علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

سلسلة نظرية الأمل، والعلاج بالأمل .. الجزء الأول

نظرية الأمل: قوس قزح في العقل (ريتشارد تشارلز سنايدر، 1994، 2002)

مقدمة

مما تفاجأت به عند تصفحي لشبكة المعلومات العالمية باستخدام الكلمة المفتاحية “قوس قزح أو ألوان الطيف” (rainbows) عثوري على عنوان شديد الجاذبية “نظرية الأمل (hope theory) استخدم فيه تعبير “قوس قزح” رمزًا مجسدًا لهذه النظرية.

وجدت أنّ الأمل يُعْرفُ وفقًا لهذه النظرية بأنه “قدرة مُدْركة من الشخص لتخليق مسارات لتحقيق الأهداف المرغوبة واستنهاض دافعية الذات أو تحفيزها في أثناء التفكير في تلك المسارات”، وبالإبحار في هذه النظرية وجدت أنها تنسب إلى سنايدر الذي كان مولعًا وشديد الاهتمام بمفهومي “الأمل” (hope)،  و”العفو أو التسامح” (forgiveness).

جدير بالذكر أن تشارلز ريتشارد سنايدر كرس حياته العلمية والمهنية في تأليف ستة كتب مرجعية عن نظرية الأمل، وكتب أكثر من (262) مقالًا ودراسة علمية عن تأثيرات الأمل على جوانب الحياة مثل: الصحة، العمل، التعليم، المعنى الشخصي.

تتضمن نظرية الأمل وفقًا لتصورات تشارلز ريتشارد سنايدر ثلاثة تكوينات أساسية، نوقشت على نحو تفصيلي في إطار طابعها البنائي العام المجسد لبنية الأمل وأبعاده وتتمثل في: الأهداف (goals)، الاقتدار (agency)، والمسارات أو السُبل (pathways).

تجسد الأهداف ما يعرف بالإبحار في الحياة بذهنية السلوك الموجه بالهدف (goal-oriented behavior)، في حين يعبر مفهوم “المسارات” عن تمكن الشخص من وضع خطة بالطرق أو المسارات والسبل المختلفة التي ينبغي له ارتيادها لتحقيق الأهداف التي وضعها، من جانب آخر يشير مفهوم “الاقتدار” إلى التوجه نحو الأداء الفعلي المفعم باعتقاد الشخص بأنه قادر على إحداث تغيير وتحقيق الأهداف التي وضعها لنفسه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

واقع الأمر أن سنايدر وصف الأفراد ذوي “التفكير المفعم بالأمل” (hopeful thinkers) بأنهم أولئك الأشخاص القادرون على تكوين أهداف شخصية وصياغتها لهم في الحياة، والعمل باجتهاد ومثابرة وتصميم على تحقيقها مهما كانت العقبات أو العثرات أو الإخفاقات.

أولًا: تعريف الأمل وأبعاده من منظور تشارلز ريتشارد سنايدر

بصرف النظر عن التفاصيل السابقة كافة، “نظرية الأمل”، وتعرف لدى رجل الشارع العادي وفي أدبيات علم النفس الشعبي باسم “قوس قزح في العقل” أو “ألوان الطيف الوردي في العقل”، نظرية نفسية صاغها وطورها تشارلز ريتشارد سنايدر (Charles R. Snyder 1985) وعرفها في بدايات تصويره النظري المفاهيمي لها بأنها “خبرة دافعية دينامية تنشأ في التكوين النفسي للشخص من وسيلتين أو مكونين معرفيين: التفكير القائم على رسم السبل أو المسارات، والتفكير المفعم بالاقتدار والجدارة”.

افترض سنايدر أن “الأمل” ليس محض شعور يسيطر على الشخص، بل قدرة معرفية تمكنه من تكوين مسارات واستخدامها أو سبل تحقيق أهداف مرغوبة، وتعبئ تكوينه النفسي بدافعية تحريك وهمة ذاتية مقترنة ومترافقة مع اعتقاده بقدرته على تحقيق هذه الأهداف، رغم ما قد يتعرض له من تحديات أو عقبات أو متاعب أو حتى عثرات وإخفاقات.

وفيما يلي تناولٌ موجزٌ للمفاهيم المتضمنة في بنية تكوين الأمل وفق تصور تشارلز ريتشارد سنايدر (1985-2002):

التفكير القائم على رسم السبل أو المسارات (Pathways Thinking)

يعكس قدرة الشخص على تصور المسارات والطرق والسبل المتعددة وتحديدها لتحقيق “هدف”، حتى عند مجابهة عقبات وتحديات أو مواجهتها.

التفكير القائم على الاقتدار والجدارة (المقدرة الشخصية أو وكالة الذات (Agency Thinking))

ويمثل اعتقاد الشخص في قدرته على المبادرة واستدامة القيام بالأفعال الضرورية لتحقيق النواتج المرغوبة.

الأهداف (Goals)

الأغراض والأهداف النوعية المحددة التي يثابر ويسعى الشخص لتحقيقها، التي يمكن أن ترتبط بنطاق واسع من المجالات. مثل: المجالات الأكاديمية، الرياضية، الارتقاء الشخصي.

ثانيًا: الأمل عملية دينامية (Hope as a Dynamic Process)

تفيد نظرية الأمل لريتشارد سنايدر أن “الأمل” ليس سمة شخصية ثابتة بل عملية دينامية تتضمن تفاعلًا بين التفكير القائم على رسم السبل والتفكير المفعم بالاقتدار أو الجدارة والمقدرة، ترتقي وتتطور باستمرار مع توجه الأشخاص نحو تحقيق أهدافهم.

وتبدأ ديناميات رحلة تحقق بنية الأمل بهذا المعنى عن طريق:

  • وضع هدف (Goal Setting): يضع الأشخاص أهدافًا شخصية نوعية محددة يرغبون في السعي لتحقيقها.
  • تطوير خطة ووضعها لتتضمن مسارات أو سبل تحقيق هذا الهدف (Pathways Development): أي يستكشف الأشخاص عقليًا ويُولِّدوا مسارات أو أساليب مختلفة للوصول إلى تلك الأهداف.
  • التطبيق القائم على الاقتدار أو امتلاك زمام الذات والجدارة (Agency Implementation): يستخدم الأشخاص تفكيرهم المستقل القائم على يقينهم بالاقتدار لتحفيز أنفسهم على اتخاذ الإجراءات اللازمة والتنقل في المسارات المختارة.
  • عملية دينامية (Dynamic Process): إن هذه العملية ليست خطية، فالتحديات والنكسات أو العقبات التي قد يتعرض لها الأشخاص يمكن أن تؤدي بهم إلى عمل تعديلات في المسارات والإجراءات دون تخلٍ عن الأهداف، مما يعزز الأمل تعزيزًا أكبر.

ثالثًا- فوائد الأمل (Benefits of Hope)

  • الدافعية والمثابرة أو الإصرار والمواظبة (Motivation and Persistence): يزودنا الأمل بقوة دافعية بالغة تشجعنا على المثابرة والإصرار والتصميم حتى عندما نتعرض لعقبات أو عثرات أو إخفاقات.
  • تحسين الأداء (Improved Performance): ترتبط المستويات المرتفعة من الأمل بتحسن جوهري في الأداء الأكاديمي والرياضي والعملي.
  • تحسين طيب الحياة والهناء فيها (Enhanced Well-being): يرتبط الأمل بالتوافق النفسي الإيجابي وبانخفاض جوهري في المشقة وبتحسن دال وملحوظ في الصحة النفسية.
  • تحسين القدرة على التحمل والدأب والمرونة والصمود النفسي (Resilience): يساعد الأمل الأشخاص على النهوض وسرعة التعافي من التأثيرات السلبية للعثرات والشدائد، ويحسن من القدرة على التحمل والصمود في مواجهة التحديات والعقبات.

خاتمة

عمومًا تُلقي نظرية الأمل الضوء على أهمية كل من التفكير في كيفية تحقيق الشخص لأهدافه فيما يعرف بالتفكير القائم على رسم السبل والمسارات أو الموجه نحوها، واعتقاد الشخص في قدرته على ضبط وإدارة ما يحدث فيما يعرف بالتفكير القائم على الجدارة والاقتدار والوكالة الشخصية كونها عناصر أساسية في تجذير النظرية التفاؤلية المشرقة للحياة.

المصدر

1- Snyder, C. R. (2002). Hope Theory: Rainbows in the Mind. Psychological Inquiry, 13(4): 249-275.

2- Snyder, C. R. (Ed.). (2000). Handbook of hope: Theory, measures, and applications. Academic press.

3- Snyder, C. R., Rand, K. L., & Sigmon, D. R. (2002). Hope theory. Handbook of positive psychology, 257-276.

مقالات ذات صلة:

العلاج النفسي في مقابل العلاج: هل ثمة فروق؟

رغم الألم نبث الأمل

التفكير في علم النفس وأنواعه وخصائصه

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د . محمد السعيد أبو حلاوة

اختصاصي الصحة النفسية والإرشاد النفسي، كلية التربية جامعة دمنهور