النفس الصناعي.
- علم النفس العسكري.
- علم النفس الرياضي.
- السياقات الإكلينيكية بخاصة في علاج الاكتئاب والقلق.
وغالبًا ما يتمكن الأشخاص الذي يحققون مستويات مرتفعة من الأمل عبر العلاج بالأمل من الخبرة بما يلي (Kirmani & Sharma, 2015; Cheavens & Guter, 2018):
- أفكار إيجابية أكثر.
- أفكار سلبية أقل.
- رؤية أنفسهم في صورة إيجابية.
- تقدير أعلى للذات.
- طاقة أكبر.
- زيادة مستويات الثقة.
- مستويات أعلى من التحدي الإيجابي.
- أداء نفسي مثالي (الأداء النفسي الوظيفي الأمثل).
- انخفاض أعراض الضيق والمشقة.
- درجة أعلى من النتائج العلاجية الإيجابية.
رابعًا: كيف يطبق العلاج بالأمل (How to Perform Hope Therapy)؟
تساعد المبادئ التالية على تركيز الانتباه فيما يتعلق بكيفية تطبيق العلاج بالأمل كما وصفها لوبيز وآخرون (Lopez et al. 2000):
- يستند العلاج بالأمل إلى مفهوم سنايدر للأمل.
- العلاج بالأمل شكل علاجي شبه منظم ومختصر.
- تُعزز اعتقادات العملاء المرجعية الذاتية بالتركيز على الأهداف والنجاحات السابقة.
- يُسهّل التحالف العلاجي الإيجابي مشاركة العميل.
- يُدرك المعالج العميل كونه خبيرًا في حالته، ويساعده في تطوير إطار للتغيير.
- يهدف العلاج بالأمل إلى تمكين العميل من التعامل مع الصعوبات التي تنشأ في أثناء السعي لتحقيق الأهداف.
- يعكس العلاج بالأمل عملية تطوير الأمل عن طريق مساعدة العميل على تطوير مسارات متعددة لتحقيق أهداف العلاج.
- يبدأ التغيير على المستوى المعرفي.
- العلاج بالأمل شبه مقنن علاجي قائم بذاته، يستخدم فنيات من صيغة العلاج السردي، والعلاج الموجه نحو الحل، والعلاج السلوكي المعرفي.
تتضمن عملية العلاج بالأمل مرحلتين أساسيتين تحتوي كل منهما على خطوتين يمكن توضيحهما فيما يلي (Lopez et al., 2000):
المرحلة الأولى: زراعة وغرس الأمل (Instilling hope):
تتمثل المرحلة الأولى في العلاج بالأمل بزراعة الأمل وغرسه في التكوين النفسي للأشخاص بما يتضمنه ذلك من إيجاد للأمل، والارتباط والتعلق بالأمل:
- إيجاد الأمل (Hope finding): البحث عن الأمل يكمن في تجسيده من سرد القصص. وفي حين ننشغل غالبًا بأنشطتنا اليومية، من المفيد أن نتأمل خيوط الأمل التي تسري في حياتنا. “إن مطالبة الناس بسرد قصصهم يمكن أن يساعد في تسريع فهم كيفية تطور الآمال أو تضاؤلها أو ركودها عبر مراحل حياتهم” (Lopez et al., 2000, p. 128). إن السرد الذي يشاركه العميل يمنح المعالج الفرصة لتحديد المواقف والموضوعات والآراء المفعمة بالأمل وتسليط الضوء عليها وإعادة تشغيلها مرة أخرى.
- الارتباط بالأمل والتعلق به (Hope bonding): يتضمن تكوين تحالف علاجي مُفيد ومُفعَم بالأمل، ويُعزز قدرة العميل على اتخاذ القرارات والمسارات المُمكنة. يعتمد بناء روابط الأمل على ترجمة أهداف التحالف إلى أفكار مُحددة، والمهام إلى مسارات، والروابط إلى قدرة.
المرحلة الثانية: زيادة الأمل (Increasing hope):
تتضمن المرحلة الثانية كلًا من زيادة الأمل بما يشمله ذلك من تحسين الأمل وتعزيزه، والتذكير بالأمل على نحو دائم:
- تحسين الأمل وتعزيزه (Hope enhancing): يتمحور تحسين الأمل حول “توليد أفكار بخصوص الأهداف، وخلق مسارات فعّالة لتحقيقها، والحفاظ على روح المبادرة” لتحقيق الأهداف، والتغلب على العوائق عند ظهورها (Lopez et al., 2000, p. 137). ويتحقق ذلك عن طريق تقنيات متعددة، منها:
- توفير هيكل سردي لكشف الأهداف.
- وضع أهداف واضحة وقابلة للتنفيذ.
- توسيع أفكار المسار وتعزيزها.
- البحث عن قصص مفعمة بالأمل.
- البحث عن الجوانب الإيجابية في الأحداث.
وتتضمن الأدوات التي يمكن تحسين هذه العملية بها قوائم رصد المسارات أو السبل، والتخيلات البصرية الإيجابية.
- التذكير بالأمل (Hope reminding): وتتضمن حلقة التغذية الراجعة لعملية الأمل العلاجية. ويشجع المعالج المريض على الاندماج في الأمل يوميًا، مذكرًا إياه بالروتين الذي يمارس فيه بنشاط إدراكات الأمل أو ما يعرف العمليات المعرفية المتعلقة بالأمل (hopeful cognitions). تقدم تدخلات صغيرة للعميل لاستخدامها بين الجلسات وبعد انتهاء العلاج، لبدء البحث عن الأمل وتعزيزه، وتشمل:
- مراجعة قصة أمل مفضلة.
- إكمال سجلات الأفكار التلقائية لتحسين الأهداف ومواجهة الأفكار المعيقة.
- مراجعة بيان أمل شخصي.
- البحث عن الجوانب الإيجابية في الأحداث.
- التواصل مع الأشخاص المتفائلين.
يتطلب التذكير بالأمل الوعي بأفكار الهدف والحاجز والعقبات، وتقييم الأمل، وفنيات تعزيز الأمل (Lopez et al., 2000). وتجدر الإشارة إلى أن أهداف العلاج بالأمل لا تقتصر على تقليل الأعراض السلبية، بل يركز، مثل المدخل الأوسع لعلم النفس الإيجابي، على أهمية التفكير الإيجابي (Lopez et al., 2000).
خامسًا: أفضل 4 فنيات للعلاج بالأمل (4 Best Hope Therapy Techniques )
في حين أن هناك عديدًا من الفنيات المتاحة لتعزيز الأمل في العلاج، فقد اخترنا عددًا قليلًا من هذه الفنيات على النحو التالي:
1- السرديات في العلاج بالأمل (Narrative in Hope Therapy)
حتى لو امتدت مشاكل عملائك وقضاياهم إلى جوانب متعددة من حياتهم، فقد يكون من المفيد والأقل إرهاقًا التركيز على جانب واحد فقط. وغالبًا ما تبدأ جلسات السرد بتمرين استرخاء قصير لمساعدة العميل على إيجاد الهدوء والتناغم على نحو أكبر مع مشاعره وصوره الذهنية. بعد ذلك، يُطلب من العميل مناقشة ذكرياته الأولى في المجال المختار والبدء في استكشاف آماله في ذلك الوقت. ثم يسأل المعالج العميل عن كيفية سعيه لتحقيق اهتماماته وأحلامه. يمكن للأسئلة التالية أن تساعد العميل على تفسير قصصه من منظور الأمل (Lopez et al., 2000):
- كيف وصلتَ إلى أهدافك؟
- ما كان دافعك؟
- هل كانت أهدافك واقعية؟
- كيف كان مزاجك في أثناء تلك العملية؟
- كيف تغلبتَ على العقبات؟
- هل حققتَ أهدافك؟
- ما شعورك تجاه هذه النتيجة؟
وفي نهاية المطاف يمكن لهذه الأسئلة أن تساعد العميل على إعادة صياغة الخبرة النفسية الشخصية من الناحية العملية قبل إعادة توجيهها إلى الحاضر وربط القصص الماضية بالقضايا الحالية.
2- تنمية الشعور بالاقتدار أو الوكالة الشخصية (Develop a sense of agency)
مع أن الأهداف والمسارات العملية ضرورية، إلا أنها تتطلب القدرة المُدركة على بدء المسار ومواصلته، وهذا ما يُعرف بالقدرة على التصرف أو الوكالة الشخصية واقتدار الذات. ويمكن مشاركة قائمة التحقق التالية مع العميل لفهم المسار الذي يجب أن يسلكه (Lopez et al., 2000):
افعل:
- قل لنفسك: هذا هدفك، واعمل على تحقيقه.
- استخدم حديثًا إيجابيًا مع نفسك (أستطيع فعل هذا).
- توقع العقبات واستعد لها.
- تذكر نجاحاتك السابقة والصعوبات التي تغلبت عليها.
- تذكر أن الفكاهة حليف ثمين.
- عندما يكون هدفك الحالي بعيد المنال، ابحث عن هدف آخر.
- انتبه لصحتك وعافيتك.
لا تفعل:
- اسمح لنفسك بأن تُفاجأ باستمرار بالعقبات التي يمكنك توقعها.
- ذعر عند مواجهة عقبة.
- استنتج أن لا شيء سيتغير للأفضل.
- خذ نفسك على محمل الجد.
- تفقد صبرك عندما لا يكون التغيير فوريًا.
3- تكوين فيلم ذاتي داخلي (Creating an internal movie)
الأفلام الداخلية –إذ يستعرض العميل خطوات تحقيق هدف في ذهنه– قيّمة لتعزيز الأمل. كلما كان الهدف أوضح وأكثر تحديدًا، زادت فائدة التصور (Lopez et al., 2000). اطلب من العميل أن يتدرب ذهنيًا، مع تقوية الصورة الذهنية قدر الإمكان، على ما سيحتاجه لتحقيق أهدافه. شجعه للعمل على كيفية التغلب على المشكلات وتحديد المهارات والموارد التي سيحتاجها. بعد انتهاء الفيلم، يجب على العميل التوقف مؤقتًا وتدوين الخطوات اللازمة لتحقيق الأهداف وأي موارد إضافية يحتاجها في هذا الطريق.
4- قائمة رصد المسارات أو السبل (Pathway checklist)
المسارات الفعّالة تقودنا من وضعنا الحالي إلى الأهداف التي نحددها لأنفسنا. ويجب التخطيط لها بعناية. استخدم قائمة التحقق التالية مع العملاء لمساعدتهم على الوصول إلى مسارات مفيدة وواقعية (Lopez et al., 2000):
- قسّم الأهداف بعيدة المدى إلى خطوات أصغر قابلة للتحقيق.
- في البداية، ركّز على الهدف الفرعي الأول.
- تدرب ذهنيًا على كيفية تحقيق الهدف الفرعي التالي.
- استخدم الخيال للتفكير في كيفية التغلب على التحديات.
- تعلّم مهارات جديدة عند الحاجة.
- كوِّن شبكة دعم.
- اطلب المساعدة عند الحاجة.
وعلى ذلك يعد العلاج بالأمل مدخلًا علاجيًا قويًا للعملاء، فهو يعتمد على تحديد أساليب وفنيات تدخل متنوعة ودمجها للتركيز على الأهداف والمسارات والوكالة (Rand & Cheavens, 2009).
سادسًا: خاتمة
يجدر التنويه إلى أنّ شعور الشخص بالأمل يرتبط بقوة بطيب حياته وحسن حاله. ورأى علماء النفس أن الأمل بوصفه حالة يتضمن وضع أهداف والمثابرة والسعي لتحقيقها وهذا أمر يساعد الناس في الحصول على ما يريدونه من الحياة.
ويستخدم في العلاج بالأمل تدخلات نفسية متنوعة لتحسين التفكير المفعم بالأمل وتعزيز الأداء النفسي الوظيفي لبناء وتكوين الأفكار المتعلقة بصياغة الأهداف وتعزيز وجهة ذهنية ومهارات تمكن الأشخاص من تحقيق هذه الأهداف (Cheavens & Guter, 2018).
ويعمل المعالجون مع العملاء لتحديد أهداف واقعية وتحديات في آنٍ واحد، واستكشاف خيارات للانتقال من وضعهم الحالي إلى ما يطمحون إليه. وتُعزَّز الأفكار الإيجابية لمساعدة العميل على الثقة بنفسه وتحفيزه على اتباع المسار الذي اختاره.
وللعلاج بالأمل فوائد، بما في ذلك زيادة مستويات الثقة والطاقة وتقدير الذات وتقليل الأفكار السلبية والضيق. فلِمَ لا تجرب بعض الأدوات المتاحة لمعالجي الأمل؟ استخدم سرد القصص مع عملائك لتحديد وتسليط الضوء على المواضيع المشجعة على الأمل، وأنشئ فيلمًا داخليًا يستعرض الإجراءات اللازمة لتحقيق أهدافهم.
سابعًا: توثيق المقال
Jeremy Sutton, Ph.D. (2021). How to Perform Hope Therapy: 4 Best Techniques. Scientifically reviewed by William Smith, Ph.D. Positive Psychology.com: https://positivepsychology.com/hope-therapy-techniques/
ثامنًا: المراجع
- Chan, K., Wong, F. K., & Lee, P. H. (2019). A brief hope intervention to increase hope level and improve well-being in rehabilitating cancer patients: A feasibility test. SAGE Open Nursing, 5. https://doi.org/10.1177/2377960819844381
- Chartrand, T. L., & Cheng, C. M. (2002). The role of nonconscious goal pursuit in hope. Psychological Inquiry, 13(4), 290–294.
- Cheavens, J. S., & Guter, M. M. (2018). Hope therapy. In M. W. Gallagher & S. J. Lopez (Eds.), The Oxford Handbook of hope (pp. 133–142). Oxford University Press.
- Kirmani, M. N., & Sharma, P. (2015). Hope therapy in depression: A clinical case work. International Journal of Public Mental Health and Neurosciences, 39–44.
- Lopez, S. J., Floyd, R. K., Ulven, J. C., & Snyder, C. (2000). Hope therapy: Helping clients build a house of hope. In C. R. Snyder (Ed.), Handbook of hope: Theory, measures, and applications (pp. 123–150). Academic Press.
- Luthans, F., Youssef, C. M., & Avolio, B. J. (2015). Psychological capital and beyond. Oxford University Press.
- Rand, K. L., & Cheavens, J. S. (2009). Hope theory. In S. J. Lopez & C. R. Snyder (Eds.), Oxford handbook of positive psychology (pp. 323–333). Oxford University Press.
- Snyder, C. R. (2002). Target article: Hope theory: Rainbows in the mind. Psychological Inquiry, 13(4). https://doi.org/10.1207/S15327965PLI1304_01
- Snyder, C. R., Rand, K. L., & Sigmon, D. R. (2002). Hope theory: A member of the positive psychology family. In C. R. Snyder & S. J. Lopez (Eds.), Handbook of positive psychology (pp. 257–276). Oxford University Press.
مقالات ذات صلة:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا