مقالات

تاريخ العنصرية واليمين المتطرف في أوروبا والغرب

يجب أن نفهم تاريخ العنصرية كي نفهم أين نحن اليوم، وكيف نتعامل ونخطط ونفهم نفسية العنصريين في أوروبا وأمريكا ودوافعهم.

قبل القرن التاسع عشر الميلادي، كان الجنس الأبيض أو أصحاب البشرة الشاحبة ليس لديهم أي عنصرية، كانوا يعرفون أنهم بشر مثل البشر كلهم، كل ما في الأمر أنهم انتصروا أخيرًا في حروب عديدة على شعوب أخرى بفضل تطوير استعمال البارود والأسلحة النارية.

بل قبل ذلك في القرن السادس عشر الميلادي كانت شعوب أوروبا تُعَد أقل الشعوب في الحضارة، وينظر لها البشر في الهند والصين والعالم الإسلامي على أنها شعوب همجية متخلفة قبيحة الشكل والتصرفات وقليلة النظافة والأدب.

في القرن التاسع عشر ظهرت خرافة أن العرق الأبيض متميز عن الأعراق الأخرى، وهي خرافة صدقها سكان أوروبا كلهم، ومارسوا هذه الخرافة على الشعوب غير الأوروبية كلها، سواء في مستعمرات إفريقيا أو آسيا أو على اليهود في أوروبا، لأن أغلبهم ليسوا بيض البشرة وليسوا مسيحيين، وكان الأوروبيون المسيحيون يعدونهم شعبًا خائنًا يعبد المال، وقتلة المسيح وبخيل وشرير، إلخ.

في الحرب العالمية الثانية اشتعلت حرب بين العنصريين النازيين بقيادة ألمانيا وإيطاليا، والعنصريين الرأسماليين الليبراليين بقيادة أمريكا وإنجلترا وفرنسا. يعني حرب بين طرفين، كليهما عنصري ضد شعوب إفريقيا وآسيا. أيضًا كانت أغلب شعوب أوروبا من الطرفين ضد اليهود ويرون أنهم شعب شرير.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

في أثناء هذه الحرب قدم اليهود ولاءهم للطرف الرأسمالي بقيادة أمريكا وإنجلترا وفرنسا، تعاونهم مع هذا الطرف في الحرب مقابل اتفاق على تحقيق مزايا لهم بعد الحرب، مزايا في أوروبا وأمريكا وفلسطين!

بعد الحرب انتصر الطرف العنصري التابع لأمريكا وإنجلترا، واحتل أوروبا وسيطر عليها تحت شعار ما يسمى الحلفاء، ثم حلف الناتو، إلخ من التسميات.

في أثناء فوضى ما بعد الحرب، تغلغل التنظيم اليهودي في المؤسسات الغربية والأوروبية، وطبق ما يسمى قوانين مكافحة العداء للسامية، واضطهاد كل من يعارض اليهود والصهيونية.

نتيجة هذه القوانين، أنه حتى اليوم أي شخص يُتهم أو حتى يتهم أجداده بمعاداة اليهودية، يُضطَّهد، فلا يجد عملًا ويجد ملاحقات قضائية ومتاعب، فلا يجد المال الذي يكفيه للحياة، ويعيش في فقر وخوف مستمر، حتى اليوم!

تحت هذا الكبت الذي يتعرض له كثير من الأوروبيين العنصريين، قرر الناس اختيارًا بين ثلاثة اتجاهات:

  1. أن يكتشف أن العنصرية خرافة، والبشر كلهم متشابهون، فيهم الذكي والغبي والطيب والشرير، الموضوع ليس له علاقة بلون الجلد.
  2. الصمت والاستسلام للتبعية لليهود، لكن لا يزال بداخله الإحساس بالعنصرية. لكن يوجهها ضد المسلمين، لأنه يعرف أنه لو وجهها ضد اليهودية فسوف تُدَمر حياته.
  3. الصمت والكبت، لكن بداخله كراهية مكبوته لليهود، وأيضًا للمسلمين والأفارقة والآسيويين ويعرف أنهم سبب ما هم فيه اليوم من سيطرة.

في القرن الحادي والعشرين بدأت أوروبا وأمريكا في التدهور والفشل، وصعود جنوب شرق آسيا والسبق في الاقتصاد والعلم والتعليم وكل شيء، في حين يتزايد الفقر والبؤس في الغرب، تتحسن الأحوال في الصين والهند وكوريا واليابان وماليزيا وإندونيسيا، إلخ، فضلًا عن رفاهية وغنى شعوب الخليج العربي مثل الإمارات والسعودية، وشعور الأوروبي العادي اليوم بأنه أفقر وأقل من هذه الشعوب كلها.

هذا الغضب، يرفع إحساس الإحباط، ومن ثم الحسرة على الأيام الماضية الجميلة في القرن التاسع عشر والهروب في الماضي، ومن أفكار الهروب: العنصرية، استحضار العنصرية القديمة التي ماتت وانتهت.

وبما أن العنصرية القديمة أصبحت غير منطقية، وأصحاب البشرة البيضاء في أوروبا اليوم كثير منهم عاطلون فاشلون فقراء، تتحول العنصرية إلى عنصرية ضد المهاجرين، المهاجرين المجتهدين الأذكياء الذين يأخذون فرص العمل ومتعلمين، في حين العنصري الأوروبي عاطل فاشل في بلده، يعيش على المعونة وشرب الخمر والأعمال المهنية المنخفضة المستوى ومنخفضة الدخل ومنخفض التعليم.

هنا يوجد مدخلين للتعامل مع العنصريين والأحزاب اليمينية المتطرفة في الغرب اليوم:

المدخل الأول: تستعمله الصهيونية، زيادة كراهية العنصري الأوروبي للإسلام والمسلمين، تحت شعار العداء للمهاجرين، وطبعًا معهم المال والإعلام والتواصل مع السلطة السياسية.

المدخل الثاني: يجب أن نستعمله نحن في بلاد الشرق، أن نوضح أن هؤلاء المهاجرين أغلبهم كان يريد أن يكمل حياته في بلاده ولا يهاجر، لكن ما تصنعه إسرائيل من فوضى في بلاد الشرق الأوسط يجعل هؤلاء يهاجرون ويهربون لأوروبا وأمريكا.

وما يصنعه الاستعمار الغربي من نهب ثروات بلادنا هو ما ينشر الفقر، فيتجه الناس للهجرة إلى أوروبا وأمريكا بحثًا عن حياة أفضل.

العنصرية الأوروبية ستموت، لأنها بلا مستقبل، حالة شاذة ظهرت في القرن التاسع عشر نتيجة ظروف مؤقتة انتهت.

المهم اليوم أن نستعملها لصالح الحق والعدل والحرية والاستقلال، شعوب تريد أن تنعزل عن العالم ويتركها العالم في حالها دون هجرة، وعليه يجب أن يطالبوا بأن لا تتدخل حكوماتهم ورجال أعمالهم في سرقة بلادنا، ويجب أن يوقفوا الدعم لإسرائيل كي تتوقف عن نشر الفوضى وأمواج الهاربين والمهاجرين من بلاد الشرق الأوسط المسلمة.

عزيزي العنصري الأوروبي، عايز نسيبكم في حالكم، سيبونا في حالنا! لا تسرقونا ولا تحتلوا بلادنا ولا تساعدوا الكيان العنصري في فلسطين.

مقالات ذات صلة:

أن تصدق أنك أقل

هل للعرقية والتعصب أساس جيني بيولوجي؟

التعصب في مرآة رمزية العنف

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. خالد عماره

الاستاذ الدكتور خالد عماره طبيب جراحة العظام واستاذ جراحة العظام بكلية الطب جامعة عين شمس