سلسلة نظرية الأمل والعلاج بالأمل .. الجزء الثالث

يركز في العلاج بالأمل على تحسين وتعزيز الدافعية وتمكين الأشخاص من وضع أهداف شخصية مرغوبة وصياغتها مع تنمية اعتقاداهم في قدرتهم على تحقيق هذه الأهداف.
وتتضمن فنيات العلاج بالأمل فنيات وضع وصياغة أهداف واقعية، نظم ورسم مسارات وسبل تحقيق هذه الأهداف، وتطوير استراتيجيات للتغلب على العقبات المحتمل مواجهتها في أثناء الانسياب في مسارات تحقيق الأهداف الشخصية.
زراعة الأمل وتعهده بالرعاية والتنمية بهذه الممارسات يمكن أن يحسن طيب الحياة والهناء فيها وينمي قدرة الأشخاص على الصمود، علاوة على زيادة معامل الرضا عن الحياة.
وتشي كلمة “الأمل” في واعية رجل الشارع العادي ولغة الحياة اليومية بالتفكير غير الواقعي القائم على محض الرغبة والتمني. إلا أن أنصار علم النفس الإيجابي يقاربون مفهوم “الأمل” من منظور آخر باعتباره “حالة إيجابية للعقل، تمكن الأشخاص من المثابرة والتصميم على تحقيق أهدافهم الشخصية في الحياة رغم ما قد يتعرضون له من متاعب وتحديات بل وعثرات وإخفاقات” (Luthans, Youssef, & Avolio, 2015)، وقد يغيب عنا الأمل في بعض الأحيان، الأمر الذي يجعلنا غير قادرين على تصور الطريق إلى مستقبل أفضل.
يساعد العلاج بالأمل الأشخاص على وضع أهداف حياتية شخصية واضحة وذات قيمة، وتمكينهم من رسم مسارات للنجاح في تحقيق هذه الأهداف، وحشد طاقاتهم النفسية الدافعية الداخلية لتحقيق هذه الأهداف (Lopez, Floyd, Ulven, & Snyder, 2000).
أولًا: ما المقصود بالعلاج بالأمل من منظور علم النفس الإيجابي؟ (What Is Hope Therapy in Positive Psychology?)
قدم تشارلز ريتشارد سنايدر (2002) النظرية المعرفية للأمل (cognitive theory of hope) منذ قرابة عقدين من الزمن في محاولة لوصف وفهم وتفسير كيف يتحرك الناس باتجاه ما يريدون فعله وتحقيقه في الحياة (Rand & Cheavens, 2009).
ورغم التطورات الهائلة التي طرأت على التصورات والأطر النظرية المفسرة للأمل فالمبدأ المركزي لنظرية الأمل لا يزال بشكله المستقر كما نظمه وصاغه سنايدر، الذي يؤكد أن “كثيرًا من السلوك البشري موجه نحو هدف”، الأمر الذي يجعل الأمل مرتبطًا بما يطلق عليه “السلوك الموجه بالهدف (Goal- Directed behavior) (Rand & Cheavens, 2009, p. 324).
وعلى ذلك تأسست نظرية الأمل على مكون محوري: “الأفكار وعمليات التفكير المتعلقة بالهدف” (goal thoughts)، التي يضع الأشخاص ويصيغون بموجبها ما يعرف بالأهداف النوعية المحددة التي توجه سلسلة أفعالنا المتتالية والمتتابعة في المسار نفسه. وعادة ما تتضمن أفكار الهدف جملًا تعبيرية ذاتية مثل: أريد الحصول على وظيفة جديدة، أو صورًا ذهنية تتمثل في رؤية الشخص لذاته جالسًا على شاطئ بحر في جو ممتع في أثناء قضاء عطلة موسمية قريبة (Rand & Cheavens, 2009).
ووفقًا للنموذج الأول لنظرية الأمل كما صاغها سنايدر (2002) يوجد نمطين عامين للأهداف المرغوبة:
نواتج هدف إيجابية (Positive goal outcomes)
وتتمثل في النواتج الخاصة بما يعرف بأهداف الإقدام في ما الذي نرغب في تحقيقه مثل:
- السعي لتحقيق هدفك الأول (مثل شراء أول سيارة، أو منزل).
- الحفاظ على هدفك الحالي (مثل توفير مدخرات للتقاعد).
- تحقيق هدفك الحالي الذي أحرزت بعض التقدم فيه (مثل إعالة نفسك، أو بيع أول كتاب لك، إلخ).
نواتج هدف سلبية (Negative goal outcomes)
تتضمن الأهداف السلبية منع النتيجة غير المرغوب فيها أو تأجيلها:
- منع حدوث أمر سلبي.
- تأخير حدوث أمر غير مرغوب فيه.
وتتضمن الأبعاد التكوينية لنموذج نظرية الأمل في صيغتها الأولى الأبعاد التالية (Snyder, 2002; Rand & Cheavens, 2009):
- الأهداف (Goals): الأهداف العقلية التي تُوجِّه أفعالنا. من المثير للاهتمام أن شارتراند وتشنغ (Chartrand & Cheng 2002) يُشيران إلى أن السعي وراء الهدف ليس دائمًا واعيًا، وليس بالضرورة أن يكون كذلك للتأثير على الأمل.
- المسارات أو السبل أو الطرق (Pathways): وباعتبارنا بشرًا، يمكننا ترتيب سلوكياتنا للوصول إلى أهدافنا المستقبلية أو رسم ملامح الظروف المرغوبة عن طريق تخيل الطرق بين مكاننا الحالي والمكان الذي نريد أن نكون فيه.
- الاقتدار أو الوكالة الشخصية (Agency): يمثل بُعد الدافعية أو عنصرها في نظرية الأمل ويصف هذا البعد “القدرة المدركة من الشخص على استخدام المسارات للوصول إلى الأهداف المرغوبة” (Rand & Cheavens, 2009, p. 325).
من جانب آخر قارب تشارلز ريتشارد سنايدر الأمل وصفًا وتفسيرًا بكونه بنية نفسية تتضمن ما سماه “قوة الإرادة” (The will Power)، و”قوة المسارات” (Pathways Power)، وهما عنصران أساسيان في عديد من صيغ العلاجات النفسية منذ ظهور نظرية الأمل (Snyder, Rand, & Sigmon, 2002; Kirmani & Sharma, 2015). وعند علاج العميل “تحدث التغييرات المفيدة لأن المرضى يتعلمون تفكيرًا أكثر فعالية موجهًا نحو الهدف والمسار” (Kirmani & Sharma, 2015, p. 40).
وعلى ذلك جاء العلاج بالأمل (Hope Therapy) لتعظيم فاعلية فنيات التدخل التي أسست على نظرية الأمل أو اشتقت منها. ويفيد أنصار العلاج بالأمل أن فاعلية العلاجات النفسية الأخرى مثل العلاج الموجه نحو الحل، والعلاج السردي، والعلاج السلوكي المعرفي تزداد عندما نُضمِّنها فنيات تستهدف تنمية الأمل (Lopez et al., 2000, p. 123).
يحدث التغيير في الأمل على المستوى السلوكي أو السطحي، لكن أيضًا يحدث على مستوى أعمق بكثير، ويتضمن ثقة العميل بنفسه واعتقاده في قدرته على التفكير القائم على الاقتدار والجدارة المقترنان بالسلوك نحو الهدف (Lopez et al., 2000).
العلاج بالأمل علاج شبه مقنن يعتمد على صيغ التدخلات قصيرة الأجل مع التركيز على تمكين العميل من وضع وصياغة أهداف واضحة وقابلة للتحقيق وتتسق مع قدراته وإمكانياته وتعزيز ثقته في قدرته على تحقيقها.
عادةً ما يتبنى أنصار العلاج بالأمل الافتراضات التالية بشأن الأمل والطبيعة البشرية وعملية التغيير (Snyder, 2002, p. 125):
- تُطبّق نظرية الأمل نموذجًا معرفيًا على الدوافع البشرية.
- جميعنا قادرون على التفكير المتفائل.
- يمكننا زيادة درجة أفكارنا المتفائلة.
- يؤثر تقييمنا للماضي والمستقبل على نظرتنا للحاضر.
- يمكننا النظر إلى المواقف جميعها تقريبًا بأمل.
- تؤثر الخبرة والتوقعات الاجتماعية على نموّ الأمل لدينا.
- يمكن للتحالفات العلاجية الداعمة أن تُعزز الأمل.
- يمكن للأفكار السلبية التلقائية أن تُعيق تحقيق أهدافنا.
وأفاد سنايدر (2002) أن الأفكار المفعمة بالتفاؤل هي الأفكار التي نعتقد بموجبها أننا قادرون على رسم مسارات أو تخطيط سبل تحقيقنا لأهدافنا المنشودة على نحو يحفزنا على الانسياب التلقائي الذاتي الإرادي في هذه المسارات، وبين أنّ نظرية الأمل بهذا النحو تشكل جزءًا من بينة علم النفس الإيجابي ويركز فيها على تعزيز الانفعالات الإيجابية وتحسينها وتمكين الناس من تحقيق طيب الحياة والهناء فيها.
يجادل سنايدر وآخرون (2002) بأن الأفكار المتفائلة هي تلك التي نعتقد فيها أننا نستطيع إيجاد السبل لتحقيق أهدافنا المنشودة ونحفز أنفسنا على استخدامها. ويشير إلى أن نظرية الأمل تُشكل جزءًا من علم النفس الإيجابي، وتُركز على توجيه مشاعر الناس ورفاهيتهم (Snyder et al., 2002).
مقالات ذات صلة:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا