مقالات

رمضان منذ ألف عام

عاشت القاهرة منذ ألف عام ليالٍ عظيمة إمتلأت بالتفاريح والأهازيج، وذلك زمن الفاطميين وما عُرف عنهم بكثرة الاحتفالات وإقامة المناسبات، وبالطبع جاء ذلك على هوى أولاد البلد كعاداتنا “نتلكك وننكش على الفرحة بملقاط”.

وكانت أشكال الاستعداد لاستقبال شهر رمضان الكريم:

كشف المساجد

كان القضاة بمصر إذا بقي لشهر رمضان ثلاثة أيام طافوا يوما على المشاهد، والمساجد بالقاهرة ومصر، فيبدأون بجامع المقس (مكانه الحالي جامع الفتح برمسيس)، ثم بجوامع القاهرة، ثم بالمشاهد، ثم بالقرافة، ثم بجامع مصر (جامع عمرو بن العاص)، ثم بمشهد الرأس (جامع الحسين) لنظر حصر ذلك، وقناديله، وعمارته، وإزالة شعثه.

إبطال المسكرات

كانت العادة جارية أن تغلق جميع قاعات الخمارين بالقاهرة ومصر، وتختم ويحذر من بيع الخمر، وأن ينادى بأنه من تعرّض لبيع شيء من المسكرات، أو لشرائها سرا أو جهرا فقد عرّض نفسه لتلافها وبرئت الذمّة من هلاكها.

ركوب الخليفة

كان في أوّل يوم من شهر رمضان يُرسل لجميع الأمراء وغيرهم من أرباب الرتب والخدم لكل واحد طبق، ولكل واحد من أولاده ونسائه طبق فيه حلواء، وبوسطه صرّة من ذهب، فيعم ذلك سائر أهل الدولة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ويقوم الخليف بالركوب أوّل شهر رمضان، وهو يقوم مقام الرؤية عند الفاطميين، فيجري أمره في اللباس والآلات والأسلحة، فيركب الخليفة بزيه المفخم، وهيئته العظيمة، ويفرّق فيه الدنانير، ويفرّق من السماط الذي يعمل بالقصر لأعيان أرباب الخدم من أرباب السيوف، والأقلام بتقرير مرتب، خرفان شواء، وزبادي طعام وجامات حلواء، وخبز وقطع منفوخة من سكر، وأرز بلبن وسكر، فيتناول الناس من ذلك ما يجل وصفه.

فلك أن تتخيّل كيف كانت القاهرة في استقبالها الباذخ لشهر رمضان، وكيف كانت مساجدها تُضاء بالقناديل والتنانير لتصبح في أبهى صورة، وكيف كانت تُفرد الأسمطة (موائد الطعام) على أطباق من ذهب ونحاس وكيف كان مشهد ركوب الخليفة الأسطوري.

آيام وليالٍ عاشها القاهريون منذ ألف عام، رمضان كريم وكل عام وأنتم بخير.

اللوحة لرجل يشعل المصباح داخل أحد المساجد للفنان الإسباني “أنطونيو فابريس”

اقرأ أيضاً:

المشروبات الرمضانية

وقفات حول فضل رمضان

التراث أم الحداثة

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

عبد العزيز فهمى

باحث فى مجال التراث