“ليس الإنسان وحدة وليس مستقلًا، بل هو خاضع لعملية بناء دائمة، منفتح دائمًا على التغيير” ص ١٧٩، في كتابه “حيلة الأنا” يفكك المؤلف الرائد جوليان باغيني فكرة أو بالأحرى وهم ثبات الذات والهوية. إذ يعتقد الإنسان أنه ذاته عبر مراحل عمره المختلفة لمحض وجود تاريخ شخصي خاص به من الطفولة حتى الشيخوخة، بالطبع يتضمن هذا التاريخ الاسم، الدور، الميول، مكان الميلاد، الاعتقاد، مجموع العلاقات، وحتى أفكاره عن ذاته.
يواجه باغيني القارئ بسؤال وواقعة: “أننا مكونون من شبكة مستمرة نفسيًا من الأفكار والمشاعر والمعتقدات والذكريات، فيأتي الخرف ويقول: حسنًا، حسنًا، دعنا ننفض عرى هذه الشبكة عروة عروة، ونرى ما إذا كان هناك أي شيء سيبقى”.
يصيب الخرف الذاكرة في مقتل. وبذلك يتقوض عنصر هام من عناصر الذات. ليس فقط الخرف بل فقدان الذاكرة القصير المدى أو الطويل المدى. كذلك اختلالات الهرمونات، وأورام المخ وحتى الأمراض الجسدية المزمنة. هذه الحوادث كلها تكشف مدى هشاشة الذات. وتكشف أيضًا وذلك الأهم عدم وجود لؤلؤة أو مركز لتلك الذات إذا كانت موزعة بين الجسد والذاكرة والجهاز العصبي. وتلك هي حيلة الأنا “خلق شيء ما لديه إحساس بالوحدة والتفرد. في حين هو في الواقع سلسلة فوضوية من التجارب والذكريات”.
إلا أن جوليان باغيني يرى في هذه الهشاشة عنصر قوة وارتقاء ومرونة.
إذ من الممكن تغيير الرؤية المحبطة لثبات الذات وعدم إمكانية تغييرها وإنشائها من جديد.
ربما يكون السياق وضغط السلطة والمحيط قد وصل بنا إلى ما ندعوه الآن ذواتنا الحقيقية. إلا أن هذه الذات ليست ملكنا، بل المعتقدات والرغبات التي نتوصل إليها بنشاط وإرادة ونوع من الاختيار المناسب لميولنا وحقيقتنا. بمقدورنا إعادة إنشاء ذواتنا دائمًا دون فقدان للأمل أو الخضوع لوهم الحتميات النفسية والاجتماعية.
“المعتقدات والرغبات التي توصلت إليها بنشاط هي ملكك الحقيقي، أكثر من تلك التي نشأت فيك ببساطة” ص٢٩٠.
“الهوية نفسها ليست مكتسبة فقط، بل هي شيء نستطيع خلقه بأنفسنا بطريقة ما، من أفعالنا”.
مقالات ذات صلة:
هومي بابا والقراءة النفسية بين الأنا والآخر
الأنا والآخر في تجليات الاختلاف الفلسفي
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا